يبدو أن موجة الطقس السيئ التى تضرب مصر هذه الأيام امتدت لتشمل الأحزاب والقوى السياسية النشطة على الساحة، ورأينا تقلبات مذهلة فى المواقف والتكتيكات، فيما أمطرت السماء مفاجآت وتناقضات عنيفة. وبعد ساعات من تسريبات عن تصدع فى جبهة الإنقاذ، تردد بعدها أن تحالفا انتخابيا فى طور التشكل يضم البرادعى وأبوالفتوح وعمرو خالد، خرجت تصريحات من الجبهة تقول إنها مستمرة ببنيتها الراهنة، وستخوض الانتخابات بقوائم موحدة.. غير أن المباغت فى هذه التصريحات أنها يوزع صكوك الثورية يمينا ويسارا، فتدخل عمرو خالد وحزبه فى حظيرتها، بينما تبقى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح على قوائم الانتظار، وتضعه وحزبه على جهاز كشف الثورة لحين إشعار آخر يكون فيه قد استوفى مسوغات الثورية كى يكون جديرا بالالتحاق بها.
والمثير للسخرية أن هذه الجبهة «العميقة» لا تجد غضاضة فى أن ينضوى تحت لوائها كيانات وأشخاص مشكوك فى نسبهم لهذه الثورة، إن لم يكونوا ضدها على طول الخط.
والطريف أن يقال إن الجبهة رفضت ضم عبدالمنعم أبوالفتوح واشترطت آن يستوفى شروطا سبعة كى يصبح أهلا لنيل شرف عضويتها، على الرغم من الموقف المبدأى المعلن من رئيس حزب مصر القوية والذى يرفض التعامل مع هذه الجبهة لأسباب جوهرية تتعلق بوجود عناصر غير ثورية تنتمى للنظام السابق فى بنيتها وتشكيلها، وهو الموقف الذى جدده أبوالفتوح فى تصريحاته المنشورة فى «الشروق» أمس بقوله إنه لم ولن يفكر فى الالتحاق بهذه الجبهة التى يحملها مسئولية فى إحداث حالة من الانقسام داخل الكتلة الثورية، وإشاعة مناخ الاستقطاب الذى تعانى منه مصر.
وفى سياق الطقس السيئ والتقلبات المناخية العنيفة يبدو مدهشا هذا الترحيب الحار من جبهة الإنقاذ التى يتهم بعض صقورها نظام الرئيس محمد مرسى بأنه جاء وفق صفقة مع الأمريكان بمقابلة السيناتور جون ماكين الذى يمثل اليمين الأمريكى لعرض «المسألة المصرية» عليه، من خلال وفد رباعى.
ولعل أخطر ما يمكن آن تصاب به مصر أن يتصور بعضهم أنه يمكن تقسيمها طوليا بين طرفين لا ثالث لهما، هما تيار الإسلام السياسى من جانب، وجبهة الإنقاذ بتوليفتها الغريبة من جانب آخر، وكأنه لا يوجد غيرهما فى لعبة الاستقطاب المجنونة التى يصر البعض على المضى فيها إلى ما لا نهاية.
وفى وضع استقطابى حاد مثل هذا فإن تجاهل قوى وسطية محترمة لها ثقلها فى الشارع السياسى مثل التيار الذى يمثله الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، بالإضافة إلى كتلة هائلة من المستقلين، يعد نوعا من اللعب بالنار واستمراء حالة التصعيد لمجرد التصعيد، وقتل أى فرصة لحوار جاد ورصين ترتفع فيه كل الأطراف إلى مستوى المسئولية.