عاتبنى أصدقاء محترمون، وسبنى سفهاء، لأننى انتقدت الدكتور محمد البرادعى (البوب كما يفضل الشباب المتحمس له أن يطلقوا عليه) على إقحامه للجيش فى حديثه وتحليله للأزمة الطاحنة التى تعيشها مصر التى حشرها الإعلان الدستورى فى مأزق خطير. وغضب كثيرون من ممارسة حقى فى إبداء رأيى الرافض لاستدعاء البرادعى لفزاعة إنكار الهولوكوست وهو يستعرض لمجلة «ديرشبيجل» الألمانية عيوب ومثالب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وانقسم الغاضبون إلى صنفين، الأول اعتبر أننى انتزعت كلمات البرادعى عن «إنكار محرقة اليهود» من سياقها.. والثانى ذهب إلى أنه كان من الأوفق غض الطرف عن القصة كلها فى هذا التوقيت بالذات كى لا يستخدمها خصومه وكارهوه.
وفى ذلك دار حوار إلكترونى مع صديقى الكاتب والأديب أسامة الرحيمى سألنى خلاله «هل هذه الرسالة تساوى هيستيريا استخدام كلامك لصالح الجماعة.. كنت أقول لك كلما تصادفنا أن عمودك هو أخلص ما يكتب فى الصحافة المصرية لثورة يناير.. فهل الانتصار للصدق يجيز إعطاء فرصة ولو مصادفة وبلا قصد لبعض الانتهازيين باستخدام بضع كلمات جاءت ضمن العمود ذاته من أعداء الثورة والجهلة لتشويه القوى المدنية والتشهير بها.. ألم يكن الأحرى بقلم أخلص للثورة تغليب درء المضرة على جلب المنفعة كما يفعلون هم بدأب.. وهل كان هناك اضطرار لاستخدام رسالة خاصة إذا أوقعت ضررا عاما بالثورة وأنصارها؟ هذه أسئلة محيرة؟ لا أرفعها لأدينك بها.. أبدا.. بل أفكر معك فيها ونبحث عن إجابات لها معا.. خاصة أن علامات الاستفهام أصبحت تتكاثر من حولنا باضطراد؟
ولصديقى العزيز أسامة ولكل الأصدقاء المحترمين فإننى أقدر تماما اختلافهم معى، لكن بالنسبة لموقفى الأخير فى عمومه فالأهم هنا أنه اختيارى الذى من حقى أن أدافع عنه كما من حقك ألا يعجبك، مع عميق تقديرى لما كان واحترامى لما سيكون وتبقى علاقتى بالثورة أمرا تحدده قناعاتى التى أسأل الله دائما أن تكون صحيحة.
وأزعم أن أبسط قواعد حرية التعبير تتيح لشخص مثلى أن يتخذ مواقف مبدأية واضحة من قضايا لا تحتمل التأجيل أو غض الطرف، مثل مسألة تسلل بعض عناصر فلوليلة إلى المشهد الجليل الذى تجلى فى ميدان التحرير أمس الأول، وكذلك فكرة توظيف فزاعة «إنكار الهولوكوست» فى خلاف مصرى داخلى وفى هذا من حقى أن أختلف مع مقولة صديقى «المبدأية لها جلالها.. لكن التوقيتات لها شروط أيضا».
أما فيما يتعلق بادعاء انتزاع كلمات الدكتور البرادعى من سياقها فهذا افتئات عن الحقيقة وارجعوا إلى نص الحوار ستجدون فقرة فى بدايته تتحدث عن أن «الشباب فى مصر يريدون رد فعل واضحا من الغرب ضد قرارات مرسى» وبعدها بقليل تأتى الفقرة الخاصة بالحديث عن أعضاء التأسيسية وتصنيفهم والتلويح بأن منهم من ينكر الهولوكوست».
أما السادة الذين يتركون أصل الموضوع لتحويل الحديث إلى: و«هل أنت تنكر جريمة وضع ستة ملايين إنسان فى محرقة النازى؟ فإنهم يمارسون نوعا من افتعال قضايا غير مطروحة للنقاش، فما قصدته وأكرره أن هناك استخداما لفزاعة «إنكار المحرقة» فى إدارة صراع سياسى داخلى لا ينبغى أن نقحم فيه أطرافا خارجية.
مرة أخرى: أحب الحق وأحب الدكتور البرادعى، لكن حبى للحق أعظم.