الخارجية الأوكرانية: القمة المقبلة ستكون نهاية الحرب ونحتاج روسيا على طاولة المفاوضات    بيلينجهام رجل مباراة إنجلترا وصربيا في يورو 2024    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 37.. حالة الطقس ثاني أيام العيد    الصحة السعودية: لم نرصد أي تفشيات وبائية أو أمراض معدية بين الحجاج    العيد تحول لمأتم، مصرع أب ونجله صعقا بالكهرباء ببنى سويف    إيرادات حديقة الحيوان بالشرقية في أول أيام عيد الأضحى المبارك    زوارق الاحتلال تُطلق نيرانها تجاه المناطق الشمالية لقطاع غزة    خفر السواحل التركي يضبط 139 مهاجرا غير نظامي غربي البلاد    زيلينسكي يدعو لعقد قمة ثانية حول السلام في أوكرانيا    فقدان شخصين جراء انقلاب قارب في ماليزيا    من التجهيز إلى التفجير.. مشاهد لكمين أعدّته المقاومة بمدينة غزة    وزير الداخلية السعودي يقف على سير العمل بمستشفى قوى الأمن بمكة ويزور عدداً من المرضى    بيرو: لا يوجد تهديد بحدوث تسونامى بعد زلزال بقوة 6.3 ضرب البلاد    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    بيلينجهام يقود منتخب إنجلترا للفوز على صربيا في يورو 2024    تعرف على حكام مباراتى الجونة والبنك الأهلى.. والإسماعيلى وإنبى    موعد مباراة الزمالك والمصري فى الدوري والقناة الناقلة    مانشستر يونايتد يجدد الثقة في تين هاج    ذراع الكرة.. وذراع الخمر    محمد سالم: مباراة طلائع الجيش كانت فاصلة ل المقاولون العرب    مدرب سموحة السابق: الأهلي والزمالك في مباراة صعبة لمحاولة اللحاق ببيراميدز    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    عاجل.. موعد اجتماع لجنة تسعير المواد البترولية لتحديد أسعار البنزين والسولار    وزير الإسكان: زراعة أكثر من مليون متر مربع مسطحات خضراء بدمياط الجديدة    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    الاستعلام عن صحة مصابي حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالطريق الأوسطي    وفاة الحاج الثالث من بورسعيد خلال فريضة الحج    وفاة شخص وإصابة 3 آخرين من أسرة واحدة فى حادث تصادم سيارتين بالغربية    عبير صبري ل"الحياة": خفة الدم والنجاح والصدق أكثر ما يجذبنى للرجل    ممثل مصري يشارك في مسلسل إسرائيلي.. ونقابة الممثلين تعلق    عبير صبري ل"الحياة": خفة الدم والنجاح والصدق أكثر ما يجذبنى للرجل    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    هل يجوز بيع لحوم الأضحية.. الإفتاء توضح    صحة كفر الشيخ: تنفيذ خطة التأمين الطبي بنجاح    عادة خاطئة يجب تجنبها عند حفظ لحمة الأضحية.. «احرص على التوقيت»    بعد كسر ماسورة، الدفع ب9 سيارات كسح لشفط المياه بمنطقة فريال بأسيوط    أجواء رائعة على الممشى السياحى بكورنيش بنى سويف فى أول أيام العيد.. فيديو    متى آخر يوم للذبح في عيد الأضحى؟    محمد أنور ل"فيتو": ليلى علوي بمثابة أمي، ومبسوط بالشغل مع بيومي فؤاد في "جوازة توكسيك"    الرئيس الأمريكى: حل الدوليتين السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم للفلسطينيين    أكلات العيد.. طريقة عمل المكرونة بالريحان والكبدة بالردة (بالخطوات)    الحج السعودية: وصول ما يقارب 800 ألف حاج وحاجة إلى مشعر منى قبل الفجر    «البالونات الملونة» فى احتفالات القليوبية.. وصوانى الفتة على مائدة الفيومية    "Inside Out 2" يزيح "Bad Boys 4" من صدارة شباك التذاكر الأمريكي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    «العيدية بقت أونلاين».. 3 طرق لإرسالها بسهولة وأمان إلكترونيا في العيد    الدراما النسائية تسيطر على موسم الصيف    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    مرور مكثف على مكاتب الصحة ومراكز عقر الحيوان بالإسماعيلية    في أقل من 24 ساعة.. "مفيش كدة" لمحمد رمضان تتصدر التريند (فيديو)    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    منافذ التموين تواصل صرف سلع المقررات في أول أيام عيد الأضحى    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجلس وطنى للتعليم أم للتمكين؟
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 01 - 2013

كانت مفاجأة كاملة لكل الذين تابعوا المشهد الليلى لإقرار الدستور، فحينما تجاوزت الساعة موعد صلاة الفجر كان رئيس اللجنة التأسيسية بهمة شديدة قد وصل إلى المادة 214 من الدستور الجديد.

•••

تقول المادة 214: «يختص المجلس الوطنى للتعليم والبحث العلمى بوضع استراتيجية وطنية للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله وتحقيق التكامل بينهما والنهوض بالبحث العلمى ووضع المعايير الوطنية لجودة التعليم والبحث العلمى ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجيات».

وتمثلت الدهشة فى الظهور المفاجئ لهذا النص، وهو إنشاء مجلس للتعليم رغم أن مسودات الدستور السابقة كانت تخلو من هذا النص، حتى إن عددا لا يستهان به من المتخصصين فى التعليم لم يعرفوا أصلا بوجوده حتى بعد إقرار الدستور!

وعملا بفقه ما لا يدرك مسبقا لا يترك مستقبلا فإنه يصبح من الأمور الحتمية الآن بعد إقرار الدستور أن نبدأ التفكير فى الكيفية التى سيفعل بها هذا النص الدستورى وتحويله إلى واقع ملموس. وأولى الخطوات التى ينبغى أن تتم هى إجراء حوارا مجتمعيا علنيا حول أهداف هذا المجلس واختصاصاته وتكوينه حتى إذا فرغ الحوار الديمقراطى يمكن وضع ما تم توصل إليه فى مواد قانونية يصدرها المجلس النيابى. ومن الأسئلة الإجبارية حول إنشاء هذا المجلس هو ضرورة أن يحدث اتفاق، وليس مجرد توافق حول المقصود بكلمة استراتيجية التعليم التى هى وظيفة هذا المجلس وأهمية هذه النقطة والاتفاق عليها تأتى من واقع الخبرات التى يعيشها الحقل التعليمى، بمعنى أنه فى جميع التجارب السابقة فى السنوات الأخيرة ابتذل استخدام هذا المصطلح لا سيما من مسئولى التعليم فى بلادنا حتى أصبحت كلمة استراتيجية تطلق وتدق لها الطبول والحفلات لمجرد خطة سنوية تنفيذية لعدد من المبانى والفصول وأعداد المدرسين. وقد تكررت كثيرا هذه السياسة فى السنوات الأخيرة وما زالت مستمرة حتى الآن بل وتتباهى الوزارة الحالية بأنها تعد استراتيجية جديدة للمرة الألف!

•••

كما يجب أن يطرح للنقاش ما هى العلاقة بين الجزء الأول من المادة 214 والتى تقول: «يختص المجلس الوطنى للتعليم بوضع استراتيجية للتعليم» وبين الفقرة الأخيرة فى نص المادة 58 من الدستور نفسه والتى تنص على التزام جميع المؤسسات التعليمية بخطة الدولة وأهدافها التعليمية. لأن وضع النصيين الدستوريين هكذا يكشف عن وجود تناقض بين المجلس ومؤسسات الدولة التعليمية، وأن هذا التناقض يمكن أن يفرز صراعا مستقبليا حول دور كل منهما، اللهم إلا إذا كان الهدف من نص المادة 214 بإنشاء المجلس هو أن يتكون من نفس الرموز والأسماء للأجهزة التنفيذية أى أحمد والحاج أحمد.

كذلك لابد من طرح حدود العلاقة بين هذا المجلس طبقا لنص المادة 214 وبين المادة 140 من الدستور والتى تختص بأن رئيس الجمهورية يضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع الوزراء، وماذا سيحدث مثلا إذا حدث اختلاف بين الأجهزة التنفيذية، ويمثلها الرئيس والوزراء وبين هذا المجلس الموجود فى المادة 214، ومن الحكم بينهما فى حالة حدوث اختلافات فى الرؤية والمنهج.

•••


وإذا كان ما سبق يمثل بعض النقاط الرئيسية التى يجب تناولها قبل صدور القانون، فإن كل ذلك يصبح لا أهمية له إلا من خلال اختيار الأشخاص والأسماء التى ستتولى مسئولية العمل فى هذا المجلس. والسؤال: كيف سيكون اختيار الأشخاص، هل من أهل الخبرة والاختصاص بالعلمية التعليمية أم من أهل الثقة والقربى. ومن الذى يقوم بالترشيح والاختيار لأن النص الدستورى (المادة 214) يخلو من كيفية الاختيار.

ومن اللافت للنظر وحبر الدستور لم يجف أن تصدر تصريحات من نقيب المعلمين (المنتمى للإخوان المسلمين) بأنه طلب من الرئيس مرسى سرعة تشكيل هذا المجلس وهو ما يدعو للاستغراب من أسباب مثل هذا الطلب بهذه السرعة والقانون لم يصدر بعد. ومن هنا تأتى الضرورة لإخضاع أمر إنشاء المجلس وقانونه واختيارات الأسماء المرشحة للحوار لأنه لا يكفى التبرير الذى سيقدم عند اختيار الأسماء أنه من أصحاب المراكز الأكاديمية. وعند النظر والتدقيق فى الأمر سنجد أن الاختيار وقع على أصحاب القامات الأكاديمية فى تخصصات العلوم التطبيقية كما نشاهد ذلك عمليا فى اختيار أصحاب المناصب فى الدولة الآن والشبه مقتصرة على الخبرات فى مجالات الهندسة والصيدلة وأحيانا الطب، وهذا لا غبار عليه فى اختيار البعض، ولكنه لا يمكن أن يكون مقبولا فى اختيار مجلس قومى للتعليم والذى يجب أن يغلب على تكوينه أهل الفكر والثقافة. وذلك لأن الشأن التعليمى ليس تجربة داخل معمل أو نظريات تحفظ ثم تطبق، وإنما هو عملية تتداخل فيها علوم الاجتماع والاقتصاد والثقافة والسياسة مع العلوم التطبيقية. وهذا بالفعل ما تطبقه عدد من دول العالم التى تتضمن سياستها وجود هذا المجلس الوطنى، أى أن مصر ليست بدعة فى هذا الشأن وأن مجالس التعليم فى هذه الدول تضم من المفكرين والمثقفين أكثر من العلماء التطبيقيين لأنهم يدركون أن التطور مرهون بحرية التفكير والإبداع المستقبلى.

•••

لأن أكثر ما نخشى منه هو أن تنتقل آفة التعليم المصرى إلى هذا المجلس الجديد، وأقصد بالآفة هنا هو هذه القسمة التعسفية ما بين دراسة العلوم التطبيقية مثل الهندسة والصيدلة وما بين العلوم الإنسانية كالإجتماع والإقتصاد والتاريخ والفلسفة والتى للأسف ما زالت مستمرة فى كل نظامنا التعليمى من الثانوى وحتى الجامعة. بل إن محاولات تغيير هذا الواقع تمشيا مع ما يحدث فى كل دول وجامعات العالم التى تفرض دراسة المواد الإنسانية والثقافية على طلاب التخصصات العلمية والعكس صحيح قد تم التراجع عنها بل وإلغاء هذا المبدأ تماما، مثل ما حدث فى مجلس الشعب المنحل (2012) حين تم إلغاء نظام الثانوية العامة والعودة إلى النظام القديم الذى يفصل الطلاب تعسفيا إلى أدبى وعلمى منذ بداية المرحلة الثانوية وهو ما يعنى أن طلاب الكليات العملية مثل الطب والهندسة والصيدلة يتوقف دراستهم للتاريخ عند المرحلة الإعدادية، بل قد لا يعرفون شيئا عن الفلسفة أو الجغرافيا.. وهذه القسمة التعسفية «خارج مناهج ونظم التعليم فى معظم دول العالم الآن» قد تفسر لنا كثير من الظواهر التى يعانى منها المجتمع الآن مثل انتشار الفكر الواحد. فكل هذه الأشياء ترتبط ارتباطا جوهريا بنظم التعليم والمعرفة، فإذا كانت الثقافة والمعلومات أحادية التوجه تعتمد على الحفظ والتلقين، فلا غرابة أن نشاهد ما يحدث فى المجتمع الآن من عدم قبول الاختلاف. وهناك تجربة ماثلة أمامنا، ففى ألمانيا بعد سقوط هتلر والفاشية وتغيير النظام السياسى إلى التعددية والديمقراطية وتبادل السلطة، وجد المجتمع الألمانى نفسه فى السبعينيات يواجه مشكلة وهى أن قيم الديمقراطية نفسها لم تترسخ حتى مع ممارسة التعددية، فكان التعليم هو إحدى الوسائل للوصول إلى ذلك من خلال إلغاء النظام التعليمى الذى يعتمد على التلقين والطاعة، وبالتالى اختفت الأرضية التى ترعرعت ونمت فيها الفاشية.

•••

كذلك يمكن لهذا المجلس إذا أحسن تشكيله أن يقف ضد العبث الحالى فى المناهج التعليمية والتى وصلت بعد تجديد المناهج إلى المساس بالقضية الرئيسية للأمن القومى المصرى وأقصد بها ملف الوحدة الوطنية، ففى كتاب التربية الوطنية الجديد للصف الثانى الثانوى وفى الصفحات الأولى منه حديث عن المسيحيين وأهل الكتاب باعتبارهم من أهل الذمة، مع ما تتضمنه هذه الرؤية من آثار مدمرة ضد حقوق المواطنة والانتماء. والأغرب أنه يتداول الآن أن هذا المنهج الجديد الذى وضع بعد ثورة يناير سيتم تدريسه بالأزهر أيضا!

كانت هذه بعض التأملات فى كيفية تفعيل النص الدستورى، هذا إذا افترضنا حسن النوايا من مفاجأة ادخال المادة فى ليلة ليلاء لإقرار الدستور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.