سأقول لكم خبرا صادما: قد يتم تمرير مسودة الدستور الجديدة، وينال الموافقة حتى لو كانت 51٪، وسينتهى وقتها إثر الإعلان الدستورى الملغى، وقد تهدأ الأوضاع قليلا، وينتهى الاعتصام فى ميادين التحرير والاتحادية ومدينة الإنتاج، ويعود الناس لحياتهم اليومية، لكن هل يعنى هذا الأمر أن المشكلة الجوهرية قد تم حلها؟!. الخبر الصادم هو للأسف الشديد لا.
والأكثر أسفا أن جماعة الإخوان المسلمين وبعض العاملين فى مؤسسة الرئاسة لا يدركون خطورة هذا الأمر.
تستطيع الحكومة والرئاسة أن تمرر ما تشاء من قرارات وقوانين لأنها تملك سلطات كثيرة، ولأنها تمكنت من تحييد بقية اللاعبين الكبار فى الميدان، لكن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، والدليل أن حسنى مبارك فى السجن الآن.
من حق الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى الشكوى من وجود مؤامرة محكمة الأطراف ضدهم، ومن حقهم الاعتقاد أن كل القوى المعارضة تغار منهم وتكرههم، وتتربص بهم وتريد افشالهم.
من حقهم الادعاء باحتكار الحكمة وامتلاك اليقين النهائى من كل القضايا من أول حل مشكلة السولار ورغيف الخبز فى الدنيا، إلى أمر الجنة والنار فى الآخرة.
لكن مرة أخرى وللأسف يبدو أنها ليست أخيرة فإن السياسة لا تدار بهذا المنطق القائم على معادلة: «إما أن تكون معى أو ضدى». جورج بوش الابن جرب ذلك فى أمريكا والعالم وفشل.
فى السياسة خصوصا عندما تكون فى الحكم عليك أن تتعامل مع خصومك السياسيين طوال الوقت، تبتسم فى وجوههم، تنسق معهم وتختلف معهم فى إطار السياسة «بما يجعل المراكب تسير»، على أن يشعر الجميع أنهم شركاء فى هذا الوطن وليسوا مجرد ضيوف عليه.
حتى لو تمت الموافقة على الدستور، فسوف يجد الإخوان والرئيس مرسى والقوى السلفية أنفسهم فى مواجهة العديد من المشاكل الحياتية، والسياسية والإقليمية والدولية.. فهل هم يريدون أن يتصدوا لكل المشاكل بمفردهم؟!.
سوف يحاول كل الفلول عرقلة عمل الإخوان والرئيس، فهل من الحكمة أن يترك الإخوان هؤلاء الفلول الفاسدين ليقتربوا من القوى الثورية، أم يحاولوا أن يستقطبوا شركاءهم فى الثورة ليعزلوا الفلول سياسيا وليس دستوريا وقانونيا فقط؟!.
لابد أن يقتنع الإخوان والفريق الرئاسى أنه يصعب على قوة واحدة مهما ظنت أنها قوية قيادة سفينة الوطن بمفردها فى حين أن بقية الشركاء أو الفرقاء يتربصون بها.
من الحكمة والذكاء أن أحاول عندما أكون فى الحكم استقطاب أكبر عدد من المؤيدين وتقليل الخصوم والأعداء إلى أقل عدد ممكن.
الحادث الآن هو العكس تماما، ولا أعلم حتى هذه اللحظة حكمة الإخوان فى هذا الأمر، وكيف حسبوا الحسبة، والأهم كيف سيسيرون فيها، أم أن لديهم خطة جهنمية يستعيدون بها هؤلاء الشركاء قريبا؟.
القاعدة الجوهرية فى كل ما سبق هى ضرورة أن يقتنع الإخوان أنهم ليسوا وحدهم فى مصر، هناك آخرون غيرهم وغير السلفيين، ولا يكفى فقط أن تكون حصلت على أغلبية مقاعد البرلمان لكى تتحكم فى مصير وطن، ثم إن الرئيس نفسه فاز بأقل من 52٪، وبالتالى فالمطلوب منه طوال الوقت التصرف باعتبار أن نحو نصف البلد صوتت ضده ما يفرض عليه أن يكون رئيسا للجميع، المعارضين قبل المؤيدين.
يا أيها الإخوان أناشدكم مخلصا ألا تأخذكم العزة بالإثم وتخسروا فى لحظة كل ما عملتم من أجله لعشرات السنين.