تمر العلاقات العراقية الكويتية بنوع من التوتر والاحتقان لم تشهده، منذ غزو صدام حسين للكويت عام 1990 وقد ارتبط ذلك بإجراء الأممالمتحدة مراجعة للقرار الخاص بوضع العراق تحت البند السابع، والذى تم إقراره فى عام 1990 ويتضمن عددا من التدابير والالتزامات، التى يتعين على العراق الوفاء بها قبل إخراجه، ومن أهم هذه الالتزامات التعويضات، التى يجب على العراق دفعها للكويت، والتى تقدر بحوالى 39 مليار دولار، دفع منها العراق 14مليارا حتى الآن، ويتبقى عليه 25 مليارا يتم استقطاع خمسة بالمائة من دخله البترولى السنوى لسدادها، وقد بادرت الكويت بتقديم مذكرة إلى الأممالمتحدة أوضحت فيها أن العراق ما زال عليه استحقاقات للكويت يتحتم النظر فيها قبل اتخاذ أى قرار بهذا الخصوص، كما قام مسئول بالديوان الأميرى الكويتى بتوجيه رسائل إلى الدول الأعضاء فى مجلس الأمن تؤكد نفس المعنى وتطلب منها دعم الطلب الكويتى بهذا الشأن. وقد جاء رد الفعل العراقى على ذلك متفاوتا وعنيفا خاصة من جانب بعض أعضاء البرلمان والوزراء، حيث طالب بعضهم الكويت بسحب مذكرتها التى قدمتها للأمم المتحدة، وطالب البعض الآخر بضرورة قيام الكويت بدفع تعويضات للعراق بسبب سماحها للقوات الأمريكية بغزو العراق، والغريب فى الأمر هنا أن عددا من المطالبين بذلك هم من العناصر المعارضة للنظام السابق، والتى دخلت العراق مع دبابات الاحتلال، بل إنه وفى إطار المساجلات بين أعضاء فى البرلمان العراقى ومجلس الأمة الكويتى، طالب نواب بضرورة مطالبة الكويت بسداد تعويضات للعراق عن الخسائر، التى لحقت بالعراق بسبب الحرب العراقية الإيرانية باعتبارها ساندت العراق آنذاك، والأمر الخطير هنا هو عودة البعض للمطالبة باسترداد مناطق حدودية استولت عليها الكويت، وهو ما يعيد للأذهان المناخ الذى صاحب عملية غزو الكويت.. ومع تصاعد هذه المساجلات تصاعد الرد الكويتى إلى درجة أن وزير الدفاع الكويتى صرح بأن القدرات العسكرية للكويت قادرة على حماية أراضيها فى مواجهة أى مغامرة. ولا تزال الكويت تصر على أن قضية التعويضات هى قضية دولية يجب حلها فى إطار الأممالمتحدة، وأن الحكومة الكويتية لا تملك التنازل عن التعويضات الخاصة بها، حيث إنها تنازلت بالفعل عن حوالى 80% من ديونها التى كانت مستحقة لها لدى النظام السابق، والتى قدمتها له خلال الحرب العراقية الإيرانية. وفى الحقيقة فإن التوتر والاحتقان المتصاعد فى العلاقات العراقية الكويتية فى هذا التوقيت قد ارتبط بعدد من الاعتبارات، التى يتصدرها قرب الانتخابات النيابية العراقية، وحرص بعض النواب على رفع درجة المزايدة لكسب شعبية يمكن أن تساعدها فى الفوز فى هذه الانتخابات، التى من المرجح أن تكون حامية وصعبة بدرجة كبيرة، كما أن هناك بعض الإجراءات الكويتية، التى جرت خلال الشهرين الماضيين فى منطقة الحدود مع العراق قد دفعت إلى زيادة هذا التوتر، خاصة قيام الكويت بوضع بوابة حدودية بدعوى منع التسلل والتهريب، وهو ما اعتبرته دوائر عراقية محاولة كويتية لفرض أمر واقع فى مناطق حدودية لا تزال مجال خلاف. ولا شك أن الضجة المثارة حاليا بين البلدين وإن ارتبطت بقرار الأممالمتحدة وقضية التعويضات، إلا أن هناك ملفات شائكة أخرى مسكوت عنها وتحمل الكثير من عناصر التوتر، خاصة عملية ترسيم الحدود البحرية والاتفاق على علامات الحدود البرية، التى فرضها قرار مجلس الأمن بعد الغزو، والذى يجب الانتباه له هنا هو أن الهروب من المشكلات وعدم مناقشتها بوضوح يجعلها تكبر وتستعصى على الحل. ومنذ اعتراف الرئيس عبدالسلام عارف باستقلال دولة الكويت وسيادتها التامة على أراضيها لم يتم حسم مشكلة ترسيم الحدود بين البلدين، ومع تعاقب الحكومات العراقية وحتى غزو عام 1990 كانت مشكلة ترسيم الحدود البحرية والبرية ولا تزال عنصرا أساسيا للتوتر بين البلدين. ويبدو أن لجنة الأممالمتحدة المكلفة بترسيم الحدود بين البلدين منذ عام 1992 لم تساعد على إغلاق هذا الملف بل أضافت إليه عناصر أخرى للتوتر عندما اقتطعت أجزاء من ميناء أم القصر وضمتها للكويت، كما لم تحسم الخلاف القائم بين البلدين حول مطالبة العراق بمساحات قرب منطقة صفوان على الحدود المشتركة. ومن اللافت للنظر هنا أنه فى الوقت الذى تثار فيه قضية الحدود مع الكويت وتوجيه اتهامات لها بالاستيلاء على مناطق حدودية، يتم ذلك فى ظل تجاهل تام لإجراءات وممارسات إيرانية تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، حيث إن هناك تقارير عراقية حكومية تشير إلى تجاوزات إيرانية خطيرة فى منطقة شط العرب على حساب الحقوق العراقية.. كما ترفض إيران عملية ترسيم الحدود البرية فى مناطق على امتداد الحدود المشتركة، والتى تتجاوز 1600كيلو متر، والأمر الأكثر أهمية هنا أنها ترفض الاعتراف ببعض العلامات الحدودية على حدود محافظة ميسان العراقية بسبب احتواء تلك المنطقة على آبار بترولية. وترجع جهات عراقية رفض إيران التجاوب مع المطالب العراقية بهذا الخصوص ومماطلتها إلى قيامها باستنزاف تلك الآبار، ورغم ذلك لم تثر القضية أعضاء البرلمان العراقى كما أثارتهم قضية الكويت. من ناحية أخرى، فلعله من المفيد أن نشير إلى أن إزالة التوتر، الذى يحكم العلاقات الكويتية العراقية يتطلب من الكويت توجيه المزيد من الاهتمام لكسب ثقة الشعب العراقى من خلال مبادرات لا تحتاج إلى الاستناد لقرارات دولية وتتجاوز مرحلة الغزو بكل أبعادها السلبية. ومن الحلول المطروحة للخروج من هذه الأزمة، هو محاولة خلق مصالح مشتركة، فى مناطق الحدود، وقد يكون استبدال الديون بمساهمات مباشرة فى مشروعات اقتصادية وتنموية مشتركة، مثل تطوير منطقة الأهوار سياحيا وإنشاء منطقة تجارة حرة لتبادل السلع والخدمات على جانبى الحدود، خاصة أن العراق بقدراته البترولية الواعدة، والذى يحتاج إلى الاستثمارات، يمكن أن يتحول بقدراته البشرية والحضارية والسياحية إلى أكبر اقتصاديات المنطقة.. وتستطيع الكويت أن تعوض أى نقص فى قيمة الديون والتعويضات من ارتفاع قيمة استثماراتها فى تلك المشاريع، كما يمكن أن يصبح العراق امتدادا ضخما لسوق الخدمات المالية والتجارية الكويتية. الأمر الذى ينعكس إيجابيا على استراتيجية الكويت التنموية، ويمكن أن يستوعب الخلافات المزمنة بخصوص الحدود، ويوفر أرضية ومناخا مواتيا للتعايش والأخوة. ولا شك أن استقرار وازدهار الأوضاع فى العراق سيكون من مصلحة الكويت فى النهاية.