عباس حلمى الثانى السابع من حكام مصر من أسرة محمد على، تولى منصب الخديوية عقب وفاة والده توفيق وهو فى الأربعين من عمره، بعد إصابته بالإنفلونزا فى يناير من عام 1892، ولم يكن عباس حلمى قد أكمل عامه الثامن عشر بالتقويم الميلادى فتم تنصيبه وفقا للتقويم الهجرى، وكان الخديو الشاب يدرس فى فيينا فقطع دراسته وعاد للبلاد ليتولى مهام منصبه، وقد اعتبرت الصحف البريطانية فى ذلك الوقت أن الاحتلال البريطانى لمصر أصبح أكثر ضرورة بوفاة توفيق، فالخديو الجديد شاب صغير عديم الخبرة، وإنه لا يجوز منذ الآن الحديث عن الجلاء. لكن الخديو الشاب سار فى طريق مخالف للطريق الذى سار فيه والده، كان توفيق مواليا لسلطات الاحتلال، بل هو الذى مهد لها الطريق، أما عباس حلمى الثانى فقد سعى إلى استعادة سلطاته واصطدم باللورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر والحاكم بأمره لسنوات طويلة، واتجه عباس لمؤازرة زعيم شاب بزغ نجمه فى ذلك الوقت هو الزعيم مصطفى كامل الذى كان يصغر الخديو بشهر واحد.
واستمرت الصدامات بين عباس حلمى وكرومر حتى رحيل الأخير عن البلاد عقب حادثة دنشواى، فبدأت العلاقات تتحسن تدريجيا بين الخديو وسلطات الاحتلال، وكان من الممكن أن يستمر عباس حلمى الثانى فى حكم مصر حتى نهاية حياته، لكنه اختار فى الحرب العالمية الأولى الولاء العثمانى فكانت نهايته كحاكم لمصر وهو فى الأربعين من عمره.
فى 1914 نشبت الحرب فى أوروبا بين معسكرين، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا فى جانب، وألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا ثم تركيا فى الجانب الآخر، بدأت المعارك فى أغسطس بعد اعتداء ألمانيا على بلجيكا، وتصاعدت المعارك بطول أوروبا وعرضها، وامتدت إلى منطقة المشرق العربى والمستعمرات، كانت أول حرب فى تاريخ الإنسانية تمتد بهذا الاتساع.
كانت مصر بين نارين فى هذه الحرب فعلى أرضها قوات الاحتلال البريطانى منذ أكثر من ثلاثين عاما، وفى نفس الوقت هى ولاية تابعة لتركيا من الناحية الرسمية، وتنازع رجال السياسة فى مصر اتجاهين: الأول يراهن على انتصار ألمانيا واهما أن هذا الانتصار سيقود إلى استقلال مصر، أما الاتجاه الثانى فكان يؤمن بانتصار الحلفاء ويرى فى بريطانيا شرا أهون من شر، كما كان هؤلاء يتصورون أن مساندة مصر لبريطانيا العظمى فى الحرب سيؤدى إلى منح مصر استقلالها.
مع بداية الحرب فى أغسطس 1914 أعلن مجلس النظار منع التعامل مع ألمانيا ورعاياها، ومنع السفن المصرية من الاتصال بالموانئ الألمانية واحتجاز السفن الألمانية فى الثغور المصرية، ومنح القوات البريطانية حقوق الحرب فى الأراضى والمياه المصرية.
وفى 2 نوفمبر 1914 أعلن الجنرال مكسويل قائد جيش الاحتلال فى مصر وضع القطر المصرى تحت الحكم العسكرى، وفرضت الرقابة على الصحف كنتيجة لإعلان الأحكام العرفية.
يوم 11 نوفمبر 1914 أعلن الخديو عباس حلمى الثانى، الذى لم يعد من إجازته الصيفية،من اسطنبول، بناء على نصيحة الزعيم محمد فريد، منشورا إلى الأمة بإعلان الدستور الكامل فى مصر، والحقيقة أن الإعلان كان يهدف إلى حشد الشعب المصرى خلف الدولة العثمانية ومحاولة الحصول على تأييد المصريين للزحف التركى على البلاد.
وفى 18 ديسمبر 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وأنهت علاقتها بالدولة العثمانية، وعزلت الخديو عباس حلمى الثانى، وحولت مصر إلى سلطنة، وعينت السلطان حسين كامل سلطانا على البلاد تحت الحماية البريطانية.
وقضى عباس حلمى بقية حياته منفيا يدبر المؤامرات من أجل استعادة عرشه دون جدوى.