ليست الأولى فهى ليست حليفا وليست الثانية فهى ليست عدوا. هذا ما أعلن فى 14 سبتمبر الماضى كتصريح للرئيس الأمريكى عن موقع مصر الآن على السلم الرئيس بين سلالم التصنيفات الأمريكية والمعروفه بالقوائم أو اللوائح وتشمل دولا وجمعيات ومؤسسات فى مجالات عديدة أهمها: الإرهاب، حقوق الإنسان، الديمقراطية، الأقليات والمراة... وهى التصنيفات التى تخدم الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى ضبط بوصلة وإيقاع الحركة الامريكية خارجيا وداخليا تجاه تطورات التوجهات والأحداث فى الوحدات محل هذه التصنيفات، وفى سرعه البت والتنسيق بين مراكز صنع واتخاذ القرار. وأعتقد أن هذا السلم الرئيس يبدأ من أعلاه من درجة حليف ويتدرج هبوطا الى درجة شريك، صديق، خصم (عدو محتمل) ثم عدو. وتنقسم كل درجة من الدرجات الى فئتين، حسب القرب أو البعد عن الإستراتيجى وغير الإستراتيجى من المصالح الأمريكية المحدده. وبالطبع فإن كل درجة وكل فئة لها نصيبها من ذهب العم سام وسيفه. وفى تقديرى، أن الإدارات الأمريكية المتعاقبه تعمل على ألا يتواجد على هذا السلم درجة محايد أو غير مصنف، لأن ذلك يعقد حساباتها ويربك حركتها، وهو ما ظهر ويظهر جليا فى مواقفها من حركة عدم الانحياز ودولها. وبالمثل فهى لا تسمح أيضا لمن يتواجد فى الفئة الثانية من الدرجه الأدنى من السلم أن يمثل تهديدا حالا ومباشرا لأمنها القومى، وهو مايظهر فى عدم تحركها العسكرى حتى الآن ضد إيران لعدم تبنيها للتقييمات الإسرائيلية التى تدفع الولاياتالمتحدة للإعتقاد بوصول إيران الى درجة وفئة العداء الذى يسوغ لها أو لهما التدخل العسكرى ضدها.
●●● والواقع أن التحليل الموضوعى لمضمون التصريح الرئاسى الأمريكى يكشف عددا من الأمور:
1- أنه أولا وكرد فعل، جاء فى سياق بيان مفهوم عن أحداث المظاهرات حول السفارة الأمريكية فى القاهرة (انفعالا بالفيلم المشين عن رسولنا الكريم) وانتهاك المتظاهرين لحرم السفارة ولعلمها، وبعد ما سبقها من إشارات واضحة من القاهره على التمسك باستقلالية قرارها السياسى. ثم أنه وإن أبعد مصر عن درجة حليف، فإنه لم يحدد فى الوقت نفسه درجتها الجديدة، وهو إغفال متعمد التجهيل محسوب التوقيت، فقد أهبط فى رأيى موقع مصر درجتين بأربع فئات على سلم التصنيفات ليعطى إشارة واضحة على عدم الرضا الأمريكى، وعلى امتلاكه قدرا من المرونة وحرية الحركه؛ لمقابلة المواقف المصرية المفاجئة من ناحية، ولإعطاء القاهرة فى نفس الوقت فسحه من الوقت للتفكير وربما المراجعه من ناحية أخرى.
2- أنه يمكن أن يتصف بالواقعية، باعتبار أنه تقرير لواقع حال ربما تكون مصر، فى رأيى قد تمنت تحقيقه والصمت المصرى عن التعليق الرسمى على التصريح يؤيدنى اعتبارا لآن درجة الحليف فى ظل الإستراتيجية الأمريكية الإقليميه، الموجودة أو حتى المجددة، لن تخدم طموح مصر الاستراتيجى فى امتلاك حرية قراراتها.
3- أن الإشارات المصرية وبعدها الامريكية، قد جاءت بعد حسابات من الجانبين: لعوامل مصرية داخليه، وأخرى شرق أوسطية، وأمريكية داخلية وخارجية ترتبط بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الوشيكه وبتغييرات وتجديدات منتظرة فى الإستراتيجيه الخارجية التى ستقتصر فى الوقت الراهن على ما يطلق عليه بعض المفكرين والمحللين الأمريكيين اسم strategic adaptation أى التأقلم الإستراتيجى، إنتظارا لتبلور أفكار هذه التغييرات من جهه ولنتائج الانتخابات وماهية وتوجهات الإدارة الأمريكية القادمة من جهة أخرى، وهى كلها عوامل متحركة ومتقلبة ومتشابكه وتحتاج لمتابعة لصيقة ومدروسة.