بمجرد إذاعة الخبر تلقى نجله جورج اتصالات من كبار نجوم الفن والسياسة فى لبنان ومصر ودول أخرى للاطمئنان على حالته الصحية. ومن جانبه أكد جورج استقرار حالة والده الذى يرقد فى مستشفى جبل لبنان القريب من منزله وهو المستشفى التى اعتاد دخوله الفنان الكبير. وأشار جورج إلى أن الأسرة لن تتعجل خروج الفنان الكبير حتى تطمئن تماما على حالته الصحية. حالة الخوف التى انتابت الملايين فى عالمنا العربى حول صحة المطرب الكبير وديع الصافى لها أسباب أبرزها أن هناك عددا من الفنانين عندما يتعرضون لأى وعكة صحية يصاب قلب المواطن العربى بوجع شديد خوفا من فراق هؤلاء الكبار لا قدر الله، لأنهم ينتمون إلى جيل لا يعوض من الفنانين ومن يرحل منهم يترك فراغا كبيرا على الساحة لا يمكن لأحد أن يسده باعتبارهم رسموا خريطة الغناء وصنعوا تاريخا طويلا لاوطانهم وبالتاكيد من أوائل الذين يوضعون فى مقدمة الصفوف وديع الصافى والسيدة فيروز وصباح وماجدة الرومى فى لبنان وهناك اسماء مماثله لها فى مصر سواء فى الغناء أو التمثيل.
وديع الصافى له خصوصيه فى الغناء ربما لا يوجد مثيل لها فى عالمنا العربى فهو صوت جبلى يؤدى الغناء وفقا لمدرسة وضعها لنفسه منذ أن ظهر على الساحة الغنائية وسواء غنى باللبنانية أو العامية فهو وديع صاحب الأداء المختلف عن كل من زاملوه فى عالم الطرب. ففى الوقت الذى كانت هناك أسماء تقدم الغناء الذى يعتمد على الصوت الحنون جاء صوته ليزاحم هؤلاء من فوق جبل لبنان. فلم تهدده رومانسية عبد الحليم حافظ أو جاذبية وعمق أعمال أم كلثوم كما أن ملكة الغناء اللبنانى لم تكن أيضا خطرا عليه لأنه اختار منطقه لم تكن مأهولة بذلك الوقت بأى صوت. فأصبح وديع وسط هؤلاء صوتا متفردا له أعماله التى تغنى جنبا إلى جنب فى عالمنا العربى بجوار أغانى الأسماء التى ذكرناها وغيرها. لذلك ظلت نجوميته تطارد كل من جاءوا بعده من أجيال بل كانت أغانيه سبب كبير فى ظهور بعض الأسماء اللبناية التى اخذت نفس خطة الغنائى.
والشىء الذى يدعو للحزن أن الحادث الذى تعرض له وديع الغناء العربى كان خلال إعداده لفيلم تسجيلى أراد أن يقدمه بصوته قبل رحيله أمد الله فى عمره وهو كان يبرر حرصه على ذلك برغبته فى أن يروى للناس بنفسه كيف وصل إلى هذه النجومية وكيف صنع تاريخه وسط الصعاب. وإلى جانب الفيلم التسجيلى هناك فيلم سينمائى كما تقول أسرته يتناوله من السياسة إلى الفن إلى الأعمال العسكرية ويتطرق لأحداث مشوقة مثل حدوث انقلاب حين كان فى ضيافة العاهل المغربى الراحل الملك الحسن الثانى».
وكشف جورج الصافى نجل «صوت الجبل» أن العائلة ستختار «السيناريو الأنسب» للفيلم السينمائى الذى سيتم تصويره عن حياة «صاحب الحنجرة الجبلية الذهبية»، من بين سيناريوهات عدة ستقدم إليها، مشيرا إلى أن هذه السيناريوهات قد تستند إلى كتاب للباحث الموسيقى فيكتور سحاب عن سيرة الصافى، إضافة إلى وثائق أخرى.
وكانت عائلة وديع الصافى أعلنت مؤخرا أنها وقعت عقدا مع شركة لبنانية للإنتاج.
وبموجب هذا العقد، سيجرى تصوير فيلم سينمائى يتناول سيرة حياة هذا الفنان التسعينى الحافلة بالأحداث.
وقال جورج «تلقينا فى الأعوام السابقة عروضا كثيرة لانتاج فيلم عن حياة والده من شركات وجهات عدة لكن والدى وجد العرض الذى قدمته هذه الشركة هو الأنسب وارتاح له من كل النواحى، فوقعناه عليه».
وأشار نجل الفنان اللبنانى الذى يحمل أيضا الجنسية المصرية والفلسطينية «أهم ما فى العقد، بالنسبة له ولنا كعائلة، أن القرار يعود لهم فى ما يتعلق بحياته».
ويرى جورج أن هذا الامر «يجنبنا الوقوع فى اللغط الذى وقعت فيه بعض الأعمال التى تناولت السير الذاتية لفنانين آخرين»، خاصة أن مسلسلا عن حياة الفنانة اللبنانية صباح آثار من قبل جدلا فى لبنان حول دقة الأحداث الواردة فيه.
وأوضح الصافى أن العائلة فضلت إنجاز فيلم وليس مسلسلا تفاديا للسقوط فى مشاكل المط والتطويل فى الدراما مشيرا إلى أن «العائلة ستضع الأحداث والوقائع التى ستختارها بمتناول عدد من كتاب السيناريو المعروفين، على أن تختار فى وقت لاحق السيناريو من بين ما سيقدمه هؤلاء».
وقال الصافى فى هذا الصدد «سنطرح على الكتاب الموضوعات نفسها، ونرى من يتناولها بالطريقة الفضلى، وسنعتمد الصيغة الأنسب، وبعد أن يصبح السيناريو جاهزا، سنختار المخرج».
وأشار إلى أن «المرجع التأريخى الأساسى للسيناريو سيكون على الأرجح كتابا للباحث الموسيقى الدكتور فيكتور سحاب يتناول سيرة وديع الصافى ويركز على أغنياته، ويحمل عنوان وديع الصافى».
وفيكتور سحاب مؤرخ موسيقى له مؤلفات عدة عن تاريخ الموسيقى العربية، أبرزها «السبعة الكبار فى الموسيقى العربية» وموسوعة صدرت فى السنوات الماضية عن أم كلثوم بالتعاون مع شقيقه المؤرخ والناقد الموسيقى إلياس سحاب، وهما شقيقان للمايسترو اللبنانى الشهير سليم سحاب المقيم فى القاهرة.
وأضاف الصافى «سيستعان أيضا بالأرشيف والمقابلات الصحفية، حيث شهدت حياة والدى أحداثا كثيرة مشوقة منها مثلا حصول انقلاب حين كان فى ضيافة العاهل المغربى الراحل الملك الحسن الثانى»، ولكن هذا الانقلاب لم ينجح بعد أن أحبطه الملك.
حياته
ولد فى 1 نوفمبر 1921 فى قرية نيحا الشوف وهو الابن الثانى فى ترتيب العائلة المكونة من ثمانية أولاد كان والده بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس، رقيب فى الدرك اللبنانى.
كانت انطلاقته الفنية سنة 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنا وغناء وعزفا، من بين أربعين متباريا، فى مباراة للإذاعة اللبنانية، باغنية «يا مرسل النغم الحنون» أول لقاء له مع محمد عبدالوهاب كان سنة 1944 حين سافر إلى مصر. وسنة 1947، سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل حيث أمضى 3 سنوات فى الخارج. قال عنه محمد عبدالوهاب عندما سمعه يغنى أوائل الخمسينيات أغنيته «ولو» من غير المعقول أن يملك أحد هذا الصوت». فشكّلت هذه الأغنية علامة فارقة فى مشواره الفنى وتربع من خلالها على عرش الغناء العربى، فلُقب بصاحب الحنجرة الذهبية، وقيل عنه فى مصر أنّه مبتكر «المدرسة الصافية». فى أواخر الخمسينيات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين من أجل نهضة للأغنية اللبنانية انطلاقا من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات بعلبك التى جمعت وديع الصافى، وفيلمون وهبى، والأخوين رحبانى وزكى ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامى الصيداوى.. مع بداية الحرب اللبنانية، غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا، ليستقرّ سنة 1978 فى باريس. وكان سفره اعتراضا على الحرب الدائرة فى لبنان، مدافعا بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة. يحمل الصافى ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، إلا أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن ما أعز من الولد إلا البلد.