يكتب الشاعر المصري جمال القصاص في مجموعة قصائده الجديدة وعنوانها "نساء الشرفات" عن الذكريات والأحلام والرغبات والمغامرات وعن مرور الزمن وصور التحول التي تنتج عنه. وإذا كان تخصيص 117 صفحة متوسطة القطع لموضوع واحد أمرا ليس سهلا دون شك، فإن جمال القصاص نجح في جعل الموضوع ذا وجوه وصفحات متعددة مختلفة لكل منها عالمه الخاص ضمن عالم المجموعة العام الجامع الشامل. وقد نجح أيضا في ألا يجعل بعض هذه الموضوعات يأتي "عالة" على ما سبقه ويبدو منجرا وراءه انجرارا لا حياة فيه. وأعطى كلا منها جوه الخاص وتوتره الخاص وصوره وإيحاءاته المميزة عن سائر المجالات، وفي الوقت نفسه حافظ على صلة القربى والشبه بين أقسام المجموعة.
وجمال القصاص درس الفلسفة وتخرج من كلية الآداب في جامعة عين شمس والتحق بالعمل في مكتب القاهرة في صحيفة الشرق الأوسط ثم تولى ولا يزال يتولى رئاسة القسم الثقافي فيها. صدر الكتاب عن دار العين للنشر.
وتوزعت المجموعة على تسعة عناوين هي "على شكل طائر"، و"غبار النوم"، و"حصة الجسد"، و"جسر الفراشة"، و"شارلي شابلن"، و"ما تحت القميص"، و"رغبة أدفأ"، و"شرفة دالي"، و"سطح الزبد".
الكلمة الشعرية عند جمال القصاص حتى عندما تبدو ذات مدلول عادي هي ذات نبض ومشحونة بالتوتر الذي لا حياة شعرية دونه. ويظهر ذلك في بداية القسم الذي حمل عنوان "على شكل طائر" وبدا كأنه يروي قصة لا المجموعة كلها فحسب بل قصة العمر والتجارب على ألوانها.
يقول مستهلا المجموعة "انغمس الطفل في الكراس. لم تعجبه الشجرة الصماء رسم لها اذنين وشفتين. تذكر أنها لا تتكلم علق في عنقها جرسا. حبة الملح لم تستر عورته. فكر أن يغفو قليلا. أن يتلصص على نفسه. أن يختصر النهاية. لا أثر يعيد ترتيب الأوراق أو يمنح الأشياء شهوتها".
ننتقل بعد ذلك إلى قصيدة "ذات جمال وإيحاء حزينين" وتحفل بأجواء الفقد والخسارة وفيها يقول "يا نساء الشرفات/ مهلا/ أنا الأعزل حتى من نفسي/ لا إرث لي/ الحياة تمر تحت لساني مثل قرص المخدر/ لا استطيع أن أستعيد أغنيتي/ لا استطيع أن أكتب/ حتى يتذكر أحد/ إنني عشت هنا. "فلنجرب سويا/ ربما نتمكن من جلد هذا الهواء/ من صنع حلم على شكل طائر/ أو نخلتين / أو أرض/ ننسى كيف تدور على نفسها."
ومن عنوان "حصة الجسد" وفي جو من الواقعي والرمزي نقرأ مع الشاعر ونتحسس ذلك النبض الحزين الذي يرافق كلامه الشعري حتى حيث يسخر "الشتاء ثقيل/ الأسرّة تمزق جدولها الصيفي/ حصص الجسد بلا موعد/ لا تنتهي الشرفات / أياد وأرجل وسيقان/ صوصوة ترتق مريلة السماء/ كم يساوي/ نصف شرفة/ على نصف نافذة/ في نصف بسمة/ في نصف صرخة/ سأقترح وجها آخر:/ رغيف وكوب من الشاي عودان/ من وشوشة النهر جرعة من ندى الدمع/ انكشف الغطاء/ فوق الرصيف ملائكة بلون الرماد/ بلون الصفيح."
ومن عنوان "شارلي شابلن" نقرأ الشاعر اذ يقول "بحكم العشرة/ وأواصر الدم/ اكتسبت لقب الارملة الحسناء/ يكفيها رجل واحد/ علقت في حضنه جرسها الصغير/ أطفأت شمعها كله/ شرفتها المربعة تتفنن في فصاحة الالوان/ نيئة مثل حبة الكرز/ مثل طلة الشمعدان."
ومن "رغبة أدفأ" نقرأ "ماذا يفعل حارس القبور/ تحت منعطف الشرفات/ اعتاد مصادقة الموتى/ يزرع الصبار فوق عظامهم/ وينتظر ان تنبت المشاعل في خطى التراب. "الحياة مرثية صغيرة/ قفص تنسجه الروح/ من حطب الجسد. "النافذة المعتمة انفرجت اساريرها/ هل يصعد / لا ادعية لا تراتيل لا جنازة/ وحده الميت الحي."