كتب إيريك تريجر زميل الجيل التالى بمعهد واشنطن مقالا نشرته مجلة (the Atlantic) الأمريكية قال فيه: عند تقرير ما يتم عمله بشأن إسرائيل، الرئيس المصرى ممزق بين المؤسسة الأمنية والإخوان المسلمين. تشير حقيقة أن إسرائيل تحملت ما يزيد على 800 هجوم صاروخى من غزة فى العام الماضى قبل بدء عمليتها العسكرى أمس ضد حماس إلى أن القدس كانت تأمل فى تجنب الانفجار الحالي، ومن بين المخاوف الأخرى أن الحكومة الإسرائيلية كانت تعرف أن حربا أخرى فى غزة سوف تشعل «الشارع» المصرى المجاور. وبما أن حكومة مصر ما بعد الثورة سوف تُضطر لأن تكون أكثر استجابة للآراء الشعبية، فإن تراجع العلاقات الإسرائيلية المصرية سيكون مرجحا. وأدى صعود جماعة الإخوان المسلمين ابنة عم الإخوان باعتبارها الحزب الحاكم فى مصر، إلى تفاقم هذا الشعور بعدم الارتياح، وذلك بناء على معارضة الإخوان المسلمين القديمة لمعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية فى عام 1979 ورفضهم الاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود.
لهذا السبب لم يكن مستغربا استسلام الرئيس المصرى محمد مرسى القيادى السابق فى جماعة الإخوان المسلمين للغضبة الشعبية فى أعقاب «عملية عمود السحاب» هذا الأسبوع باستدعائه السفير المصرى فى إسرائيل. ومع ذلك فإنه فى المخطط الكبير للإشارات الدبلوماسية، كانت تلك فى حقيقة الأمر خطوة صغيرة نسبيّا. فالواقع أن الرئيس السابق حسنى مبارك فعل الشيء نفسه تماما فى نوفمبر من عام 2000 عندما تصاعدت حدة المظاهرات المصرية ضد إسرائيل أثناء الانتفاضة الثانية. ولهذا السبب فإن السؤال الحقيقى هو ما الذى سيفعله مرسى بعد ذلك: هل سيتوقف عند استدعاء السفير فحسب، أم هل سيستغل القتال فى غزة لتبرير مقاربة أكثر شدة تجاه إسرائيل؟
●●●
يرى تريجر أنه فى الوقت الراهن يبدو أن مرسى مشتت بين اتجاهين. فهو من ناحية تحثه المؤسسات الدبلوماسية والأمنية المصرية على الهدوء. وفى هذا الاتجاه أصدر وزير الخارجية محمد عمرو بيانا يفتقر إلى القوة يناشد إسرائيل وقف القتال، ونقل الأمر إلى جامعة الدول العربية التى لن تناقش القتال فى غزة قبل يوم «السبت»، بالإضافة إلى كونها ضعيفة وغير فعالة.
فى الوقت نفسه، خلال الأيام الثلاثة السابقة لحريق يوم الأربعاء، كانت الاستخبارات المصرية تعمل على منع التصعيد الإسرائيلى الحمساوى، وهى تأمل الآن أن تمر الواقعة الحالية بسرعة قبل تعرض العلاقات المصرية الإسرائيلية لخطر حقيقى. وأبلغنى أمس مسئول رفيع المستوى بالاستخبارات المصرية عندما سألت عما إذا كان صراع غزة المطول سيؤدى إلى تكثيف مرسى لرده أم لا: «مهما حدث، لابد لنا من النظر إلى المستقبل دون أى دم أو تصعيد.»
ومع ذلك تسحب جماعة الإخوان المسلمين مرسى فى اتجاه مختلف تماما. ففى أعقاب قتال الأربعاء، ناشدت جماعة الإخوان المسلمين مرسى «قطع العلاقات مع هذا الكيان المغتصب»، وذلك كى يمكن للحكومة المصرية «البدء فى أن تصبح قدوة للعرب والمسلمين الذين يحتفظون بعلاقات مع هذا الكيان». وسوف ينظم الإخوان المسلمون كذلك احتجاجات جماهيرية ضد إسرائيل يوم «الجمعة»، وأصر قادة الإخوان المسلمين على أن تكون مصر ما بعد الثورة أكثر دعما للفلسطينيين. وكتب سعد الكتاتنى رئيس الحزب السياسى التابع للإخوان فى تغريدة له: «لقد ثار الشعب المصرى ضد الظلم ولن يقبل الهجوم على غزة.»
●●●
يضيف تريجر أنه خلال فترة الشهور الأربعة أو يزيد من فترة رئاسته، تبنى مرسى فى الغالب مقاربة أكثر براجماتية أقرها أمن مصر ودبلوماسيوها المحترفون. ويعود هذا فى جزء منه إلى رفض مرسى العنيد للتعامل مع الإسرائيليين (ناهيك عن رفضه مجرد نطق كلمة «إسرائيل» فى البيانات الرسمية)، وهو ما أجبره على تفويض مسئولية سياسته الخاصة بإسرائيل إلى تلك المؤسسات البيروقراطية التى لم تكن تميل إلى المواجهة مع إسرائيل. لكن الأمر يعود كذلك إلى اعتقاد جماعة الإخوان المسلمين أنه يتعين عليها استكمال مشروعها الخاص بأسلمة مصر قبل السعى لتحقيق طموحاتها الإقليمية. والواقع أنه كما قال محمد سودان أمين العلاقات الخارجية بالحزب السياسى التابع للإخوان المسلمين فى وقت لاحق من هذا الأسبوع فإن مرسى يسعى إلى السبيل الصحيح نحو إسرائيل لأنه «»سيلغى التطبيع مع الكيان الصهيونى تدريجياٍّ».
ومع ذلك فهناك مؤشرات على أن مرسى ربما يختار موقفا أكثر مواجهة عاجلا وليس آجلا. ففى يوم الثلاثاء أعلن الحزب السياسى للإخوان المسلمين أن لجنته القانونية تعمل على وضع مسودة جديدة لقانون يعدل اتفاقية السلام مع إسرائيل من جانب واحد. وفى الوقت نفسه، أبدى الإخوان المسلمون البارزون إشارات عدائية تجاه إسرائيل فى الشهور الأخير، بمن فى ذلك دعوة المرشد العام إلى «الجهاد المقدس» لتحرير القدس، وكذلك تأمين مرسى على دعاء خطيب الجمعة بتدمير اليهود.
أوضح مرسى كذلك أنه يعرف كيف يستغل الأزمة لتعزيز أجندة الإخوان المسلمين السياسية. فقد رد على هجمات أغسطس الإرهابية فى سيناء بأن أقال بسرعة القادة العسكريين الذين كانوا يمثلون أكبر تهديد لحكم الإخوان. وبالمثل، فهو قد يستغل الانفجار الحالى لتعجيل سعى جماعة الإخوان لتحقيق طموحاتها المعادية لإسرائيل. وسواء استغل مرسى هذا القتال الحالى فى غزة أم لم يستغله لقطع العلاقات الإسرائيلية المصرية تماما الآن، فمن الواضح أن هذا يظل طموح الإخوان المسلمين النهائى.
●●●
يشير تريجر فى الختام إلى أنه هنا يأتى دور واشنطن. فبينما لا يمكن لإدارة أوباما تغيير الأهداف التى طال أمدها لحركة انعزالية متطرفة كالإخوان المسلمين، فلا بد أن تمنع الإخوان من السعى لتحقيق تلك الأهداف فى أى وقت قريب. ويمكن للإدارة أن تبدأ بإبلاغ مرسى بوضوح شديد أنه مع أنه له حرية الاختلاف مع الولاياتالمتحدة بشأن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، فهو لا يمكنه الاختلاف بشأن أهمية الحفاظ على العلاقات المصرية الإسرائيلية، التى عملت منع الحرب بين اثنين من أقوى جيوش المنطقة طوال ما يزيد على الثلاثة عقود الماضية.
علاوة على ذلك، ينبغى على الإدارة استغلال المساعدات الاقتصادية، وكذلك الدعم الأمريكى لقرض صندوق النقد الدولى البالغ 4،8 مليار دولار الذى تسعى مصر للحصول عليه، كرافع مالى لضمان بقاء مرسى داخل الخطوط المحددة بشكل جيد. وعلى أية حال، فإن هذه المساعدة ليس إحسانا إنه استثمار فى العلاقة مع مصر التى هى فى حالة سلم مع جاراتها. أما مصر التى تستغل جولة أخرى من القتال الإسرائيلى الفلسطينى كذريعة لعدم الوفاء بتعهداتها الدولية، مثلما تود جماعة الإخوان المسلمين أن يفعل مرسى، فهى استثمار سيئ جدّا.