قال مصدر رئاسى ل«الشروق» إن الرئيس محمد مرسى كان يعتزم أن يأتى تقاعد المشير حسين طنطاوى، بعد أربعة أشهر مع تشكيل حكومة جديدة بعد انتخاب مجلس الشعب، لكن القرار عجل به بعد أن استشعر مرسى أن المؤسسة العسكرية، أو على الأقل قادتها، لا يتعاملون معه على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، بل على أنه مجرد رئيس تنفيذى، وهو الشعور الذى بدا جليا على خلفية أحداث رفح. ياسر على المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية قال عن هذا إنه «تم وفق تقديرات الرئيس والتوقيت جاء حسب رؤيته، والهدف هو استكمال أهداف الثورة وضخ دماء جديدة فى مؤسسات الدولة الوطنية»، لكنه لم يقدم تفسيرا خلال الإفادة الصحفية بمقر رئاسة الجمهورية حول سبب إحالة طنطاوى والرجل الثانى فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة سامى عنان للتقاعد، عقب أقل من أسبوعين من تشكيل أول حكومة فى عهد مرسى».
أما المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، فقد أكدت فى إفادة صحفية بمقر الخارجية الأمريكيةبواشنطن، ما كانت «الشروق» قد انفردت به من أن قضية تقاعد طنطاوى وعنان كانت طرحت على مائدة النقاش خلال زيارتين متتاليتين للقاهرة لكل من هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية وليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكى، أما التوقيت، كما أضافت نولاند، لم يكن أمرا متفقا عليه مع الأمريكيين.
مصدر دبلوماسى غربى بالقاهرة كان قد خص «الشروق» بمسألة الطرح الأمريكى لإنهاء ازدواجية الحكم فى مصر بين رئيس منتخب ومجلس أعلى للقوات المسلحة، وذلك عبر تقاعد أكبر رموز المجلس والإبقاء على شخصياته الفاعلة وتصعيد بعضها الآخر.
المصدر ذاته قال إن واشنطن كانت تعلم قبل يومين من صدور القرار أن القرار «كان فى الطريق» نافيا تماما أن تكون الرئاسة قد أخطرت واشنطن بموعد تنفيذ القرار، لكنه تحدث عن «مؤشرات واضحة» بعد حادث رفح.
فالخلاف بين مرسى وطنطاوى حول إدارة أزمة رفح كان واضحا وجليا لكل المحيطين بالرجلين، لكن القشة التى قصمت ظهر البعير لم تكن فقط شعور مرسى «بالخيانة» من قبل المخابرات العامة، التى تمت تغيير رئاستها قبل أيام قليلة من إحالة طنطاوى للتقاعد، بسبب عدم الدقة فى رسم صورة عن الهجمة المتوقعة فى رفح وتداعياتها، ولكن ايضا لشعور الرئيس بأنه لا يتم التعامل معه بوصفه الرئيس الأعلى للقوات المسلحة بل مجرد رئيس تنفيذى.
«لم يكن من الممكن فى ظل هذا كله أن يطلب الرئيس من المشير أشياء ولا ينفذها بعد أن تم الاتفاق عليها». بحسب مصدر رئاسى. ومطالب مرسى التى لم ينفذها المشير تتعلق اساسا، حسب المصدر ذاته، بإدارة الأمور فى سيناء وعلى الحدود مع قطاع غزة المحاصر والمفقر لأكثر من خمس سنوات، وهو ما دعا مرسى أن يقول عقب ساعات من إعلان قراره إحالة طنطاوى وعنان للتقاعد مخاطبا الرأى العام، انه «يقود بنفسه» عملية النسر فى رفح.
المتحدث الرئاسى ياسر على فسر للصحفيين مقولة مرسى بأنها تعنى انه «يقوم بذلك بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة».
الحديث عن مرسى بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة كان غائبا تماما من سياقات حديث العسكرية المصرية منذ تولى الرجل الرئاسة، بل ان تغطية التلفزيون الرسمى المصرى لمشاركة مرسى فى تخريج دفعات الكليات العسكرية لم تحمل هذه الإشارة على الاطلاق عكس ما كان عليه الحال فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، الذى كان، على عكس مرسى، رجلا عسكريا مشاركا فى حروب مصر مع اسرائيل.
لم يكن الخلاف حول إدارة الوضع فى سيناء وعلى الحدود مع غزة وحده هو القشة الأخيرة فى علاقة مشحونة بالتوتر بين مرسى وطنطاوى، رغم محاولة الاخير إبداء التقدير الواجب لرئيس البلاد وسعى الأول، ولو على مضض إبداء التقدير لرأس المؤسسة العسكرية منذ سقوط مبارك وحتى تولى مرسى، خاصة فى ظل معرفة مرسى أن هناك فى المجلس الاعلى للقوات المسلحة من سعى لدعم منافسه الرئاسى أحمد شفيق خلال الجولة الثانية للانتخابات بين الرجلين. وعدم قيام طنطاوى بإقالة أشخاص «كلفه الرئيس بإبعادهم من المؤسسة العسكرية» كان ايضا من ضمن الاسباب وراء قرار مرسى تسريع التفعيل بالمقترح الامريكى.
الأمر لم يقتصر على عدم إبعاد البعض، بل شمل أيضا منح عدد ممن تم إبعادهم فعلا ترتيبات ترفع عنهم احتمالية العقوبة بعد ابعادهم عن مناصبهم ومن ذلك ما حدث مع اللواء حمدى بدين رئيس الشرطة العسكرية المبعد.
وتقول مصادر إن مرسى كان يعتزم ان تأتى مغادرة طنطاوى مع تشكيل الحكومة القادمة وأن يأتى الأمر فى سياق أن المشير راغب فى الترجل عن صهوة فرسه، لكن الامور جرى فيها مستجدات، واعتمد مرسى فى قراره على استمالة قطاع عريض من ضباط القوات المسلحة الذين طالما سئموا من تميز بعض القطاعات على الأخرى فى القوات المسلحة.
وفى لقائه امس الاول مع وزير الدفاع الجديد، عبدالفتاح السيسى، طالبه مرسى بأن يتخذ تدابير لتحسين حياة جنود وضباط القوات المسلحة، وتشمل رفع المستحقات المالية والمزايا العينية للقطاع الاكبر من الجنود والضباط، بوصفه مطلبا رئيسيا.
فى الوقت نفسه، قالت مصادر حكومية إن عددا من الوزراء الذين قد تم اختيارهم فى حكومة هشام قنديل طلبوا من رئيس الوزراء أن يسمح لهم بمغادرة مناصبهم، هؤلاء، وهم نحو سبعة وزراء بحسب مصادر «الشروق»، كان المشير طنطاوى رشحهم للحكومة وهم الآن لا يرغبون فى البقاء بمناصبهم.