الطريق لثورة يناير مهدت له سياسات الدولة فى استبعاد قطاعات واسعة من المصريين من العملية التنموية، فى ظل حكم الرئيس المخلوع، أدت ل«تزايد الشعور بالغضب وتراجع الإحساس بالكرامة، والتحدى الذى تواجهه الدولة بعد الثورة هو إيجاد آليات تضمن مشاركة أكبر عدد من المواطنين فى العملية التنموية، بحيث تتيح للشباب المصرى فرصة التعبير عن مصالحه وتحويلها إلى مشروعات سياسية تقود التغيير، هكذا لخص برنامج الأممالمتحدة الإنمائى دور الدولة المطلوب فى مصر بعد الثورة، كما جاء فى تقريره عن تحديات التنمية العربية فى 2011. يتطلب صنع سياسات تنموية تضمن مصالح المواطنين وتحميهم من الاستبعاد أن تتبع مصر، ودول الربيع العربى بشكل عام، سياسات اقتصادية موجهة لخلق وظائف لائقة ومنتجة، وتحقق التوازن بين اعتبارات النمو الاقتصادى والتنمية الاجتماعية من خلال توجيه مواردها لعلاج الفقر وتوسيع نطاق الفرص الاقتصادية.
ويوضح التقرير إن الدول العربية، كانت فيما سبق تتدخل فى الاقتصاد، «لكن تدخلها للأسف كان بحثا عن الريع»، وليس لخلق سلع عامة كما هو مفترض، ومن ثم فإن «تغيير طبيعة تدخل الدولة ودافعها إليه يعد شرطا لتحولها إلى دولة تنموية، فى انعكاس للتحول الديمقراطى الذى يجعل الدولة خادمة للإرادة الشعبية ومعبرة عنها».
وتشير التجارب الدولية فى هذا المجال إلى ضرورة توجيه النمو الاقتصادى للقطاعات التى تفيد الفقراء بشكل مباشر، وخلق بيئة تساعد على تشغيلهم وتحسين دخولهم الحقيقية، بالإضافة لتدعيم قدراتهم.
ويقتضى التحول لهذا النوع من النمو الاقتصادى دورا مؤثرا وقائدا للدولة، وهو ما يتطلب التخلص من المخاوف المعتادة حول «مزاحمة الدولة للقطاع الخاص»، والتى كانت المقولة الأساسية لنموذج فقد مصداقيته فى التنمية، على حد وصف تقرير الأممالمتحدة، وفى السياق يصبح من الضرورى أن يُعاد تعريف نطاق ودور وإمكانات الاستثمارات العامة كمكمل للاستثمار الخاص، خاصة فى القطاعات التى تتضمن دخول مناطق جديدة أو فى الأنشطة التى تعتبر دورة استعادة رأس المال فيها طويلة نسبيا، وبالتالى تكون غير جاذبة للقطاع الخاص.
تلك الدولة التنموية التى تسعى شعوب الربيع العربى للوصول إليها يقع على عاتقها بناء خدمات عامة فعالة، وفرص متساوية للاستثمار أمام المستثمرين، بالإضافة لتنمية الصناعات الصغيرة، وقيادة الشركات المملوكة للدولة بكفاءة، وقيادة مبادرات استراتيجية للاستثمار. وتعتبر الديمقراطية وتعميق مشاركة الجمهور هى الضمانة لعدم تحويل سياسات الدولة مرة أخرى للبحث عن الريع بدلا من التنمية.
وتعتبر المعضلة الأساسية التى تواجهها مصر ودول الربيع العربى فى الوقت الحالى هى كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية التى غابت لمدة طويلة تحت حكم النظم الديكتاتورية فى تلك الدول، دون أن تتحول إلى مجرد سياسات شعبوية غير مدروسة لكسب التأييد السياسى، مع التراجع فى الإيرادات العامة، فضلا على الصعوبة التى تعترض أى تدخل قصير المدى نتيجة ضعف المؤسسات.
ويوضح التقرير أن دمج المواطنين فى العملية السياسية أسهل فى المدى القصير من دمجهم اقتصاديا واجتماعيا، كما هو الوضع فى مصر وتونس، خاصة فى ضوء تراجع إيرادات تلك الدول من جهة، والطبيعية الريعية لاقتصاداتها، والتى تجعل إعادة توجيه الاقتصاد باتجاه التنمية والإنتاج خطوة ضرورية لتحقيق المطالب الاجتماعية، كما يشير التقرير إلى أن غياب الأحزاب السياسية الداعمة للمطالب الاجتماعية يساهم فى تأخير تطبيقها، فى مقابل القوى الثورية غير الحزبية والأحزاب الناشئة التى تبنى مثل هذه المطالب والتى يمكن الرهان على اكتسابها مزيدا من القوة والشعبية خلال الفترة المقبلة بما يمكنها من الدفع بهذه المطالب.
لكن تقرير الأممالمتحدة يحذر فى الوقت نفسه من أن عنصر الوقت يتيح كذلك لقوى الثورة المضادة أن تعيد تجميع قوتها لتعود للسيطرة على الحكم.