القمة العربية.. الرئيس السيسي: القضية الفلسطينية لا حياد فيها عن العدل والحق    غدًا.. انطلاق فعاليات الأسبوع التدريبي ال37 بمركز التنمية المحلية في سقارة    الزراعة تستعرض جهود مكافحة الآفات خلال النصف الأول من مايو    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على إعداد جيل واعد من صغار رواد الأعمال و تشجيع المبتكرين منهم    رئيس جامعة كفر الشيخ يناقش الموازنة في اجتماع لجنة التعليم بمجلس النواب    بريطانيا تتفوق على الصين في حيازة سندات الخزانة الأمريكية خلال مارس الماضي    القمة العربية.. السيسي: الاحتلال اتخذ من "التجويع والحرمان" سلاحًا لزيادة معاناة الشعب الفلسطيني    فتح ترحب ببيان دول أوروبية وتدعو لإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل    بديل كروس.. قائمة مدججة بالنجوم تحير ريال مدريد    أسامة نبيه: القدر أنصف منتخب مصر للشباب بتأهله لكأس العالم    الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة: الحرارة تقترب من 50 درجة    أمن المنافذ يضبط 38 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    مواعيد وإجراءات التقديم للصف الأول الابتدائي ورياض الأطفال للعام الدراسي 2025/2026    تحت شعار السينما في عصر الذكاء الاصطناعي".. انطلاق الدورة 41 من مهرجان الإسكندرية    مؤتمر قصر العيني لجراحة المسالك البولية يحتفي بتراث علمي ممتد منذ 80عامًا    فص ملح وداب، هروب 10 مجرمين خطرين من السجن يصيب الأمريكان بالفزع    افتتاح معرض "حواديت مصرية" في مركز كرمة بن هانئ الإثنين المقبل    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق محل حلويات في السيدة زينب    بدعوة رسمية.. باكستان تشارك في مراسم تنصيب البابا ليون الرابع عشر    20 نصيحة وقائية و5 إرشادات للاستحمام في حمامات السباحة    أسعار ومواصفات شيفرولية أوبترا موديل 2026 في مصر    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    "من زفّة إلى جنازة".. شقيق يُضحي بحياته لإنقاذ عريس قبل أيام من فرحه في البحيرة    الإسكان: غدًا.. غلق باب التظلمات بمبادرة سكن لكل المصريين 5    «تغولت على حقوق الأندية».. هجوم جديد من «الزمالك» على الرابطة    كيف وصف نجوم الفن الزعيم عادل إمام في عيد ميلاده ال85؟    بث مباشر.. انطلاق أعمال القمة العربية ال 34 بمشاركة الرئيس السيسى    منال سلامة عن الزعيم في عيد ميلاده: " عادل إمام من مدرسة فؤاد المهندس ومدبولي"    حكم من نسي قراءة الفاتحة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يوضح    يسري جبر: يوضح الحكمة من نداء النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة ب"يا ابنة أبي أمية"    هل طلاب الصفين الثاني والثالث الثانوي ملزمون برد «التابلت» بعد الدراسة؟.. الوزارة تجيب    متهمو "خلية داعش الهرم" أمام القضاء اليوم (تفاصيل)    بحضور وزير الصحة.. بدء احتفالية اليوم العالمي للطبيب البيطري    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تدريبات جوية ويدعو لتكثيف الاستعداد للحرب    مسئول أممي: الأمم المتحدة لديها القدرة لتقديم المساعدات في غزة    لا للتصريح الأمني.. نقيب الصحفيين يطلق حملة لتعديل المادة 12 بقانون الصحافة    السكك الحديدية: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير في إطار المشروعات القومية    السكة الحديد تعلن مواعيد حجز تذاكر القطارات خلال عطلة عيد الأضحى    متحدث حكومة العراق: فلسطين محور قمة بغداد والزعماء العرب مجمعون على دعم غزة    الأرجنتين تعلق استيراد الدجاج البرازيلي بعد تفشي إنفلونزا الطيور    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية في شمال سيناء    حتى 22 مايو.. الحجز إلكترونيا للحصول علي مصانع جاهزة بالروبيكي    فيفا يحسم قضية بوبيندزا والزمالك    دار الإفتاء المصرية: الأضحية شعيرة ولا يمكن استبدالها بالصدقات    محافظ جنوب سيناء يعلن آليات جديدة لتيسير نقل مرضى الغسيل الكلوي    "فن وإبداع".. معرض فني نتاج ورش قصور الثقافة بالمنيا    ريفيرو يبدي إعجابه بثنائي الأهلي.. ويكشف عن رأيه في الشناوي (تفاصيل)    نقيب العلاج الطبيعي: إحالة خريجي التربية الرياضية للنيابة حال ممارسة الطب    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    مقتل عنصر أمن خلال محاولة اقتحام لمقر الحكومة الليبية في طرابلس    "هزيمة الإسماعيلي وفوز تشيلسي".. نتائج مباريات أمس الجمعة    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    أستون فيلا يفوز بثنائية أمام توتنهام في الدوري الإنجليزي    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    «أنقذوا الإسماعيلي».. كبير مشجعي الدراويش: أغمي عليا والهبوط بالنسبة لي صدمة عمري    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النرجسية والبقاء فى الحكم
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 03 - 2011

كنت دائما أتساءل، فيما يتعلق بالعقيد معمر القذافى: كيف يستطيع رجل تبدو علاقته بالواقع هامشية البقاء فى الحكم 42 عاما؟
وهو يلقى خطبا مشتتة غير متماسكة فى أماكن مثل الأمم المتحدة. وتزخر رأسه بنظريات مؤامرة شاذة، وهواجس غريبة مثل الدعوة للقضاء على سويسرا وتحميل المخابرات الإسرائيلية مسئولية اغتيال جون كينيدى. كما أنه يظهر فى البلدان الأجنبية بملابس عجيبة، ويفضل ماكياجا غريبا ومثبتا للشعر، وذات مرة علق صورة على صدره. كما أن حرسه الشخصى مكون من الإناث بالكامل. وفى 2008 أعلن أنه كجزء من عملية إصلاح حكومى، سوف يلغى جميع الوزارات باستثناء الدفاع والأمن الداخلى وبضع وزارات أخرى.
وهذه ليست تصرفات ميكيافيللى ثابت يجيد الحسابات. غير أن القذافى لا يمكن تفسير شخصيته بمجرد كونه كوميديا ساذجا. فقد ظل مسيطرا على جزء صعب من العالم، وربما يصمد أمام المحاولات المستميتة الحالية لعزله.
ويبدو أن هناك شيئا مواتيا فى جنون العظمة الذى اتسم به طوال حياته. فقد طرد من المدرسة بسبب محاولته تنظيم إضراب طلابى. وبدأ يخطط لانقلاب من أجل الاستيلاء على السلطة بينما كان فى الكلية. وكثيرا ما يقارن نفسه بالمسيح وبالنبى محمد. كما أطلق على كتاب تعاليمه «الكتاب الأخضر» وصف «الإنجيل الجديد».
الكتاب الذى يجبر الليبيين على قراءته (حيث ألغى فى وقت ما الإجازة المدرسية الصيفية وأحل محلها جلسات لتلقين الطلاب هذا الكتاب) يحفل بأفكار غريبة الأطوار، وتأكيدات مبتذلة. وهو يتكون من ثلاثة أجزاء، «حل مشكلات الديمقراطية»، و«حل المشكلات الاقتصادية» فضلا عن قسم يطرح حلولا للمشكلات الاجتماعية.
ويبدو أن القذافى كتب الكتاب مقتنعا أنه اكتشف الحلول لجميع المشكلات الإنسانية، فيما أطلق عليه النظرية العالمية الثالثة. وكتب فى فقرة يقينية على نحو مميز «ليس للديمقراطية الحقيقية سوى نهج واحد ونظرية واحدة».
ويطرح دائما ملاحظات تافهة كما لو أن أحدا لم يفكر فيها من قبل. فهو يكشف أن المرأة تحيض بينما الرجل لا يحيض. ويميط اللثام عن مبادئ لا علاقة لها بما يقوم به فعليا: «التعليم الإلزامى تعليم قهرى، يقمع الحرية. وفرض مواد تعليمية معينة عمل ديكتاتورى».
ويبدو أنه من أولئك الذى يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، ويرغب فى فرض أفكاره على الجميع، ويمارس هيمنة كاملة على الآخرين كما لو كان رجلا خارقا فى تاريخ العالم.
وبهذه الكيفية، كان يحكم بلاده. ووفقا لمؤشر حرية الصحافة، تعتبر ليبيا البلد الأكثر رقابة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما لذلك من دلالة. ويقدر خبراء عدد المخبرين فى البلاد بنحو عشرة أو عشرين فى المائة من عدد السكان. ذات مرة، ألغى القذافى اللغات الأجنبية من المدارس وأزال علامات الشوارع المكتوبة بحروف لاتينية، بهدف القضاء على النفوذ الخارجى. وقبل ذلك، طرد الجالية الإيطالية، وأجبر أعضاءها على إخراج جثث الإيطاليين من المقابر الليبية لاصطحابها إلى إيطاليا. وأذاع عملية إخراج الجثث عبر البث الحى على التليفزيون الليبى. وتنتشر فى شوارع ليبيا ملصقات تقول أشياء من قبيل «أطيعوا أولى الأمر».
وحاول القذافى عبر العقود إعادة تشكيل العالم وفق تصوره الشاذ. وسعى لإنشاء إمبراطورية كبيرة عبر دمج ليبيا والسودان. كما حاول إقامة اتحاد الجمهوريات العربية مع مصر وسوريا. وحاول إنشاء جيش عربى. وأطلق على نفسه لقب ملك الملوك، وإمام المسلمين كافة، وفى 2009 سعى إلى إقامة الولايات المتحدة الأفريقية. وأنشأ أكاديميات ديكتاتورية، ودرب مجموعة من أكثر مستبدى العالم وحشية، كما ساند بالطبع حركات إرهابية فى أستراليا وأيرلندا وألمانيا وغيرها.
ولكن يبدو أن هذه الحالة الحادة من جنون العظمة كانت السر فى طول بقائه فى الحكم وطبيعته المشوشة. ومن المفارقة، أنه إذا كنت ترغب فى البقاء فى المنصب كديكتاتور، فمن الأفضل أن تكون ديكتاتورا نرجسيا بدلا من أن تكون مستبدا تافها. ويسعى المصابون بجنون العظمة من أمثال القذافى إلى السيطرة على كل خلية عصبية فى رءوس شعوبهم، والتحكم فى جميع مناحى الحياة. وهم يدمرون كل سلطة أو مجتمع مدنى خارج سيطرتهم. ويشخصنون جميع المؤسسات حتى إن مؤسسات مثل الجيش توجد لخدمة ذواتهم المقدسة، بدلا من الأمة ككل.
ولا تراودهم الشكوك أو القلق بشأن صحة آراء الآخرين، على اعتبار أنهم يملكون الحقيقة المطلقة. وهم مدفوعون بالرغبة فى تبليغ رسالتهم العالمية، وليس لديهم أى اهتمام بالتقاعد بصورة سلمية.
وقبل سنوات، كان جين كيركباتريك محقا عندما ميز بين الديكتاتوريات الاستبدادية والشمولية. فالأنظمة الشمولية أكثر سقما وأصعب فى التخلص منها. وتبدو غرابة أطوار القذافى المشوش والنرجسى مفتاح طول بقائه. لذلك عليك أن تتذكر: إذا كنت ستصبح طاغية، فلتكن مخبولا. فهذا أكثر أمانا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.