فى 28 سبتمبر 1970 توفى الزعيم الكبير جمال عبدالناصر، وخلفه نائبه محمد أنور السادات. كبار رجال الدولة وقادة الجيش تعاملوا مع السادات باعتباره رجلا ضعيفا، سوف يزيحونه عندما يتفقون على رئيس قوى من بينهم. وبعد مرور أقل من سبعة شهور ونصف كان السادات الذى تندر عليه الكثيرون وقتها أكثر مما تندر البعض على محمد مرسى الآن قد تغدى بخصومه قبل أن يتعشوا به.
رجال عبدالناصر الذين وصفهم السادات بأنهم مراكز قوى قدموا استقالات جماعية ظنا منهم أن ذلك سوف يسقط السادات، لكن الأخير كان مستعدا للأمر جيدا، فقد تحالف مع بعض المفاتيح الرئيسية فى الإعلام والجيش، خصوصا قائد الحرس الجمهورى الليثى ناصف الذى قتل فيما بعد فى لندن بنفس طريقة سعاد حسنى وأشرف مروان وفى 15 مايو 1971 اعتقل السادات غالبية رموز دولة يوليو وقتها وأبرزهم على صبرى نائب رئيس الجمهورية وشعراوى جمعة وزير الداخلية ومحمد فايق وزير الإعلام ولبيب شقير رئيس البرلمان، وسامى شرف سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات، وفريد عبدالكريم، وكبار قادة الأجهزة الأمنية خصوصا المخابرات إضافة لإعلاميين وسياسيين مختلفين.
وعندما انتهى هذا اليوم الذى أبدع فيه السادات تمثيلا بإحراق شرائط دلالة على نهاية عصر التصنت كان قد أكمل السيطرة على كل مفاصل الدولة، وبدأ السير على نهج عبدالناصر «لكن بأستيكة» كما تندر عليه خصومه.
البعض يقارن بين هذا اليوم وما حدث أمس الأول بقرار مرسى إقالة قادة الحرس الجمهورى والمخابرات وبعض قادة وزارة الداخلية، ويعتبرونه القرار الأهم والأجرأ والأخطر لمرسى منذ توليه منصبه قبل حوالى أربعين يوما.
التماثل فى بعض التفاصيل قد يغرى بالمقارنة لكن المشكلة أن وقائع التاريخ لا تتشابه وبالتالى يقول البعض إن تعبير «ما أشبه اليوم بالبارحة» ليس صحيحا من الناحية التاريخية.
الاختلاف الأبرز أن السادات وعندما ضمن ولاء قائد الحرس الجمهورى كان قد ضمن الجيش بأكمله، ثم إن المجتمع لم يكن به قوى سياسية حقيقية باستثناء الاتحاد الاشتراكى الحزب الواحد للدولة، وتبين أنه حول ولاءه بالكامل لرئيس الدولة عندما أدرك أنه صار فى السلطة. إذن ما فعله مرسى قد يكون «نصف ثورة تصحيح» على الطريقة الساداتية.
الآن فإن مرسى بقراره الأخير قد يكون ضمن ولاء المزيد من القطاعات سواء داخل الدولة، لكن هناك وضعا مختلفا تماما هذه الأيام.
الآن لدينا رئيس منتخب نعم وخلفه حزب سياسى أو جماعة دعوية كبيرة ومنظمة جيدا، لكن هناك مؤسسة عسكرية ساهمت فى نجاح الثورة، وما يزال لديها إطار قانونى فى الحياة السياسية بحكم الإعلان الدستورى المكمل وإمساكها بالسلطة التشريعية بعد قرار حل مجلس الشعب.
حتى هذه اللحظة مايزال المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمسك جيدا بزمام الأمور على الأقل فيما يتعلق بشئونه الداخلية، ولا يستطيع الرئيس نظريا إنهاء دوره فى الحياة السياسية إلا بعد انجاز الدستور الجديد.
الذى يحسم أمر المستقبل هو الإجابة عن سؤال جوهرى هو: هل قرار محمد مرسى عصر الأربعاء الماضى تم بعد مناقشة وتوافق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أم لا؟.
السؤال الثانى إذا كانت القرارات قد تمت من دون تنسيق فإننا ذاهبون إلى حالة لا يعلم عواقبها إلا الله، وحتى إذا تمت بتنسيق وتوافق فأغلب الظن أنها قد تؤجل الصدام قليلا لكنها لا تمنعه.
نسأل الله السداد والصبر والبصيرة الثاقبة لأن لدينا عدوا على الجبهة الشرقية يتلمظ لالتهام سيناء.