«إنه الاقتصاد يا غبى»، مقولة ينبغى على أى سياسى يريد النجاح ألا ينساها أبدا. العبارة السابقة مستوحاة من وحى الحملة الانتخابية فى الرئاسة الأمريكية بين الرئيس جورج بوش الأب وبيل كلينتون حديث العهد بالسياسة وقتها عام 1992. الغالبية كانت تعتقد أن النصر سيكون حليفا لبوش باعتباره الرجل الذى تسبب فى انهيار الاتحاد السوفييتى والكتلة الاشتراكية، وقاد بلاده للتو للسيطرة على الخليج العربى بعد طرد صدام حسين من الكويت، لكن جيمس كارفيل أحد العقول المفكرة فى حملة كلينتون صك هذا المصلح ليؤكد أن الاقتصاد وليس السياسة هو الذى سيحسم المعركة وأن كلينتون هو الخيار الأفضل اقتصاديا خصوصا لجهة تبنيه لقضية الرعاية الصحية وكل ما يتعلق بالطبقة الوسطى والمهمشين اجتماعيا. لكن ما هى العلاقة بين هذا التعبير وأحوالنا الراهنة؟!.
العلاقة باختصار أن غالبية المصربين البسطاء والعاديين قد يعجبون بهذا الحزب أو ذاك، هذه الجماعة أو تلك، قد يستهويهم شعار أو فكرة، لكنهم فى النهاية سوف يسألون سؤالا واحدا: ما الذى تغير فى حياتنا المعيشية؟!.
وبالتالى فالسطور التالية موجهة إلى الرئيس محمد مرسى والدكتور هشام قنديل ولجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وجميع أنصارهم.
المواطنون سوف يعطون الرئيس وإدارته فرصة وسيصبرون عليهم، وسيتحملون بعض التضحيات عندما يرون جهدا حقيقيا ونية صادقة من أجل التغيير إلى الأفضل.
لكن فى النهاية لن ينشغل الناس بحكاية «مشروع النهضة» أو أى مشروع آخر، سوف يسألون أنفسهم سؤال بسيطا: هل تحسنت أحوالنا، هل صار التعليم أفضل والصحة أحسن والمواصلات أقل زحاما، والثقافة أرقى أم لا؟!.
أتمنى أن يتوقف الإخوان وإدارة الرئيس مرسى فى الفترة المقبلة عن ترديد الشعارات الكبيرة والضخمة، وأن ينشغلوا أكثر بانجاز أشياء بسيطة على الأرض.
عندما يجد الناس أفرادا من الحرية والعدالة يشاركون فى حملة نظافة الشوارع فإن ذلك أفضل مليون مرة من حكاية مشروع النهضة إذا ظل مقتصرا على الكلام.
المؤكد أن المسلمين يتمنون أن تتحقق كل مقاصد الشريعة الإسلامية، لكن غالبية المواطنين لن تحاسب محمد مرسى على: هل هو طبق الشريعة أم لا.
مقاصد الشريعة بالنسبة لعموم المواطنين البسطاء هى الحلم بعمل ودخل يكفيه ذل السؤال يجعله يعيش فى منزل لائق به الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه ثم مواصلات آدمية وبيئة نظيفة، وأمل فى الغد أما حكاية تطويل اللحية وارتداء الجلباب فقد تستهويهم لفترة لكنها لن تصمد إذا ظهر الجوع وعم الفساد.
شعار «الإسلام هو الحل» يبدو مغريا للبسطاء بل لغالبية المسلمين، لكن هؤلاء سوف يسألون أنفسهم إذا استمرت مشكلاتهم الاقتصادية: «لقد انتخبنا بالفعل رافعى هذا الشعار لكى يطبقوه ويغيروا حياتنا للأفضل، فلماذا لم يفعلوا؟!».
لو أن الإخوان المسلمين معجبون حقا بالتجربة التركية فعليهم أن يدرسوها بعمق ويفكروا فى مقولة أردوغان الشهيرة ردا على سؤال أحد أعضاء حزبه «العدالة والتنمية» عندما كان رئيسا لبلدية اسطنبول عن الشريعة فأجابه: «دعنا نحل مشكلات الصرف الصحى فى اسطنبول أولا وبقية مشكلات المواطنين وبعدها نتحدث فى الشريعة».
حل المشكلات الحياتية وتحسين أحوال الناس والقضاء على الفساد والمحسوبية والاعتماد على أهل العلم والخبرة والكفاءة هو أفضل تطبيق للشريعة الإسلامية، وليس كل المظاهر السطحية التى يلوكها كثيرون بلا تفكر. أن تلبس الجلباب وتطيل لحيتك وتبكى أثناء الصلاة شىء جيد، لكنه للأسف لا يكفى لإطعام مسكين أو سد رمق جائع أو حل مشكلة وطن متخلف.
الرسالة بوضوح: «إنه الاقتصاد أيها الأذكياء»، فلا تكرروا خطأ بوش القاتل عام 1992.