تخضع القوانين العلمية للتجريب والتجارب ولا تستقر القواعد إلا بعد أن يصدر العلم حكما لكنه فى الواقع ليس حكما نهائيا إذ يظل التحقق منه أمرا مطلوبا دائما. هذا ما حدث منذ سنوات حينما رأى الأطباء أن تعويض المرأة عن انحسار منسوب هرموناتها مع التقدم فى العمر يجب تعويضه بهرمونات مماثلة تفاديها لمتاعب تلك الفترة الدقيقة. خلال عشر سنوات من الترويج للعلاج التعويضى للهرمونات ثبت أن المرأة تتعرض لخطر أكبر هو الأزمات القلبية الأفدح أثرا جراء استخدام الهرمونات وأثرها على أنسجة لم تعد مهيأة لها.
يأتى الدور على الكالسيوم الآن والذى تتناوله المرأة خاصة اتقاء لشر هشاشة العظام فى ذات المرحلة من العمر: انحسار الهرمونات وتراجع مقدرات الخصوبة.
تحذر دراسة علمية حديثة موسعة من تناول أقراص الكالسيوم وتنصح بالتروى والتأكد من أنها ليست تتناول فى جرعات أكبر من المطلوبة وتحبذ أن يتناول الإنسان ما يحتاجه من كالسيوم من مصادره الغذائية الطبيعية. تشير الدراسة إلى أن تناول أقراص الكالسيوم بانتظام يهدد بارتفاع نسبة الإصابة بالأزمات القلبية
نشرت فى الأسبوع الماضى 23 مايو 2012 النتائج الأولية لدراسة علمية موسعة ألمانية أجريت ومازالت مستمرة على أربعة وعشرين ألفا من المتطوعين الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثلاثين والرابعة والستين من النساء والرجال. وقد بدأت الدراسة منذ عام 1994 وحتى عام 1998 كان الباب مازال مفتوحا للانضمام إليها.
تلك الدراسة الألمانية هى جزء من دراسة علمية أوروبية هائلة الجسم لدراسة أبحاث السرطان وتأثير الغذاء على حياة الإنسان.
European Prosoective Junvestigation unilo Cancer and Nutrition EPIC كان الكالسيوم هو محور اهتمام من تابعوا نتائج الدراسة التى نشرتها الدورية العلمية الأشهر (Heart) على طبعتها الإلكترونية إذ إن النتائج كانت بالفعل صادمة. الإنسان فى العالم بأسره يحرص على جرعات الكالسيوم كمكمل غذائى مهم وأساسى للوقاية من هشاشة العظام خاصة المرأة فى الخريف. فهل يتوقف الجميع عن تناول أقراص الكالسيوم التى تشير الدراسة إلى أنها تؤدى إلى تزايد نسبة الإصابة بالأزمات القلبية؟
مما يزيد الأمر تعقيدا أن دراسات جادة سابقة أكدت نتائجها أن من يحرصون على تناول جرعات كافية من الكالسيوم إنما يتمتعون بحماية أكبر من ارتفاع ضغط الدم وأخطار السمنة ومرض السكر المعروف أنها عوامل خطر قد تقدم للإصابة بأمراض شرايين القلب والسكتة الدماغية.
«تناول أقراص الكالسيوم يجب أن يتم فى حرص إذ إنه من الممكن أن يزيد من احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية. ويفضل أن يأخذ الكالسيوم من مصادره الغذائية الطبيعية المعروفة».
لم تنف الدراسة بصورة قاطعة فى ذلك التصريح أن للكالسيوم أهمية حقيقية لصحة الإنسان ولم تقطع بضرورة التوقف عن تناوله وإن أشارت إلى تفضيله من مصادره الطبيعية الغذائية عن مستحضراته فى صوره المختلفة خاصة الأقراص.
لماذا يفضل الكالسيوم من مصادره الغذائية الطبيعية؟
تشرح الدراسة أن المفارقة بين تناول الكالسيوم فى صورة أقراص أو تناوله من مصادره الطبيعية يرجع إلى اختلاف فى طرق الامتصاص.
الكالسيوم من مصادره الغذائية عادة ما يتم امتصاصه بصورة كاملة وعلى فترات طويلة إذ إنه غالبا ما يتناوله الإنسان فى جرعات صغيرة مختلفة وفقا لنوع الغذاء الذى يتناوله.
أما الأقراص فتصل إلى الدم بعد امتصاصها فى جرعات كبيرة قد تزيد من احتياج الجسم الأمر الذى معه قد يترتب عليها مشكلات صحية.
الأمر بالفعل يختلف حينما يدخل الكالسيوم فى عمليات التمثيل الغائى فإن الكالسيوم القادم من أصل غذائى طبيعى يبدو أكثر ملاءمة
ما هى مصادر الكالسيوم الغذائية الطبيعية؟
أفضل مصادر الكالسيوم الغذائية الطبيعية هى اللبن ومنتجات الألبان من الزبادى واللبن الرايب وأنواع الجبن على اختلافها. هناك أيضا المشروبات المشتقة من الصويا وعصير البرتقال المضاف إليه عنصر الكالسيوم.
من الخضراوات تلك التى تبدو داكنة الخضرة ومنها البروكلى والسبانخ والبامية إلى جانب البقول المختلفة مثل أنواع الفاصوليا واللوبيا الجافة أيضا المسكرات وأهمها اللوز.
من أكثر المصادر غنا بالكالسيوم سمك السالمون والسردين خاصة إذا تم تناوله مع عظامه.
الواقع أن الكالسيوم من تلك المصادر الغذائية لا يتم امتصاصه بنسبة متساوية إنما يخضع لعوامل كثيرة تتحكم فى القدر المتاح للامتصاص.
أفضل ما يمتص بسهولة ويسر فى الدم هى تلك النسبة من الكالسيوم التى يوفرها اللبن ومنتجاته.
كيف نعمل على تسهيل امتصاص الكالسيوم؟
التغلب على معوقات امتصاص الكالسيوم قد تأتى عن طريق معاونة ذراته على الوصول إلى الدم فى صورة بسيطة يمكن معها امتصاصها من تلك الوسائل ما يلى:
● طهو الخضراوات يسهل امتصاص الكالسيوم
● الانتباه لعدم تناول الحديد مع الأطعمة الغنية بالكالسيوم إذ إن مركبات الحديد تسبق الكالسيوم وتحتل مواقعه عند الامتصاص.
● مراعاة عدم شرب الشاى أثناء الطعام أو بعده مباشرة إذ إن ذلك يعوق امتصاص الكالسيوم.
● تأكد من أنك تتناول جرعة كافية من فيتامين (د) الذى يرتبط وجوده بامتصاص جيد للكالسيوم فى الأمعاء إلى جانب أثر له ثانوى على الكلى يحفزها على الحفاظ على الكالسيوم فى الدم بدلا من إهداره فى البول.
● أهم مصادر فيتامين (د) الغذائية هو اللبن ومشروبات الصويا وزيت السمك وصفار البيض والزبد.
التعرض للشمس هو أهم العوامل التى تحفز الجسم على تحول فيتامين (د) فى الجسم إلى مركب نشط يؤدى دوره الفعال فى حماية العظام.
1000 وحدة دولية هى الجرعة المناسبة التى يجب أن ينالها الإنسان البالغ بينما 400 وحدة دولية هى الجرعة اللازمة للأطفال يوميا.
● إذا كنت من محبى القهوة فحاول دائما إضافة اللبن إليها إذ إن للكافيين أثرا على الكلى يدفعها لإفراز الكالسيوم فى البول. يمتد هذا الأثر أيضا إلى الكولا والشاى لذا يجب مراعاة محاولة التقليل من تناولهم اليومى متى كان ذلك ممكنا.
الجرعة اليومية المطلوبة من الكالسيوم تصل إلى 1000 مجم يوميا تزيد إلى 1500 مجم يوميا لدى السيدات المعرضات للإصابة بهشاشة العظام.
وفقا للدراسة العلمية المعنية مازالت لم تتغير وإن كان من الأفضل تناول تلك الجرعات من مصادرها الطبيعية الغذائية.
لا تنتقص تلك الدراسة من قدر الكالسيوم الذى لا جدال فى أهميته القصوى لبناء العظام والأسنان وتداخلاته الأخرى الحيوية فى عمليات التمثيل الغذائى وأهميته لعمل القلب وسلامة الشرايين. الإشارة المهمة التى يجب أن يلتقطها الحكيم هو أن يهتم بالكالسيوم فيما يتعلق بصحة أبنائه إذ إن الكنز الحقيقى هو ما نبدأ فى ادخاره بصورة طبيعية سليمة منذ الصغر. الكالسيوم فى صورته السهلة يمكن الحصول عليه بسهولة فى الصغر إذا تبدو صورته فى الكبر أكثر تعقيدا.