«لا أحتاج إلى إخفاء هويتى فى الأقصر أو فى القاهرة أثناء الرسم فى الشارع.. ولدى أسبابى فى كلتا المدينتين». يعمل عمار أبو بكر معيدا فى كلية الفنون الجميلة بجامعة جنوب الوادى، وهو من أصحاب رسومات الجرافيتى على جدران شوارع القاهرةوالأقصر، والفارق بينه وبين أغلب رسامى الجرافيتى هو خلفيته الأكاديمية، وانغماسه فى عالم الفن التشكيلى طوال السنوات الماضية، يقول عن ذلك: «كنت أشعر أن مجتمع الفنانين التشكيليين يعيش حالة غربة مع الشارع، وليست هناك طريقة للوصول إلى الجماهير، لأن اللوحة الفنية تظل أسيرة نخبة محدودة مهتمة بالفن التشكيلى». لا يوقع عمار أبو بكر على أعماله بإمضاء خاص، ولايتخفى أثناء عمله معللا ذلك بأسباب أخرى منها أن نمط حياة رسامى الشارع فى الغرب يفرض قواعد معينة متعلقة بالتجريم القانونى لعملهم، أما بالنسبة إليه فإن وجوده فى مجتمع مدينة الأقصر لأكثر من عشر سنوات يجعل محاولة إخفاء هويته أمرا لا فائدة منه، أما عن عمله فى شوارع القاهرة فيقول: «الرسم فى شوارع مثل محمد محمود أو حول ميدان التحرير ليس بطولة تتطلب التخفى، خاصة إذا تذكرنا أن هناك من استشهدوا أو فقدوا أعينهم فى تلك الأماكن.. فما معنى التخفى وهناك من يواجهون الرصاص بصدورهم»؟. ينقل أبو بكر الكثير من الأحداث إلى الجدران، ويرى فى ذلك وسيلة بديلة لعرض الحقيقة فى مواجهة اعلام لا ينقل الحقائق على حد قوله. وبين رسم الشيخ عماد رفعت ذى الوجه السمح فى مواجهة سلطة وجوه أخرى أكثر تشددا وعداء للثورة، أو رسم فتاة تعرت قسرا أثناء أحداث مجلس الوزراء، تصل الرسالة التى يسعى إليها، والهدف هو إبقاء الحدث أطول وقت ممكن فى أذهان المارة من أمام سور كلية الفنون الجميلة فى مدينة الأقصر أو فى غيرها من الأماكن. وفى السنوات الماضية كان بالإمكان ملاحظة تأثر عمار أبوبكر كفنان تشكيلى بالبيئة الجنوبية حيث يقيم فى الأقصر بحكم العمل، لكن هناك هاجسا آخر ظل يلاحقه حتى اليوم، ويقول شارحا: «فى العام 2005 أسسنا جمعية المحروسة لرعاية التراث والفنون المعاصرة، وكنا نهدف وقتها إلى تسجيل ما حولنا فى مجتمع الجنوب بكل وسيلة نجيدها، وفى الأقصر الأجواء مختلفة تماما عن الحالة الفنية فى القاهرة، حيث النزعة التجارية، والمحصلة أننا لا نصل للجمهور». بهذا الوعى فى التفاعل مع المجتمع، التحم عمار أبو بكر مع أجواء الثورة، وحسب عبارته فهو «ليس ناشطا سياسيا». لكن ذلك لم يمنعه من التواجد فى يومى 25، 26 يناير الماضيين مع بدء أحداث الثورة، وبعدها عاد إلى الأقصر، حيث يعمل، ويكمل قائلا: «كانت اللجان الشعبية فى الأقصر تقوم بدورها فى حماية المنشآت والآثار، لكن الشائعات كانت تنتشر بقوة، ولم تكن هناك أى وسيلة سوى الجرافيتى، وفى فترة حكم المحافظ سمير فرج كانت تتم ازالة الرسومات بشكل متتال، وبعد أن أنهكت قواى عدت إلى القاهرة بعد موقعة الجمل بيومين».
منذ تلك التجربة أصبحت رسوماته على الجدران أكثر ارتباطا بالحدث وأكثر قربا إلى الجماهير خارج صالات العرض، وفى حالات كثيرة كان الهدف هو تشجيع الناس على المشاركة، أشهرها جرافيتى: «انزل الشارع». وفى 28 أكتوبر الماضى كانت هناك فرصة أكبر للتعاون مع فنانين آخرين فى فعالية يوم الجرافيتى والرسم على الجدران تضامنا مع على الحلبى ناشط 6 أبريل.
تختلف نظرة عمار أبو بكر إلى طريقة توصيل رسالته باختلاف الجمهور المستهدف، ويوضح ذلك قائلا: «حين رسمت أمام مجلس الوزراء فى الاعتصام الأخير، كنت أعلم أن رسالتى مزدوجة، إذ كانت الرسالة الأولى إلى المعتصمين فى مشاهدتهم لرسم الطبيب أحمد حرارة الذى فقد بصره فى أحداث الثورة، واخترت أن ألبسه قناعا للغاز فى إشارة إلى أنه عائد مرة أخرى إلى مكانه، وكأنها رسالة طمأنة للثوار، أما الرسالة الثانية فكانت إلى جنود الأمن وكاميرات المراقبة هناك، إذ تكفيهم رؤية جرافيتى: عايزين عينك يا مشير، حتى تصلهم الرسالة. أما فى الصعيد فيتبع أبو بكر وسائل أخرى لإيصال رسالته، كأن ينقل أشعار الأبنودى فى قصيدة «لسه النظام ماسقطش» متوقعا انعكاساتها على المارة، يعلق قائلا: «رجل له حضور مثل الأبنودى من المؤكد أن كلماته سيكون لها مصداقية أكبر.. وهذا هو الهدف أن تصل معانى الثورة».
فى زحام الشوارع لم يفقد أبو بكر حس المحاضر الأكاديمى الذى استغله فى ورشة تدريبية على رسم الجرافيتى تبناها حزب التحالف الشعبى بالقاهرة، ونزل مع الدارسين فى الورشة كى يرسموا معا فى الشارع. ولم تكن محاضراته مقتصرة على تقنيات فن الشارع فقط، بل عرض جذورا أبعد من ذلك يشرحها قائلا: «كلمة جرافيتى لها أصل لاتينى بمعنى الخدش، أى أننا أمام فنون نتجت من التعامل مع الجدران، وهو ما عشت معه فترة طويلة فى فنون مصر القديمة على الجدران».
فى أعمال المصرى القديم ظهرت مظاهر التمرد فى فترات انتقالية ظهرت فيها خفة ظل الفنان وخروجه على التقاليد، وفى الفن التلقائى المتصل برسوم الحج حديثا لاحظ أبوبكر هذا الحس فى رسم راقصة على جدار يحمل صورة الكعبة فى كسر لكل التقاليد أو القيود، ويعلق قائلا: «فن الرسم على الجدران أقدم من كونه ظاهرة جديدة فى حياتنا ظهرت قبل سنوات».