لا يزال هناك العديد من القضايا المتصلة بإنتاج الغاز الطبيعى فى «المنطقة الاقتصادية الخالصة» لإسرائيل التى لم يتم تحليلها بشكل معمّق ولم يتخذ بشأنها قرارات مواتية. وبعض من هذه القضايا له انعكاسات استراتيجية، اقتصادية وسياسية، ومن المهم أن يتم التمعّن فيها بدقة، وخصوصا أنها تقع ضمن قطاع يتطلب سياسات وعقود بيع طويلة الآجال لخمسة عشر عاما وأكثر. لقد جرى نقاش سياسة الحكومة بالنسبة لموضوع الغاز الطبيعى فى إطار لجنة مشتركة بين الوزارات برئاسة المدير العام لوزارة الطاقة والمياه، شاءول تسيمح، وقدمت هذه اللجنة توصياتها إلى الحكومة فى صيف عام 2012، وتطرقت بعض هذه التوصيات إلى العلاقة بين التصدير للخارج والاستهلاك المحلى. ومع ذلك، فهى لم تقترح إعطاء الأولوية للأسواق الخارجية (وفى جميع الأحوال، لم تتبن الحكومة هذه التوصيات).
على الرغم من ذلك، ففى النقاش الدائر حول تحديد الأولويات بالنسبة للأسواق، حتى لو كان الثمن الذى يدفعه جميع المشترين من الخارج متساويا، لا يزال من المهم النظر إلى الجوانب الجيوستراتيجية للموضوع. وهذا ما يمكن أن تقوم به الحكومة نفسها، بمؤازرة مستشارين من القطاع الخاص. وليس من الواضح ما إذا كانت مثل هذه العملية قد تمت داخل الحكومة الإسرائيلية، كما أنه ليس من الواضح أيضا إلى أى مدى يحق للحكومة أن تطالب القطاع الخاص أو حتى أن توجهه للتصدير مباشرة إلى أسواق معينة. هذا مع الافتراض أن العائدات الصافية لمنتجى الغاز وللحكومة فى إسرائيل من الأسواق المحتملة المتعددة ستكون متساوية.
●●●
أعلنت شركة «وودسايد بتروليوم» الأسترالية من جهة، والشركات التى تضم كلا من الشركة الأمريكية «نوبل إنرجى» المحدودة، والشركات الإسرائيلية «ديليك للحفر» المحدودة، و«أفنير» المحدودة، و«راتسيو» المحدودة، من جهة ثانية، عن توصل الأطراف المعنية إلى اتفاق مبادئ فى ديسمبر 2012. وبموجب هذا ستكسب شركة «وودسايد بتروليوم» المحدودة حصة بنسبة 30 % من حقل التنقيب «ليفيتان»، الذى يحتوى بحسب التقديرات على17 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى القابل للاستخراج. وأضافت الشركات المذكورة أنها فى وارد إبرام اتفاق كامل بحلول نهاية فبراير 2013.
وستقوم شركة «وودسايد»، وفق بيانها، بتسييل وتسويق الغاز الطبيعى بالإضافة إلى الغاز الذى يجرى تزويده لإسرائيل. وستبقى شركة «نوبل إنرجى» المشغّل الرئيسى لمشروع الغاز المخصص لإسرائيل. كما أعلنت شركة «وودسايد» أن جدولة سداد ثمن حصة ال30 % التى ستشتريها، تعتمد على التشريعات الإسرائيلية التى ستجيز تصدير الغاز الطبيعى. فإذا أُبرم الاتفاق الكامل بين شركة «وودسايد» وشركائها، فهذا يعنى أن شركتين أجنبيتين، أى «وودسايد» و«نوبل إنرجى»، ستستحوذان على 60 % من حقوق استثمار حقل «ليفيتان».
وتكشف معاينة الموقع الإلكترونى لشركة «وودسايد» عن النشاط المكثف للشركة فى الشرق الأقصى، مع التركيز على اليابان والصين. فمنذ عام 2002، تنشط شركة «وودسايد إنرجى» جنبا إلى جنب مع شركات صينية فى مجال تسييل الغاز الطبيعى على وجه الخصوص. وفى عام 2006، كانت شركة «وودسايد» واحدا من الشركاء الذين وقعوا على اتفاق بناء منشأة نهائية «محطة طرفية» لإعادة الغاز المسال إلى حالته الغازية فى مقاطعة جواندونج الصينية. ولقد حضر حفل افتتاح المنشأة رئيس حكومة الصين آنذاك «وان جياباو» ورئيس حكومة أستراليا فى ذلك الوقت جون هوارد. واعتبارا من العام 2007 بدأ توريد الغاز الطبيعى من الشركة الأسترالية Venture North West Shelf ،إلى شركة «وودسايد» التى هى شريكة لNWSV ولقد أبرم اتفاق بين شركة «وودسايد إنرجى» المحدودة وبين الشركة الصينية «بتروتشاينا» المحدودة على بيع الغاز الطبيعى المسال، فى سبتمبر 2007، وفى حضور جون هوارد والرئيس الصينى هو جين تاو.
كما أن الشركة الصينية للنفط البحرى الوطنية «كنوك المحدودة» CNOOC هى أيضا شريكة فى المشروع الأسترالىNWSV وتخوّلها هذه الشراكة الاستفادة بما نسبته 5.3 % من احتياطى وحقوق المشروع، سبق أن أشرنا إلى أن شركة «وودسايد إنرجى» المحدودة هى أيضا شريكة على قدم المساواة وتعمل كمشغّل فى هذا الحقل. كما أن الشركة الصينية CNOOC هى من كبار أصحاب أسهم «وودسايد».
ومن هنا، من غير المعقول أن الشركاء الجدد لشركة «وودسايد» فى حقل الغاز «ليفيتان» لم يكونوا يعرفون كل هذه المعلومات. على العكس من ذلك! فلقد أتوا على ذكر نشاط شركة «وودسايد» فى الشرق الأقصى فى الإعلان الموجّه لبورصة تل أبيب. وهكذا، وبدون تدخل الحكومة الإسرائيلية وبدون نقاشها لهذا الموضوع، فُتح المجال لكى تبيع إسرائيل الصين جزءا من شحنات الغاز التى ستكون فى نهاية الأمر متاحة للتصدير (والتى تتراوح بين 25 و50 % من الغاز المستخرج)، أو كامل الشحنات.
لم تكن شركة «وودسايد» هى الوحيدة التى أبدت الاهتمام فى الحصول على جزء من حقوق التنقيب فى حقل «ليفيتان». فوفق التقارير الصحفية، كانت الشركة الروسية «غازبروم»، والشركة الفرنسية «توتال»، والشركة الصينية CNOOC قد أعربت عن اهتمامها بالموضوع. وعلى ضوء هذه الحقائق، باستطاعة الصين أن تتوقع أن تمنحها شركة «وودسايد» الأفضلية فى حصتها من غاز حقل «ليفيتان» عندما يحين الأوان لتحديد الأولويات بالنسبة للأسواق، وذلك بفضل حصتها فى شركة «وودسايد» من خلال الشركة الصينية CNOOC، وبفضل مساهماتها فى مشروعات أخرى.
●●●
هكذا، وبدون قرار حكومى، قد تجد إسرائيل نفسها تصدّر الغاز الطبيعى إلى الصين، مع ما ينطوى عليه ذلك من انعكاسات استراتيجية مهمة. وليست عملية البيع بذاتها هى الأشكالية بالضرورة، لكن المقلق فى الأمر يكمن فى غياب الآلية الناظمة التى تسمح بدراسة مزايا ومساوئ بيع الغاز الطبيعى لزبائن محتملين معيّنين. وثمة احتمال فى حال تحققت الخطوة المذكورة أعلاه أن تحول دون إقامة شراكات، ولو عن طريق طرف ثالث، مع منتجين إقليميين آخرين، فى حال قرر كل من مصر، والفلسطينيين، ولبنان، وقبرص، وربما أيضا سوريا، كل على حدة أو مجتمعين، أن أوروبا هى السوق المفضّلة لديهم.
إن وجود مثل هذا السيناريو، الذى تكون إسرائيل شريكة فيه، سيسمح بتصدير الغاز الإسرائيلى إلى أوروبا وسيمنع فرض المقاطعة الاقتصادية على إسرائيل، وبالتالى، سيساعدها على المدى الطويل فى رفع مستوى علاقاتها الرسمية مع الاتحاد الأوروبى. صحيح أن التعاون الاقتصادى مع المبادرات الرائدة فى المنطقة لا يشكل بديلا من العملية السياسية بين إسرائيل والدول المجاورة لها، إلا أنه يستطيع أن يساعد هذه العملية.
فى المقابل، فإن ربط إسرائيل بالاقتصاد الصينى العملاق له مزاياه الخاصة، التى قد تفوق تلك التى يمكن توقعها من عقد طويل الأجل مع الاتحاد الأوروبى. ومن هنا، ينبغى درس جميع هذه الجوانب بعناية وبطريقة منظمة، من قبل الوزارات والهيئات الحكومية الإسرائيلية ذات الصلة.