مع تزايد مد الربيع العربي وارتفاع أمواجه، ارتفع رصيد ومكانة وسائل الاتصال الاجتماعية مثل فيس بوك وتوتير وشاع في العالم كله أنها لعبت دورا محوريا في نجاح الثورات العربية أو إشعالها على الأقل. تعزز هذا الاعتقاد بالإجراءات التي اتخذتها الأنظمة القمعية بوقف وإغلاق هذه الخدمات في العديد من الدول العربية . وسائل احتجاج تقليدية لكن تحليل الإحصاءات التي توصل إليها فريق الباحثين في مشروع بوصلة الناخب المصري التابع لإذاعة هولندا، تشير إلى أن دور وسائل شبكات التواصل الاجتماعية كان مبالغا فيه على اقل تقدير. معظم الناشطين الذين نظموا وشاركوا في أعمال الثورة، استخدموا وسائل الاحتجاج السياسي التقليدية مثل المظاهرات في الشوارع والإضرابات والاعتصام في مواقع العمل. تؤكد المعلومات الإحصائية أن وسائل الاحتجاج التقليدية قد اعتمدت حتى من قبل غالبية المستخدمين المنتظمين لخدمات شبكة الانترنت.
من بين أكثر من 220 ألف مشارك في استبيان بوصلة الناخب في الانتخابات البرلمانية وأكثر من 140 ألف ناخب أجابوا على استبيان بوصلة الناخب للانتخابات الرئاسية، جرى الاتصال ب 1051 ناشطا سياسيا شارك شخصيا في الاحتجاجات بطريقة أو بأخرى حيث شارك 61% منهم في التظاهرات وأكد 80% مشاركتهم في إضرابات عن العمل، فيما شارك 42% منهم في أنشطة احتجاجية على الانترنت.
ينتمي كل النشطاء الذين تمت دراسة حالاتهم لفئة عمرية شابة وكلهم تقريبا ضمن الفئة المحدودة نسبيا من السكان الذين لديهم القدرة على الوصول لشبكة الانترنت بانتظام. ومع ذلك لجأ غالبتهم العظمى لوسائل الاحتجاج السياسي التقليدية. يؤكد هذا أن القطاع الأكبر من سكان مصر الذين لا يستخدمون الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي قد اعتمدت بالطبع على وسائل الاحتجاج التقليدية، ويمكننا أن نستنتج من ذلك أن ثورات الربيع العربي قد اعتمدت أساسا على الاحتجاج السياسي التقليدي مثل التظاهر والإضراب والاعتصام بالعكس من الصورة الشائعة والمضخمة إلى حد ما لدور وسائل الاتصال الاجتماعي.
إذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن جميع الذين شاركوا في الإجابة على استبيان بوصلة الناخب لديهم القدرة على الوصول على شبكة الانترنت وأن واقل من ثلث سكان الريف يحصلون على خدمات الانترنت، يمكن أن نخلص إلى أن إلى وسائل الاتصال التقليدية من الهاتف والاتصال الشخصي والمنشورات المطبوعة كانت أعظم أثرا من وسائل الاتصال الاجتماعية الجديدة على الانترنت وأن غالبية المصريين لم تكن لتحصل على معلومات كافية حول الثورة وما يحدث خلالها دون وسائل الاتصال والحشد التقليدية.
ولا تزعم هذه الدراسة على أن الانترنت لم يلعب دورا في الثورة المصرية، فهو قد لعب دورا مهما بالفعل. حيث أكد ربع الذين يستخدمون الانترنت بانتظام أنهم استخدموه لأغراض سياسية بمعدل أربعة مرات في الأسبوع. من الواضح أن الشبكات الاجتماعية وسيلة فعالية للاتصال والحشد السياسي السريع، لكن الوسائل التقليدية تبقى أكثر فعالية وتصل إلى جمهور اكبر من مستخدمي الانترنت بكثير وقد اعتمدت عليها الثورات العربية أكثر من غيرها بعكس ميل الإعلام العالمي لتسمية بثورة الفيسبوك والتويتر.
لا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي تلعب دورا محوريا في تبادل الآراء والمعلومات والتقارير ومذكرات الاحتجاج. لكن كل هذا لا يتحول إلى احتجاج فعلي على الأرض إلا بالاتصال المباشر مع الناس عبر الهاتف والمنشور وغيرها من وسائل الحشد التقليدية لتحويل المواقف على حركة بين الناس ولتفادي الرقابة والإغلاق وغيرها من الإجراءات التي تتخذها السلطات للحد من الاحتجاجات. كما أن وسائل الاتصال الاجتماعية قد وفرت الكثير من المعلومات الدقيقة في توقيت جيد لوسائل الإعلام العالمية والرأي العام خارج مصر الأمر الذي ضاعف الضغوط على السلطات المصرية وساعد على نجاح الثورة دون شك.
الانترنت ضد الديمقراطية وبالرغم من ذلك، يبقى من الضروري أن نلاحظ أن لشبكات التواصل الاجتماعي مساوئها أيضا كما لاحظ باحثون آخرون من قبل مثل ايفيجي موارزوف مؤلف كتاب "وهم الانترنت". أشار موارزوف إلى بعض المظاهر الإشكالية والمعادية للديمقراطية والنشاطية السياسة التي تساعد عليها الانترنت.
لعل أهمها المخاطر المتصلة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة للحشد السياسي إذا أنها تتحول لمصدر رخيص ومفتوح للمعلومات التي كانت أجهزة المخابرات تبذل جهدا مكلفا ماديا وسياسيا للحصول عليها. فما كانت تحصل عليه بالتجسس والاعتقالات المكلفة سياسيا ووسائل الترهيب والتعذيب أصبح متاحا مجانا، وبات من الممكن التعرف بسهولة على القادة والمنظمين وأفكارهم ووسائل اتصالهم ومواقع نشاطهم وخارطة حركتهم.
كما أن الصورة الرومانسية للشباب المتعلم المتحمس الذي يناقش ويدير أموره على الانترنت مقابل مخبري أجهزة امن الدولة الجهلة الذين لم يمسوا كمبيوتر صورة ليست صحيحة وغير واقعية للأسف، إذ أن هذه الأجهزة تستخدم الآن أفضل الخبراء والأجهزة والمعدات وأحدثها.
هنالك أيضا دواع أخرى للنظر في دور شبكات التواصل الاجتماعي في الربيع العربي باعتدال وواقعية والقبول بأن دورها، على أهميته، كان محدودا نسبيا. في مجتمع تعلو فيه نسبة الأمية كالمجتمع المصري يمكنا أن نقول باطمئنان إن قدرا رئيسيا من التواصل الاجتماعي بين الناس يتم شفاهة بالدرجة الأولي وسط الغالبية العظمي من السكان، ولهذا ربما يمكننا أن نقدر أن للهواتف النقالة تأثيرا اكبر واهم من شبكات الانترنت.