سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
غزوة الإخوان الثانية لواشنطن.. على إيقاع أحداث «الاتحادية» البيت الأبيض أخفى لقاء أوباما والحداد.. ومشاهد العنف الإخوانى أمام «الاتحادية» جعلت الدفاع عن سياسات مرسى مستحيلة
سبعة أشهر فصلت بين زيارتين لوفدين يمثلان جماعة الإخوان المسلمين للعاصمة الأمريكيةواشنطن. الأولى فى أبريل الماضى وقام بها وفد رسمى من «الحرية والعدالة»، والثانية فى الأسبوع الماضى وقام بها وفد رسمى من رئاسة الجمهورية، يتكون من مستشارى الرئيس للعلاقات الخارجية وللتعاون الاقتصادى الدولى.
خلال هذه الشهور السبعة شهدت مصر والولاياتالمتحدة تغيرات سياسية دراماتيكية، فقد فاز محمد مرسى الرئيس الأسبق لحزب الحرية والعدالة برئاسة مصر، وشهدت واشنطن إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما لفترة حكم ثانية. وخلال فترة حكم مرسى التى لم تتعد ستة أشهر، شكل حادثان متهمان نمط تطور العلاقات بين القاهرةوواشنطن.
الحدث الأول: تمثل فى الانزعاج الكبير فى واشنطن على رد الفعل الرسمى، ورد فعل الرئيس مرسى شخصيا، على حادث الاعتداء على السفارة الأمريكية بسبب الفيلم المسىء للرسول.
الحدث الثانى: العدوان الإسرائيلى على غزة والدور المصرى المهم، والتنسيق الكبير بين مرسى وأوباما، ومن قبله رد الفعل المصرى القوى على العدوان وسحب القاهرة سفيرها من تل أبيب.
هدفان ولغمان فى الزيارة
اختلفت أهداف الزيارة التى قام بها مبعوثو مرسى لواشنطن طبقا لمن يتحدث معك، فقد ذكر مسئول أمريكى رفيع بوزارة الخارجية ل«الشروق» أن الوفد المصرى قدم لواشنطن لمناقشة ملفات «قضايا إقليمية مهمة منها تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وسبل منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وطرق إرجاعها لمائدة التفاوض، كما تمت مناقشة سبل أنهاء العنف فى سوريا»، كما أكد أن الطرفين ناقشا أيضا تطورات الوضع السياسى فى مصر، والقضايا الاقتصادية وقرض صندوق النقد الدولى، إضافة للعلاقات المصرية الأمريكية.
إلا أن الوفد المصرى سعى لأهداف مغايرة تتعد مناقشة القضايا السابقة، وسعت الزيارة فى الأساس لتحقيق هدفين مهمين، الأول «التحضير لزيارة الرئيس مرسى فى أوائل العام المقبل، وثانيا البدء فى فهم كيف يمكن أن نبنى علاقة بين الولاياتالمتحدة ومصر على أسس جديدة تستند إلى بنية ورؤية مصر الجديدة» طبقا لما ذكره الدكتور عصام الحداد، رئيس الوفد مستشار الرئيس للعلاقات الخارجية والتعاون الدولى لموقع مجلة «فورين بوليسى».
إلا أن الزيارة جاءت فى وقت كانت شوارع القاهرة والكثير من مدن مصر تغلى غضبا بملايين المتظاهرين ضد إصدار مرسى إعلانا دستوريا يمنحه سلطات غير مسبوقة، من هنا لم تكن مهمة وفد الرئاسة المصرى فى واشنطن سهلة، حيث واجه هناك الكثير من الأسئلة الصعبة التى تتعلق بالشأن الداخلى، حاول أعضاؤه تبريرها بلغة دبلوماسية.
وذكر الدكتور عصام الحداد، فى ظهور له على شبكة سى إن إن «أن ما يحدث فى مصر الآن لا يعتبر تراجعا أوترديا فى الأوضاع الداخلية، لكنه يندرج تحت حرية التعبير فى الشارع المصرى». ورأت كارول جياكومو، من صحيفة نيويورك تايمز أن «الحداد كان مقنعا للغاية فى واشنطن عند حديثه حول وجهة نظره عن أن الحكومة المصرية حسنة النية، وتلتزم بالديمقراطية وعازمة على لعب دور بناء فى الوطن والمنطقة».
إلا أن استمرار تدهور الوضع الأمنى خارج قصر الاتحادية، واستخدام الأمن للغاز المسيل للدموع، ثم هجوم اتباع جماعة الإخوان المسلمين على المعتصمين السلميين، والذى خلف وقوع عدد من القتلى، جعل مهمة الدفاع عن قرارات الرئيس مرسى شبه مستحيلة، خاصة مع استمرار وسائل الإعلام الأمريكية فى بث صور حية لما يجرى خارج قصر الاتحادية.
وتمثل اللغم الثانى فى قضية اعتراف جماعة الإخوان المسلمين بإسرائيل، وبتعامل الرئيس مرسى ومستشاريه مع نظرائهم الإسرائيليين.
وطرحت أسئلة متعلقة باعتراف جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بإسرائيل؟ وهل يمكن أن يقابل الرئيس ومستشاريه مسئولين إسرائيليين، وكانت الإجابة عن لسان الدكتور الحداد فى مقابلته التليفزيونية مع محطة «سى إن إن» غير مقنعة للمشاهد الأمريكى، فقد أكد التزام مصر بمعاهدة السلام، إلا أنه تجنب الاجابة بنعم عما إذا كان يمكن له أن يقابل مسئولين إسرائيليين.
مبادئ أم مصالح «مشتركة»
سعى الوفد الزائر إلى أظهار أنه يمكن أن تجمع المبادئ والمصالح مصر بأمريكا بعد وجود حكم ديمقراطى فى القاهرة، وأكد حرص الرئيس مرسى على توسيع العلاقة الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة ومصر، واستخدام هذه العلاقة كأساس لتوسيع جهود مصر نحو تعزيز الديمقراطية والاستقرار فى المنطقة، وذكر الوفد فى لقاءاته أنه يمكن لمصر أن تؤدى دورا أكبر فى الحفاظ على السلام والأمن الإقليميين، اللذين يمثلان غاية مهمة للولايات المتحدة.
لكن هذه الشراكة تصطدم وفقا ل«فورين بوليسى» بوجود شكوك لدى واشنطن إزاء التزام حكومة مرسى بالمبادئ الديمقراطية، لكن الدكتور الحداد ذكر أنه إذا كانت الولاياتالمتحدة تدعم الديمقراطية فإنه ينبغى لها دعم الإخوان المسلمين وحزبهم السياسى، الحرية والعدالة، وأضاف: «إذا كنت تجد كل الحجج لدعم الدكتاتورية لمدة 30 عاما، وتوفير الدعم الكامل لها، أعتقد أنه سيكون من الأسهل بكثير دعم الديمقراطية فى مصر، وحتى إنه واجب أخلاقى».
وفى محاولة لطمأنة الأمريكيين، أكد الوفد الزائر أن الحكومة المصرية ستبذل ما فى وسعها لوقف العنف الذى تشهده مصر، وأنها ستعيد السماح للمنظمات غير الحكومية الدولية بالعمل مرة أخرى بعد إقرار قانون الجمعيات غير الحكومية.
وفى لقاء للوفد المصرى بمجلس تحرير صحيفة واشنطن بوست، أكد الجانب المصرى رغبة حكام مصر الجدد من الإسلاميين فى شراكة استراتيجية مستمرة مع الولاياتالمتحدة، فقد ذكر الحداد أن النظام المصرى الجديد يرى العلاقة مع إدارة أوباما مستندة على «القيم المشتركة»، مضيفا أن هناك إمكانية كبيرة لتطوير أمل جديد داخل المنطقة وحتى خارجها.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن «المشكلة الأعمق هى أن إدارة مرسى تبدو مقتنعة بالقمع بدلا من السعى إلى التوافق مع المعارضين العلمانيين، بينما يقول المتحدثون باسمه إنهم يعرفون أن بعض المحتجين أعضاء سلميين فى الحركة التى أطاحت بمبارك، فإنهم يقولون إن الحشود تتضمن أيضا بلطجية مأجورين. وبشكل عام، لم يتضح بعد ما إذا كان النظام يتحرك نحو ديمقراطية صعبة لكن ناجحة أم إلى استبداد جديد».
الكونجرس.. لا جديد تحت الشمس
عقب رد فعل الرئيس محمد مرسى على تبعات الفيلم المسىء للرسول فى الحادى عشر من سبتمبر، وعلى إثر الاحتجاجات خارج السفارة الأمريكيةبالقاهرة، جاءت خطوة تجميد النائبة الجمهورية كاى جرانجر، من ولاية تكساس ورئيسة لجنة المخصصات الفرعية بمجلس النواب لمبلغ 450 مليون دولار موجهة لمصر فى إجراء يتماشى مع صلاحياتها القانونية، وهذا المبلغ ليس جزءا من المساعدات السنوية المقدمة لمصر، بل هو جزء من اتفاق أمريكى مع الحكومة المصرية لإسقاط مليار دولار من ديونها المستحقة لمساعدة القاهرة فى تعزيز الاقتصاد المتعثر، خاصة فيما يتعلق بعجز الموازنة الحكومية.
وبررت جرانجر أن هذه المساعدات تجىء فى وقت «لم تكن العلاقات الأمريكية المصرية موضع مراقبة دقيقة وبشكل مبرر تماما كما هى اليوم»، من هنا كانت أهمية لقاءات الوفد المصرى بأعضاء من الكونجرس.
واجتمع الوفد المصرى خلال زيارته بثلاثة من أهم اعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين، هم السيناتور جوم كيرى، وجوزيف ليبرمان وجون ماكين، وذكرت مصادر أمريكية أن السيناتور كيرى «أظهر تشددا كبيرة بخصوص تطورات الأوضاع داخل مصر».
وكان السيناتور ماكين طالب خلال مقابلة بثت على محطة فوكس الإخبارية من الرئيس الأمريكى أن يهدد بوقف المعونات الأمريكية التى تحصل عليها مصر سنويا وتزيد على 1.55 مليار دولار. وقال ماكين: «على الرئيس أوباما أن يهدد بقطع المعونات إذا لم يتراجع الرئيس مرسم عن الإعلان الدستورى الذى ركز كل السلطات فى يد الرئيس». وبلغة قوية سأل ماكين: «ماذا يجب على الولاياتالمتحدة أن تقول لمرسى اليوم؟، وأجاب «نستطيع من خلال المساعدات التى نقدمها، فهى الأداة الوحيدة التى تمكننا من التأثير على القيادة المصرية الجديدة».
رأى موقع مجلة فورين بوليسى الشهير أن زيارة الوفد الرئاسى لواشنطن حملت إيماءات ورسائل جددت القول إن مسار السلام فى الشرق الأوسط لديه أمل فى بداية جديده نظرا إلى أداء مصر دور «الوسيط الأمين» الجديد بين إسرائيل والفلسطينيين.
وقبل أقل من شهر واحد أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن «التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل يعد خطا أحمر للولايات المتحدة، وأن أى اهتزاز لمعاهدة السلام تضع أمن إسرائيل، بل أمن الولاياتالمتحدة على المحك». وقبل ذلك سارعت منظمة آيباك AIPAC «أكبر منظمات اللوبى اليهودى فى أمريكا وأكثرها نفوذا» بإصدار بيان حاد فور الإعلان عن فوز الرئيس محمد مرسى برئاسة مصر، حثت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما على توصيل رسالة واضحة للرئيس المصرى الجديد مفادها أن «الأعمال وليس الكلمات ستكون هى معيار الحكم على الرئيس الجديد خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على السلام مع إسرائيل، ووقف الإرهاب فى شبه جزيرة سيناء».
وأشارت فورين بوليسى إلى حمل مساعدى مرسى رسالة لواشنطن مفادها أن «مصر عائدة كلاعب دبلوماسى فى الشرق الأوسط بعد سنوات من الانجراف والتدهور فى عهد الرئيس المصرى المخلوع حسنى مبارك». وأكد مستشار الرئيس أن أولوية الحكومة المصرية ستتركز أولا على تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين، على أن يليها حوار جديد بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية.
ووفقا للدكتور للحداد «فالمصالحة ضرورية منعا لادعاء أى طرف أن الفلسطينيين لا يتحدثون بصوت واحد، أو أنه لا شريك فلسطينيا للسلام». وأضاف: «نود أن نرى خارطة طريق جديدة، من أجل التأكد من أن العنف لن يتكرر فى غزة، وأن نضمن أن الناس فى هذا الجزء من العالم يتمتعون بحياة إنسانية وسلمية».
ووفقا لفورين بوليسى، شدد الحداد على أن الحكومة المصرية لن تطلب من حركة حماس الاعتراف بدولة إسرائيل أو نبذ الارهاب. وقال: «لن نقول لهم ما يجب أن يقوموا به، نحن نساعدهم على اتخاذ القرارات الصحيحة، ونحاول خلق بيئة مؤاتية تكون كافية لتحقيق الأهداف الطويلة الأجل».
دعوات للتشدد
تنقسم الدوائر البحثية الأمريكية فيما يتعلق برؤيتهم لجماعة الإخوان المسلمين وللرئيس محمد مرسى. فهناك فريق يرى أن الإخوان خطر دائم، وينتقد هذا الفريق عدم توقع إدارة أوباما انتصار الإخوان، وغياب وجود استراتيجية أمريكية للتعامل مع مصر يحكمها الإسلاميون، إضافة للتساهل معهم فى السياسات القمعية التى يتبنونها. وينتشر أعضاء هذا الفريق فى عدة مراكز بحثية نافذة مثل معهد واشنطن، ومعهد أمريكان انتربرايز ومعهد هدسون، ومؤسسة هيريتيج.
الفريق الآخر، الأكثر واقعية، يمثله بصورة عامة باحثون من معهد بروكينجز، ومؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، ومجلس العلاقات الخارجية. ويرى هذا الفريق أن على إدارة أوباما أن تتواصل مع الجماعة نظرا لدورها الكبير فى مستقبل حكم مصر كما يعتقدون.
ويرى الباحث إيريك تريجر، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن الرئيس محمد مرسى المنتمى لجماعة الاخوان المسلمين أستغل، ويستغل كل التطورات الإقليمية الخارجية ليحقق بعض المكاسب فى الشارع المصرى، أو ليفرض ما يراه من سياسيات غير ديمقراطية. ويطالب تريجر إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما باستخدام كل ما فى وسعها للحفاظ على السلام المصرى الإسرائيلى، وللضغط على الحكومة المصرية الإخوانية عن طريق قرض صندوق النقد الدولى والذى يبلغ 4.8 مليار دولار، إضافة إلى 250 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية.
أما الإعلام الأمريكى فقد أنقسم تجاه تطورات الأحداث فى مصر. التغطية الخبرية عكست إلى حد كبير الصورة على الأرض من داخل مصر. أما صفحات الرأى والافتتاحيات فقد حذرت فى مجملها من خطر عودة الاستبداد والديكتاتورية لمصر.
وتساءل الكاتب الأمريكى المعروف بصحيفة واشنطن بوست ديفيد إجناشيوس عن سر قيام «صداقة متينة» بين واشنطن وجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وذلك بالرغم من أن الرئيس محمد مرسى يظهر أنه يسعر للحصول على «سلطات ديكتاتورية»، وبالرغم من أن أتباعه يعتدون على من يحتج من الليبراليين والعلمانيين فى شوارع القاهرة.
وقال الكاتب إن إدارة أوباما ساهمت فى تقوية مرسى، موضحا أن المسئولين الأمريكيين عملوا عن قرب مع مرسى من أجل تنمية الاقتصاد المصرى ومن أجل الدبلوماسية على المستوى الإقليمى، وأن كبار مساعدى مرسى زاروا واشنطن الأسبوع الماضى وكانوا يروجون الاتصالات التى جرت بين مرسى وأوباما، والتى أدت إلى التوصل إلى هدنة غزة. وأشار الكاتب إلى نزول آلاف المصريين إلى الشوارع احتجاجا على الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى، مضيفا أن أنصار الإخوان المسلمين بمهاجمة المتظاهرين، وقال إنه برغم دخول مصر فى اضطرابات كبيرة، فإن إدارة أوباما بقيت مقيدة وصامتة على الأغلب وبشكل غريب.
ويطالب أجناشيوس أوباما بعدم «الاعتماد على لاعب معين أو على تحالفات وصداقات عابرة ومؤقتة».
فى النهاية:
سيزور الرئيس محمد مرسى العاصمة الأمريكية بعد تنصيب أوباما لفترة ثانية، على الأرجح خلال شهر فبراير المقبل. ولا يعرف أحد ولا يمكن أن يتوقع ما ستشهده الأيام والساعات المقبلة فى مصر.