أكد غالبية المشاركين في برنامج «الحوارات العربية الجديدة»، أن مصر تحتاج إلى ثورة ثانية، وذلك بالتزامن مع عودة آلاف المحتجين إلى ميدان التحرير. وسجّلت هذه الحلقة لأول مرّة باللغة العربية، وقدمتها الصحافية التلفزيونية المصرية، مي الشربيني، التي عملت بفضائية العربية، مع انطلاقتها، ثم انتقلت لتقديم البرنامج المصري الشهير «90 دقيقة» من القاهرة.
وفي ختام مناقشات حادّة ومداخلات ساخنة بين كلمات المتحاورين، قال وائل قنديل، مدير تحرير «الشروق» الذي أيّد (ثيمه) الحلقة، والناشط السياسي هشام قاسم الذي عارضها، حيث صوت 63.4% من الحضور الشبابي لصالح الفكرة مثار النقاش، فيما عارضها 36.6%.
تلك النتيجة أظهرت قفزة كبيرة في موقف الجمهور عن تصويت أولي، أجراه المنظمون قبل بدء التسجيل، في قاعة الحكمة في ساقية عبد المنعم الصاوي، أن 48.9% من الحضور كانوا أيدوا فكرة الحلقة مقابل معارضة 51.1%.
وتوافق المتحدثون على، أن: "الثورة التي تطالب ب«عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية» شهدت عدة انتكاسات، لكنهما اختلفا حول مدى تقييمهما للمعطيات والجهّات التي وقفت وراء ذلك، وتباعدت مواقفهما بشأن الحاجة إلى ثورة جديدة أو توفير فرصة لإصلاح الأخطاء التي أطاحت بحسني مبارك، وأدّت إلى تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، لكنهما توقعا إجراء انتخابات نيابية جديدة خلال عام، بعد الانتهاء من صوغ الدستور، تليها انتخابات رئاسية.
وألقى قنديل باللائمة بشكل كبير، على سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، معتبرًا أنه أدار المرحلة الانتقالية «بطريقة ذكية وضمن سيناريو منظم» وضع خلالها «صواعق كثيرة» بدءًا بالاستفتاء على الدستور، فتم تشكيل مجلس دفاع وطني غلب عليه العسكر، وانتهاءً بإصدار الإعلان المكمل للدستور لتطويع سلطات الرئيس المنتخب، تزامن ذلك مع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وحملة لتخويف المجتمع من الفوضى والانهيار الاقتصادي.
في المقابل، قال قاسم: "إن أداء النخبة السياسية المتصارعة التي تصدّرت المشهد السياسي وطمعت بالسلطة عقب الإطاحة بالرئيس، وغياب برنامج سياسي واضح لتأطير هذا الحراك ضمن مسار سياسي، ساهموا في دفع البلاد إلى هذا الحال، وأن هذه القوى التي استأثرت بالمشهد لم تفعّل أي شيء لمحاكاة هموم أكثر من 40% من السكان ممن يعيشون تحت خط الفقر."
عاد قنديل ليؤكد أن: "موجات من الثورة ستستمر لحين بروز قيادات جديدة أكثر التصاقا بالشارع وهمومه مدعومة بوعي جديد شبابي قيد التشكّل؛ فالانتهاكات التي وقعت خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية على حقوق المواطن المصري تفوق ما حصل في عصر حسني مبارك."
من جانبه قال قاسم: "الناس يقولون «اعملوا مسارا سياسيا فننضم إليكم»، لكن البلد لا تدار من ميدان التحرير ومن ثقافة احتجاج، وأتفق مع وائل بأن هناك أخطاء حصلت من العسكر، واختلاق أزمات، لكن هل تتحمل البلاد المزيد من الاضطراب الاقتصادي والسياسي؟ لا توجد طريقة للخلاص من نظام العسكر إلا عبر خلق مسار سياسي، يدفع بالبلاد قدمًا."
غالبية الحضور طرحوا أسئلة جرئية حملت طابعًا استفزازيًا للمتحدثين، قالت معلمة: "إن النخبة السياسية بما فيها التيارات الإسلامية غير متصلة بهموم الشارع"، لافتة إلى وعي الشارع سبق النخبة، إذ أدرك العديد بأن الدين ليس هو ما سيؤدي إلى حياة أفضل، فيما طالب شاب بعزل النخبة السياسية لأن الشيء الوحيد الذي تغير منذ الثورة هو الانتقال إلى التوقيت الصيفي في البلاد.
وقالت شابة، إنها: "ضد حل المجلس العسكري أو إبعاده عن المشهد السياسي". ورأى آخر أن: "الإعلام الفاسد هو من خلق هذه النخبة السياسية".
شاب آخر استبعد أن يكون للرئيس القادم أية صلاحيات، وحمّل المجلس العسكري مسؤولية "ما وصلنا إليه وسيستمر بلعبته" لبقاء السلطة في يديه، وقال شاب: "إن مرسي هو موظف أو سكرتير عند المجلس العسكري".
وسألت مدرسة اقتصاد في الجامعة الأمريكية في القاهرة: إذا كان الاقتصاد المصري المتعثر قادر على تحمل ثورة ثانية؟، فرد عليها قنديل: "بمجرد نقل السلطة من العسكر ستأتي الأموال والاستثمارات"، بينما زاد قاسم: "إن الاقتصاد يتحسن مع الاستقرار".
البرنامج الذي انطلق بعد الثورات في تونس ثم مصر مطلع 2011، سجّل لغاية اليوم عشر حلقات باللغة الإنجليزية بإدارة مؤسس الحوارات العربية الجديدة الإعلامي المخضرم تيم سباستيان، المرتكز على تجربة حافلة، حصد خلالها جوائز عالمية. وشكّلت ذروة خدمته في تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» لقاء برنامج كلام قاس «هارد توك».
البرنامج الحواري بتمويل من برنامج الشراكة التابع لوزارة الخارجية البريطانية والوكالة السويدية للتعاون الدولي، وتشكل الحوارات العربية الجديدة منبرًا واسع الانتشار، صمّم لحفز المساءلة الديمقراطية في دول التحول على المشاركة في إدارة شؤون بلادهم، وتطوير الحياة السياسية فيها، من خلال التحاور في العلن.
تبث المناظرات على فضائية «دويتشه فيليه» الألمانية باللغتين العربية والإنجليزية، وعلى قناتي «الحياة» المصرية و«هنبعل» التونسية، وتلفزيون وخدمة الإذاعة العامة (PBS) في أمريكا، بالإضافة إلى تلفزيونات عربية شريكة.