تركيا وحدها لم تعد قادرة على تحمل مسئولية اللاجئين السوريين فى ظل استمرار الأزمة، هذا ما أكد عليه مؤخرا فى مناسبات عدة وزير خارجيتها أحمد داود أغلو، مطالبا بتدخل المجتمع الدولى بأسره جنبا إلى جنب مع دول الجوار مثل الأردن ولبنان والعراق. وقد دعت أنقرة منظمة الأممالمتحدة إلى إقامة منطقة عازلة داخل الأراضى السورية، يتم فيها حصر اللاجئين، إلا أن هذا الاقتراح لم يلق ترحيبا يذكر، فوزير الدفاع الأمريكى سارع إلى القول إن هذه المنطقة ليست من أولويات واشنطن، أما نظيره الفرنسى فقد أعرب عن صعوبة تنفيذ مثل هذا الحل، لأنه يتطلب اتفاق مجلس الأمن، بل واستخدام أدوات عسكرية لا يستهان بها. ثم جاء اجتماع مجلس الأمن فى 30 أغسطس الماضى، وتجدد الرفض الروسى الصينى، ليحبط كل الآمال التركية بهذا الصدد. تغير اللهجة التركية بدا واضحا، مقارنة ببداية الأزمة... والأرقام كفيلة بأن تشرح ذلك، ففى مطلع سنة 2012 استقبلت تركيا حوالى 15 ألف لاجئ سورى، ثم تزايد العدد إلى 50 ألف بحلول فصل الصيف، وعندما اشتدت وطأة الصراع بين الجيش النظامى والجيش الحر وصل رسميا إلى 100 ألف أو أكثر... هنا شعرت أنقرة بالخطر وأرادت جذب انتباه المجتمع الدولى لحجم المشكلة التى تواجهها، خاصة أن الأمر قد كلفها قرابة 300 مليون دولار لإقامة المخيمات وخلافه، فضلا عن الانتقادات التى وجهت للحكومة داخليا. تذكر البعض مثلا حرب الخليج عام 1991 ونزوح حوالى 500 ألف كردى عراقى إلى الحدود التركية، وطبعا للموضوع الكردى حساسياته بالنسبة لأنقرة. كما أن بشار الأسد تعمد دعم الأكراد ضد أردوغان خلال الفترة الأخيرة، بل وفتح الحدود للتنظيم السرى الكردى لتنفيذ عمليات فى تركيا، وفقا لبعض المصادر، بعد أن سلم على طبق من فضة المناطق الكردية فى شمالى سوريا إلى حزب العمال الكردى (pkk) قبل بضعة أشهر.
ومن ناحية أخرى اتهمت المعارضة التركية الحكومة بإقامة مخيمات سرية لتدريب المسلحين السوريين، وذلك فى إشارة لمخيم «أبايدين» الذى يضم ضباطا وجنودا ضمن الفارين من جيش بشار، وضعوا جميعا فى هذا المخيم نظرا لحساسية وضعهم، وتم منع نائبين من حزب الشعب الجمهورى المعارض من الدخول إليه، مما أثار استياءهما.
يتوقع مسئولو المفوضية العليا للاجئين أن يستمر التدفق على الحدود التركية ليصل عدد السوريين بها إلى 200 ألف خلال مدة قصيرة، وبالفعل أغلقت تركيا أبوابها أمام النازحين منذ شهر رمضان الماضى، فأصبح هناك حوالى ستة آلاف عالق على المعبر من ناحية كلس، وثلاثة آلاف على حدود محافظة هاتاى الجنوبية. وتشكل هذه الأخيرة مشكلة ذات أبعاد أخرى، فالطبيعة السكانية المركبة لهذه المنطقة الكزومبوليتانية قد تتأثر بالتعقيدات الطائفية السورية، على الرغم من أن التصريحات الرسمية تحاول أن تقلل من شأن الجدل الذى يدور حول نقل التوتر الطائفى إلى داخل تركيا. مدينة أنطاكيا على سبيل المثال والتى كانت تعتبر ضمن الأراضى السورية حتى عام 1939 تضم 200 ألف نسمة، منهم الكاثوليك والأرثوذكس والمارونيون واليهود والأرمن والمسلمون (الذين ينتمى معظمهم إلى طائفة بشار الأسد العلوية). وقد حدثت بالفعل بعض المناوشات فى محيط هؤلاء، فهم يرفضون استقبال اللاجئين من السنة، كما يرفض الجرحى من المسلحين السنة أن يعالجهم أطباء من المذهب العلوى بحسب ما نقلته بعض الصحف، وبالتالى قد تلقى الأزمة بظلالها الطائفية على تركيا العلمانية، مما يزيد الوضع تعقيدا. ما يحدث حاليا فى محيط تركيا يحبط إلى حد ما جهود أحمد داود أوغلو وسياسته النشطة فى «تصفير المشاكل مع المحيط الإقليمى» وتراجع الجيش والدولة الحارسة، ويؤثر على سياسة الانفتاح على الأكراد التى طبقها حزب العدالة والتنمية لدى وصوله للحكم.