ثلاثة أشياء أحاول دائمًاً أن تبقى نصب عينيّ: ضميري أمام الله، وواجبي تجاه الوطن، وحرصي على قيم المهنة. هذه هي المبادئ التي يعمل بها ابن قرية منشية جنزور في طنطا، بمحافظة الغربية، في مجال الصحافة التليفزيونية، الذي أعلن بعد مسيرة حافلة، شهد لها الجميع بالكفاءة، عن توقف جهوده بهذا المجال، في نهاية شهر يونيو المقبل، عندما يكون لمصر رئيس منتخب.
إنه يسري فودة الذي كتب اليوم الخميس، عبر صفحته على موقع (فيس بوك)، أن: "قبولي أن أجلس داخل استوديو، كي أقدم برنامجًا شبه يومي، كان مقترنًا بإدراكي لمتطلبات اللحظة التي ظهرت فجأة في مصر في شكل ثورة، و كنت فخورًا مثل أي وطني يحب بلده، وأي مهني يخلص لعمله، لكن قبولي هذا التحدي الكبير ارتبط في الوقت نفسه بقرار آخر، أعلنته في حينها، أن جهدي هذا سيتوقف حين تحصل مصر على أول رئيس منتخب".
هذا القرار دعا ألبرت شفيق، رئيس مجموعة قنوات «أون تي في»، إلى الدخول في مفاوضات، تحاول إقناع يسري فودة بالاستمرار في العمل، واستكمال مسيرته معهم".
وأوضح شفيق في تصريحات خاصة ل«بوابة الشروق»، أنه حتى الآن لم يحدث أي شيء، وننتظر قبول يسري فودة لمفاوضاتنا معه".
ووجه ألبرت شفيق، في ختام حديثه، رسالة إلى الإعلامي يسري فودة، قائلاً له: "يا يسري أنت عزيز علينا، وارجع عشان جمهورك، وإحنا محتاجينك تكمل عشان البلد".
يسري فودة في رسالته المنشورة، أكد على أن توقّفه عن العمل بنهاية شهر يونيو المقبل، لا علاقة له بالأمور والأحوال السياسية بمصر، موضحًا بقوله: "أرجو أن أؤكد على أنه لا علاقة لهذا التوقيت بحكمي على سير الأمور في مصر سياسيًا، ولا بتقديري لمستقبل الثورة، لقد كنت ولا أزال مؤمنًا أشد الإيمان بقيم الثورة، وبجيل جديد من المصريين سيتمكن بكل تأكيد في نهاية المطاف من التغلب على أطوار الإحباط و الإرهاق".
وأوضح فودة بقوله: "لا توجد لديّ أية خطط محددة في المستقبل القريب أو البعيد، ولا تغريني مزايا مادية أو إدارية، داخل مصر أو خارجها."
كلمات يسري فودة تتفق كعادته مع مواقفه؛ فقد تحدث من قبل في شهر مارس من العام الماضي مع «الشروق»، عندما قال: "إحساسي الشخصي أنني سأترك القناة بالكامل بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة؛ لأنني لدي الكثير في حياتي، أريد أن أفعله".
يسري فودة عرفه المصريون يوم «جمعة الغضب» عندما خرج يتحدث عنهم، وهو يردد ما ينطقونه في مقدمة برنامجه «آخر كلام»، "يسقط يسقط رأس الدولة".
ثم توالت مسيرته المهنية، طوال أيام الثورة، وصولا إلى وقتنا الحالي وبرنامجه يتعرض من وقت لآخر، لمناوشات تدّعي نشر الحرية الإعلامية، لكنها في الوقت نفسه تسعى لإخفاء الصورة عن الرأي العام، بينما كان عندليب الصحافة التليفزيونية، يسري فودة، يغرّد خارج السرب بتأكيد على أن توفير المعلومة للأفراد، يعطيهم رأيًا واضحًا.
لكن مهنيته الإعلامية لم تشفع له، وجعلته ينشر أول بيان صحفي في حياته، لمن يهمه الأمر، بعد مسيرة صحفية تقترب اليوم من نحو عشرين عامًا، وذلك في 21 أكتوبر من العام الماضي، قال فيه: " ليس سرًا أن جانبًا كبيرًا من عقلية ما قبل الثورة لا يزال مفروضًا علينا بصورته التي كانت، إن لم يكن بصورة أسوأ، ولأنه ليس من أجل هذا يقدم الناس أرواحهم وأعينهم وأطرافهم فداءً لحرية الوطن، وكرامة العيش، فلابد لكل شريف من وقفة".
وتابع: "وقفتي كمواطن يخشى على وطنه لا حدود لها، لكن وقفتي اليوم كإعلامي تدعوني إلى رصد تدهور ملحوظ في حرية الإعلام المهني، في مقابل تهاون ملحوظ مع الإسفاف "الإعلامي"، هذا التدهور وذلك التهاون نابعان من اعتقاد من بيده الأمر أن الإعلام يمكن أن ينفي واقعًا موجودًا أو أن يخلق واقعًا لا وجود له".
واستكمل يسري فودة: "تلك هي المشكلة الرئيسية، وذلك هو السياق الأوسع الذي لا أريد أن أكون جزءًا منه"، موضحًا بقوله: "رغم إدراكي لحقيقة أن جميع الأطراف في مصر الثورة كانت، و لا تزال، تمر بمرحلة ثرية من التعلم تغمرنا بالتفاؤل، في أحيان، و تصيبنا بالإحباط، في أحيان أخرى، فإن حقيقة أخرى ازداد وضوحها تدريجيًا على مدى الشهور القليلة الماضية، تجعلنا نشعر بأن ثمة محاولات حثيثة للإبقاء على جوهر النظام، الذي خرج الناس لإسقاطه".
ثم كتب فودة بعدها بأيام في صحيفة «المصري اليوم» مقالا، بعنوان، «قبل أن يكون حقًا.. «آخر كلام»، تحدث فيه عن أسباب بيانه الأول، والذي تعلق بتغطيته لأحداث ماسبيرو، وذلك بعد حديث هاتفي للواء إسماعيل عتمان، عضو المجلس العسكري معه، والذي قال له بعتاب: "«إحنا زعّلناك فى حاجة يا راجل؟».
وأشار فودة لما دار بالمكالمة، بقوله: "كان من الواضح أن الحديث وصل بنا بعد جدال طويل إلى طريق مسدود؛ فهو يحيي تغطية تليفزيون الدولة بلا تحفظ، وأنا أنتقدها بلا تحفظ".
وتابع: "هو يرى أن التليفزيون فعل شيئًا لم يفعله قبل ذلك عندما تقرر له أن يبث ما كان يحدث على الهواء مباشرة. وأنا أرى -رغم أن هذا صحيحًا، على الأقل في جانب من جوانب الصورة- أن ما صاحب الصورة من تعليقات، شفوية ومكتوبة، كان العنصر الحاسم، وإلا لماذا اقتحمت الشرطة العسكرية برشاشاتها في مشهد درامي استوديوهات قناتين أخريين، لا تخضعان لسيطرة ماسبيرو؛ لمنعهما من بث المشهد نفسه على الهواء؟"
ثم ختم فودة حديثه، قائلا: "هناك مبدأ صغير في صناعتنا، يقول: «إن كنت تخشى من الكاميرا فلابد أن لديك ما تخشاه».
ثم يعود يسري فودة لإكمال عمله في البرنامج، ليخرج اليوم لجمهوره، يخبرهم بتوقف عمله في يونيو المقبل، ويقول لهم: "شكرًا على ثقتكم"، بعد مسيرة شهدت حصوله على درجة الماجستير في الصحافة التلفزيونية، وكان أول مصري يقوم بالإشراف على تدريب العاملين في التلفزيون المصري، في إطار اتفاقية التعاون بين مؤسسة «فريدريش ناومان الاتحادية» واتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري.
ثم انضم إلى تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية، واختير كأول مراسل يتحول للشؤون الدولية، قام أثناءها بتغطية حرب البوسنة ومسألة الشرق الأوسط، كما عمل أيضًا أثناء هذه الفترة التي امتدت حتى عام 1996 مذيعًا ومنتجًا في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، في برامج الأحداث الجارية.
شارك في إنشاء مكتب قناة «الجزيرة» في لندن، والذي شغل فيه فيما بعد منصب نائب المدير التنفيذي، وبدأ منذ شهر فبراير 1998 في إنتاج برنامجه الشهري «سري للغاية» الذي استقطب بموضوعاته وبطريقة معالجته كمًا هائلاً من المشاهدين على اختلاف مستوياتهم.
وقد حصلت أولى حلقات هذا البرنامج على الجائزة الفضية لمهرجان القاهرة للإنتاج الإذاعي والتلفزيون للعام نفسه، وحصل مجمل حلقاته على جائزة الإبداع المتميز من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، عام 2000، ثم استقال من القناة عام 2009، وتبدأ مسيرة عمله في قناة «ON TV» التي توشك على الانتهاء قريبًا.