كلما أصبح يوما جديدا، ازداد الخلل فى الرأسمالية الأمريكية. يوم الأربعاء، رفع مستثمرون غاضبون عن حق، دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية ضد موقع فيس بوك وعدد من البنوك الكبرى التى تروج لبيع أسهمه. وأدعو فيها أن موقع الاتصال الاجتماعى العملاق والبنوك «سربوا بشكل انتقائى» إلى «مستثمرين مفضلين بعينهم» حقيقة أن التوقعات المالية الخاصة بموقع فيس بوك ليست مبشرة على النحو الذى دفع الجمهور إلى الاعتقاد فيه. فى الأيام السابقة على الطرح العام ذكرت وول ستريت جورنال، أن بنوك الاكتتاب أطلعت مستثمرين أساسيين، أن سعر سهم الفيس بوك سيتم تحديده على نحو مرتفع جدا بينما كان تحديد السعر «شديد الانخفاض»، وفقا لمكالمة تليفونية واحدة تلقتها الجريدة أرجعت إليها ما ذكرته. ولم تكن عوائد الإعلانات على موقع فيس بوك مواكبة فى نموها وسائط أخرى مثل التليفونات المحمولة، التى قد تبدو أقل ملاءمة لبث الإعلانات مقارنة بالكمبيوتر، كما قيل للمستثمرين الذين لديهم إعلانات لفترات طويلة. ورغم أن هذه المعلومات لم يبلغها أى شخص للمستثمرين الأفراد، فإن كثيرين منهم سارعوا يوم الجمعة الماضى إلى شراء الأسهم. وبحلول الثلاثاء، انخفضت أسهم فيس بوك بنسبة 13% عن سعرها الأولى.
وربما يكون هذا «التسريب الانتقائى» ظالما للغاية، لكنه من الناحية القانونية، لا تشوبه شائبة. إذ ينص القانون على ضرورة قيام الشركات والسماسرة بإحاطة الجمهور بأى معلومات قد تؤثر على قيمة أسهمهم إلا فى حالات الاكتتاب العام، إذ يحظر حينها على شركات الأسهم المالية ذكر مثل هذه المعلومات للجمهور، مالم يمر 40 يوما على الطرح الأولى.
وفى الوقت الذى لا يعرف كثيرون عن هذا القانون؛ قالت الجريدة عنه «أحد أكثر الأشياء التى يفضل وول ستريت المحافظة على سريتها». ويبدو أنه سرا حتى على بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى الذين يمتلكون التحكم المباشر فى النظام الأساسى للأوراق المالية. قال الجمهورى بوب كوركر (من تنسى) لجريدة ذا هيل، أنه تركيزه منصب الآن على فضيحة خسارة التداول 2 مليار دولار فى جى بى مورجان تشيس، أكثر من اهتمامه بفيس بوك «لأن لدينا قواعد منظمة من شأنها أن تكون فعالة». وذكر تشارلز جراسبى (جمهورى من ولاية أيوا) للجريدة نفسها، أن الأمر يتعلق بلجنة الأوراق المالية والبورصات، وليس الكونجرس. وهو بالفعل أمر يخص لجنة الأوراق المالية والبورصات، ولكنه يجب أن يكون أيضا أمام الكونجرس.
●●●
تؤكد قضية فيس بوك على شىء إضافى أيضا قد لا يكون فى حاجة إلى تأكيد أن نظامنا الاقتصادى، عندما يترك إلى أجهزته الخاصة، وعندما يتم تنظيمه بالقواعد التى صاغها أصحاب المصالح الكبرى، ينحاز بصورة هائلة إلى الأثرياء ومؤسساتهم. وسلطت كارثة جى بى مورجان تشيس الضوء على أن المدير التنفيذى جيمس جيمون يحتل منصب رئيس مجلس إدارة بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك، المشرف بشكل رئيسى على إقرار النظام فى شركته. وفى هذا الأسبوع، قام عضو مجلس الشيوخ الاشتراكى الوحيد، بيرنى ساندرز من فيرمونت، والديمقراطية باربارا بوكسر، بتقديم مشروع قانون يوقف مثل تلك القواعد التنظيمية التى طالما عطلت الإصلاح، إذ من الضرورى أن يسيطر على البنوك الفيدرالية الإقليمية مصرفيون من القطاع الخاص، بدلا من المنظِمين العموميين.
وفى هذه الأثناء، اتضح فى الجدل الأخير حول استحقاقات شركات الأسهم الخاصة، أن صافى تأثير تلك الشركات على إيجاد الوظائف وتقليصها، غير معلوم أساسا. بينما تتمثل إحدى ثمارها التى لا تنكر والمعترف بها كمبرر جوهرى لوجود هذه الشركات فى تحقيق الثراء لمستثمريها، والعاملون بها، وهذا الأهم. ويحمد أنصار الشركات لها إيجادها للثروة، رغم أن الثروات التى يتم خلقها تذهب مباشرة للأثرياء، وتنشأ فى الغالب من تخفيض أجور العمال فى الشركات التى يعملون بها.
وأصبح اختلال الرأسمالية الأمريكية يمثل الخلفية التى ستجرى فى ظلها انتخابات هذا العام. وتُظهر استطلاعات الرأى اعتقاد الشعب الأمريكى فى تغير اقتصاد الدولة أساسا إلى الأسوأ، لكن الحزبين الكبيرين منقسمان بشأن تحديد المذنب. إذ يوجه الجمهوريون اللوم إلى الحكومة بسبب تشويه ما ينبغى أن يكون خلافا لذلك، نظام سوق مزدهر؛ ويقول الديمقراطيون ينبغى أن تعمل الحكومة أكثر من ذلك على حث تلك الأسواق على توزيع الثروة على نحو أكثر عدلا، ومن ثم تحدث الزيادة فى الطلب الإجمالى، الضرورية لازدهاره الأسواق.
●●●
لم تعش أمريكا مثل هذا النوع من الجدل الجوهرى حول الاقتصاد منذ الثلاثينيات المرة الأخيرة التى ساءت فيها بشدة حالة الاقتصاد، وظلت على سوئها لسنوات. لكن المحافظين المحبطين والمرتبكين ظلوا مكبوحين أثناء الثلاثينيات، حينما برزت ليبرالية روزفلت كوجهة نظر سائدة، وعرف النقد الاشتراكى للرأسمالية انتشارا لا يتمتع به الآن. ومع ذلك دعا الخطاب الجمهورى، الذى لا يوجد ما يشبهه الآن ولا حتى عند بيرنى ساندرز إلى القضاء على الرأسمالية. وكانت القضايا المطروحة للنقاش سلطة العمال، القواعد الحاكمة للمال، ومدى تقدمية قانون الضرائب متعلقة كلها بطبيعة الشكل الذى لدينا من الرأسمالية، وليس حول وجودها. والسؤال المهم هو، هل سيسمح للرأسمالية بمواصلة انحرافها نحو تحقيق منافع لعدد أقل فأقل من مواطنينا الأمريكيين.