مصادر فلسطينية: صدى الانفجارات والقصف وصل من قطاع غزة إلى جنوب الضفة الغربية    4 أهداف لريبيرو مع الأهلي أمام المحلة .. ماعلاقة الزمالك والمصري؟    رسميًا.. القادسية الكويتي يعلن تعاقده مع كهربا    شيكابالا يتحدث عن.. احتياجات الزمالك.. العودة لدوري الأبطال.. ومركز السعيد    بهاء الخطيب.. ذبحة صدرية أودت بحياة الفنان الشاب    تنسيق جامعة الأزهر 2025.. مؤشرات القبول والحد الأدنى المتوقع لكليات البنين والبنات (موعد ورابط التسجيل)    تنسيق المرحلة الثالثة، الأخطاء الشائعة عند تسجيل الرغبات وتحذير من الرقم السري    الاحتلال الإسرائيلى يقتحم بلدتين بالخليل ومدينة قلقيلية    "وول ستريت جورنال": البنتاجون يمنع أوكرانيا من استخدام الأسلحة بعيدة المدى لضرب العمق الروسي    في 12 مقاطعة ب موسكو.. الدفاع الروسية تُسقط 57 مسيرة أوكرانية    تصل كييف خلال 6 أسابيع.. إدارة ترامب توافق على بيع 3350 صاروخا بعيد المدى ل أوكرانيا    فرنسا تستدعى السفيرة الإيطالية بعد تصريحات نائب رئيس الحكومة الإيطالية ضد ماكرون    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى اندثار بعض الوظائف.. والحل التوجه لمهن جديدة    بينهم مصريون.. بنك HSBC يُغلق حسابات 1000 من أثرياء الشرق الأوسط    عقوبة تزوير الكود التعريفي للمعتمر وفقًا للقانون    الظهور الأول لمودريتش.. ميلان يسقط أمام كريمونيزي في افتتاحية الدوري الإيطالي    فينجادا: حزنت من انتقال زيزو إلى الأهلي.. والكرة المصرية تعاني من عدم الاحترافية    محافظ الإسكندرية يزور مصابي حادث غرق شاطئ أبو تلات بمستشفى العامرية    تفاصيل مصرع طفلة في انهيار سقف منزل قديم بالغربية    خسوف القمر الكلي.. مصر على موعد مع ظاهرة فلكية بارزة في 7 سبتمبر.. فيديو    انقلاب سيارة محملة بالزيت على الطريق الدولي ومحافظ كفر الشيخ يوجه بتأمين الطريق    للحفاظ على عمر البطارية.. نصائح مهمة لمستخدمي هواتف أندرويد وآيفون    وداعًا للبطاريات.. خلايا شمسية جديدة تشغل الأجهزة من إضاءة الغرف    مروة ناجي تتألق في أولى مشاركاتها بمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية    بالصور.. ليلى علوي وأحمد العوضي وإلهام شاهين في الساحل الشمالي    الكاتب سامح فايز يعتذر لصاحب دار عصير الكتب بعد 3 أعوام من الخلافات    شاب بريطاني لم يغمض له جفن منذ عامين- ما القصة؟    وزير الصحة: نضمن تقديم الخدمات الصحية لجميع المقيمين على رض مصر دون تمييز    خلال اشتباكات مع قوات الأمن.. مقتل تاجر مخدرات شديد الخطورة في الأقصر    مصرع طفل وإصابة 2 آخرين في انهيار حائط بسوهاج    مهرجان القلعة.. أحمد جمال يطوي الصفحة الأخيرة للدورة 33 (صور)    في المباراة ال 600 للمدرب.. ويسلي يفتتح مسيرته مع روما بحسم الفوز على بولونيا    قصف مدفعي جديد يستهدف وسط غزة    وزير الإسكان يتابع موقف عدد من المشروعات بمطروح    رسميًا.. موعد المولد النبوي 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة للقطاع العام والخاص والبنوك    برشلونة يقلب تأخره لفوز أمام ليفانتي بالدوري الاسباني    «قولتله نبيع زيزو».. شيكابالا يكشف تفاصيل جلسته مع حسين لبيب    مستثمرون يابانيون: مصر جاذبة للاستثمار ولديها موارد تؤهلها للعالمية    تاليا تامر حسني: التنمّر ليس مزحة.. إنه ألم حقيقي يدمّر الثقة بالنفس (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الانخفاض.. أسعار الذهب اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 محليًا وعالميًا    قلق عن الأحوال المادية.. حظ برج العقرب اليوم 24 أغسطس    لا صحة لوقوع خطأ طبي.. محمود سعد يوضح تطورات الحالة الصحية للفنانة أنغام    وسط ترقب وهتاف.. الجمهور ينتظر تامر حسني بحماس في مهرجان مراسي (صور)    رسميًا الآن بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 24 أغسطس 2025    «المصري اليوم» في جولة داخل أنفاق المرحلة الأولى للخط الرابع ل«المترو»    محافظ شمال سيناء يوجه بتشغيل قسم الغسيل الكلوي للأطفال بمستشفى العريش العام    إحالة المتغيبين في مستشفى الشيخ زويد المركزى إلى التحقيق العاجل    "سلامة قلبك".. مستشفى جديد لعلاج أمراض وجراحة القلب للأطفال مجانًا بالمحلة الكبري    "كنت بشوفهم بيموتوا قدامي".. شهادة ناجية من فاجعة غرق طالبات سوهاج بشاطئ أبو تلات بالإسكندرية    «أوقاف المنيا» تعلن بدء احتفال المولد النبوي غدًا الأحد 24 أغسطس    تعرف على استعدادات تعليم كفر الشيخ للعام الدراسي الجديد    هل يجوز الطلاق على الورق والزواج عرفي للحصول على المعاش؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف تدرب قلبك على الرضا بما قسمه الله لك؟.. يسري جبر يجيب    أوقاف الدقهلية تبدأ اختبارات أفضل الأصوات في تلاوة القرآن الكريم    هل يجوز قراءة القرآن أثناء النوم على السرير؟.. أمين الفتوى يجيب    الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    حصاد الأسبوع    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتحاد الكتاب ونادى القصة يحتفلان بفلول الأنظمة
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 11 - 2011

لأن مصر واسعة، ولأنها متسامحة، ولأنها ذات حضارة، ولأن «النيل ينسى»، كما قال محمود درويش، فهى احتملت بما فيه الكفاية، وعلَّمت أيضا بما فيه الكفاية، واحتضنت كتابا ومبدعين وثوريين، وقائدى حركات تحرر، منذ أواخر القرن التاسع عشر عندما جاءها الشيخ العظيم جمال الدين الأفغانى، وبعده كوكبة الشوام الهاربين من الهيمنة العثمانية، فأسسوا لأشكال حرياتهم هنا وأسسوا صحفا ومجلات، منهم جورجى زيدان ومجلته «الهلال»، ويعقوب صروف ومجلته «المقتطف» وفارس نمر وجريدته «المقطم»، وإلياس زيادة والد الآنسة والكاتبة مى مؤسس «المحروسة»، وفرج أنطون ونقولا حداد وخليل مطران، وعائلة تكلا مؤسسو جريدة الأهرام، ثم الآنسة مى، وبعد ذلك على أحمد باكثير، وغالب هلسا، وعبدالوهاب البياتى، كل هؤلاء أعطوا وأخذوا، وتأثروا وأثروا، حتى الذين مروا وعبروا خفافا، ورحلوا سريعا مثل الشاعر محمود درويش، ترك أثرا إيجابيا بمصر، وتركت أثرا فيه لم ينسه طوال حياته، وكانت مصر الناصرية، هى المائدة العربية التى يجتمع عليها كل الأشقاء، أدباء وساسة وكتاب إبداع، حتى نصل إلى الفترة الحالية التى تزدهر فيها مصر بأسماء لامعة، تشارك بذات القسط الذى يشارك فيها ابناؤها، ولم يحاول أى من هؤلاء الإساءة، أو شراء الذمم، وتحويل الأدباء إلى قطعان مادحة، يصنعون أمجادهم بكلمات ومقالات ومقابلات صحفية وجوائز ومؤسسات.

بعدما كانت مصر تزدهر بإبداعات ومشاركات فكرية وأدبية لكل هؤلاء، أصبحت هدفا لنيل المجد المبنى على زيف وضلال وشراء ذمم، تحت أوهام مسابقات وجوائز يسعى إليها كثيرون، وتسعى إليها أسماء من كل الأطياف، ومن جميع الدرجات، فعرفنا مثلا الشاعر الدكتور عبدالله باشراحيل، ولم ولم نكن نعرف عنه شيئا، وفجأة أصبح الدكتور الشاعر عبدالله باشراحيل صاحب خطوة، ويقيم مؤتمراته وندواته، مرة فى القاهرة، ومرة فى بيروت، ويمنح جائزته لأسماء كبيرة وبراقة، يمنحها لأدونيس، ولعمرو موسى، ولشوقى بزيع، ولنبيل سلمان، وغيرهم، ويؤسس لنفسه مكتبا فى القاهرة، يحج إليه كلما أراد، ويتطاول على الشعراء، ويقول إن محمود درويش ليس شاعرا ولم يحصل على لقب الشاعر إلا عندما تبنته السلطة الفلسطينية، وياسر عرفات، ولولا ياسر عرفات، لما كان لمحمود درويش أى قيامة، وينعت أدونيس بأنه ليس شاعرا إلا فى ديوان واحد، وما عدا ذلك ليس شعرا، بعد أن حصل أدونيس على جائزته، وصمم أحد دواوين الشاعر بخطه، وصال الشاعر باشراحيل فى القاهرة وجال، وكان الدكتور صلاح فضل عراب جائزته، وأحد الذين يروجون لاسم الشاعر وجائزته ومؤسسته هنا، ومازالت للشاعر باشراحيل هنا بقايا، وعلى رأسها جائزة باسمه، ويقام لهذه الجائزة مولد كل عام، ولها أيضا عرابون، ومنافسون ودراويش.

وإذا كان الدكتور عبدالله باشراحيل، وهو رجل أعمال ناجح، ولديه مشاريع فى شتى أنحاء الأرض، يخلو من الأغراض السياسية، أو على الأقل ليس لديه ضلوع قوية فى خرائط السياسة، رغم مشاركته مع الشاعر الإسرائيلى أمارون شبتاى فى إنشاء الشعر فى مهرجان كولومبيا، فهناك آخرون دخلوا سوق الشعر والأدب من نوافذ وأبواب سياسية واسعة، وكما صنعت ظاهرة باشراحيل دراويش وحاملى حقائب ومروجين وإعلاميين، فهؤلاء لم يقلوا ضلوعا عنه فى هذه القنوات، ولكن الغرض كان أخبث وأشرس وأكثر شرا، وأقصد هنا الشاعر اليمنى الدكتور عبدالولى الشميرى، أحد أكبر ضلوع النظام اليمنى الفاشى، وأحد اللاعبين الكبار فى تسويق وترويج أوراق هذا النظام فى مصر، والذى استضافه «اتحاد الكتاب المصرى فى 5 أكتوبر الماضى للاحتفال به، ليتحدث عن الشعر والثورة، وقد استضافه «نادى القصة» أيضا منذ شهور للاحتفاء به، وذلك فى فبراير الماضى، أى فى «عز» تصاعد الثورة المصرية، ونبذها لرموز الديكتاتوريات العربية جميعا، ويبدو أن اتحاد الكتاب المصرى، مازال يمارس دوره فى تدشين مثل هذه الرموز، حتى بعد أن انطفأت أضواؤها، وبعد أن تكسرت مجاديفها، وغرقت سفائنهم فى أمواج التمرد العربى الواسع، مازال اتحاد الكتاب يلعب الدور الردئ تحت أقنعة وغطاءات مفضوحة، مثل الشاعر الدكتور عبدالولى الشميرى سوف يتحدث عن شعر الثورة، أو الشعر والثورة، كيف؟ كيف؟ ومن الممكن أن نضع مليون علامة استفهام حول ذلك، خاصة بعد أن شاعت حول الرجل عدة شبهات، وبعد أن أوقفته السلطات المصرية فى قضايا تهريب كما يقول موقع «شمر برس» اليمنى، (وكان بعد أى شميرى قبل سنوات عدة من أشهر زعماء عصابات التهريب فى محافظة تعز، وكان حينها يلقب ب(الربيح)، وتزعم شبكة كبيرة لتهريب التبغ والسجائر والمشروبات الروحية، والتى كانت تتم عبر شواطئ باب المندب وغيرها هذا إلى جانب نشاطه فى تجارة وتهريب الآثار فى إطار شبكة دولية واسعة، وكانت الأجهزة الأمنية المصرية اتهمت الدكتور الشميرى لاشتراكه فى جرائم تهريب الآثار المصرية، وقد تم اكتشاف الشميرى فى 7 مارس الماضى عندما توجه إلى محافظة أسيوط بالاتفاق مع أستاذ جامعى لشراء قطعة أثرية من محافظة الوادى الجديد بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه ونصف، وكان اللواء أحمد صابر مدير المباحث الجنائية بأسيوط فى حينها، وتورط الشميرى فى تجارة الآثار، وقال المتهمون بإشراف اللواء أحمد جمال مدير أمن أسيوط آنذاك أنهم اتفقوا مع أحد الأطباء لبيع قطع أثرية مقابل مبلغ مالى كبير).. الملف كبير وواسع ومشبوه، وفيه ما فيه من فضائح قتل واغتيال وهجوم مسلح وعندكم مندوب وزارة الإعلام (الجندى) لديه ما يقوله فى شأن الشميرى، الذى كان مندوب اليمن فى الجامعة العربية، ويشغل المقعد الدبلوماسى فيها، ثم أصبح سفيرا لبلاده هنا، وكان دوما كبير مستقبلى ومادحى ومسوفى الرئيس على عبدالله صالح هنا، وفى كل أنحاء العالم العربى، وقد أسس لهذا الغرض ما يسمى بمنتدى المثقف العربى، واستقطب إليه مثقفين كبارا، تحت أقنعة مقددة، أقنعة تزعم أنها ثقافية، لكنها تخفى أغراضا سياسية كريهة، ومن ضمن هذه الأقنعة، أقام هذا المنتدى لقاءات عديدة، وأعطى عناوين براقة تجذب المثقفين والمبدعين، وتحت يدى أوراق إحدى هذه الندوات تحت عنوان: «مواجهة بنى الأصالة والحداثة فى الشعر العربى» ومن المعروف أن الشميرى ليس له علاقة من بعيد أو قريب، بل هو يعاديها وهو أحد الداعمين الكبار لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنه يقيم ندوة تحت هذا العنوان الجذاب، ويستقطب أسماء من طراز إدوارد والخراط وصلاح فضل وعبدالمنعم رمضان، ويضع فى مواجهتهم الراحل كمال نشأت ومحمد التهامى وجابر وقميحة، ويدير اللقاء الناقد عزازى على عزازى، والذى عين كمحافظ للشرقية مؤخرا، وبعد ذلك تقوم المؤسسة بطبع هذه الندوة فى كتيب، يضع الشميرى نفسه فى منتصف الغلاف، وحوله تتلألأ صور هؤلاء جميعا، أى تجارة، وأى تسويق هذا؟!!، ويكتب عراب المنتدى على غلاف الكتاب: «يحوى وقائع مواجهة مثيرة بين تيار الحداثة، وبين تيار الأصالة، عقدت فى اللقاء الرابع لمنتدى المثقف العربى بالقاهرة على متن باخرة السرايا بالزمالك، وتدور حول محاور ثلاثة جوهرية: الأول: لم يعد للأصالة مكان فى زماننا، والعصر عصر الحداثة التى تعلن الثورة على كل شىء قديم لفظا ومعنى.

الثانى: فشلت حركة الحداثة وانفض سامرها وتقبع فى أزمة خانقة من الإحباط والإفلاس، بعد أن عجزت عن إيجاد من يفهم رموزها ويحل طلاسمها فنجحت فى الهدم ولم تنجح فى البناء.

الثالث: الدعوة إلى التعايش السلمى بينهما وقبول كل منهما بوجود الآخر.. تلخيص بائس وتافه وساذج لقضية من أشرس قضايا العصر، وهذا البؤس، وهذه التفاهة لا تأتى اعتباطا، بل يسوقها كاتبها ومنشئوها ليقنعونا بأن القائمين على هذه الندوة والمنتدى ليسوا إلا سلطة توفق راسين فى الحرام، ومن المعروف أن هذه الطرق باءت بفشل عارم، وهو أن السلطة تزعم لنفسها الحياد حتى تهيمن، وحتى تسوغ لنفسها التسلل إلى الحياة الثقافية العربية، وبالطبع لم يكن هذا الملتقى يزدان إلا بكلمات راعية ومنشئة الشميرى ذاته، الذى قال فى مستهل اللقاء كلمات بائسة وهزيلة وقديمة: (سمار هذا الملتقى الزاخر، فى منتدى المثقف العربى الزاخر بمصابيح العلم فى مشكاة الحياة الثقافية المعاصرة لعالمنا العربى الحبيب، الوطنى الذى لم تعرف الدنيا بأسرها فى قاراتها الواسعة تزيل أسماء إلا على ترابه، ولم تحظ أى بقعة سواه فى الأرض بمناجاة الوحى، وإثبات الوعى) وبالطبع لابد أن تقوم التجارة الثقافية على دعائم تستخدم الدين الحنيف والسمح.

ثم يقدم صائغ الكتاب عرض الندوة ببضع كلمات، كأنه يقدم لحفل راقص، فيقول: (لا حديث فى الأوساط الثقافية العربية فى القاهرة، هذه الأيام إلا عن المواجهة الساخنة التى شهدها «منتدى المثقف العربى» الرابع، بين الشعراء والنقاد: محمد التهامى ود. كمال نشأت ود. جابر قميحة من جهة وإداورد الخراط ود. صلاح فضل وعبدالمنعم رمضان وأمجد ريان من جهة ثانية، وهى المواجهة التى كادت تتحول إلى عاصفة ثقافية على نيل القاهرة، بين أنصار الحداثة وحراس الأصالة، وهى تسميات لا ترصد انتقادات بدقة، كما سيتضح من أحاديث «الحداثة والأصالة» ومن السخريات اللاذعة التى لم تخل منها هذه المواجهة الأولى من نوعها).

وكما أسلفنا يفتح الناقد عزازى على عزازى الندوة، ويصف كاتب التقرير هذا الافتتاح ب«هدوء ما قبل العاصفة»، وبالطبع استخدم الناقد مصطلحات من طراز الخروج من السياق وحداثة سلطة العقل والمعرفة والإنتاج المعرفى، كما سالت دماء نيتشيه وفرويد وميتشيل فوكو فى هذه المذبحة النيلية النبيلة، وكان بادئ هذه المذبحة الناقد صلاح فضل بكلمة قال فى مستهلها: (أيها الإخوة طاب مساؤكم فى هذا الملتقى الجميل فى حضن النيل، ولابد أن نشكر راعى هذا الملتقى على حسن اختياره وجميل ثقتكم، وأن نشكركم على حماسكم لحضور هذه الندوة).. وبالطبع لا مجال هنا لعرض الندوة ووقائعها فما حدث فيها يحدث دوما، ولكن ليس بهذا التدشين، الفارق أن هذه الندوة تقوم على قوائم غير نزيهة، وغير خالية من الغرض، وبالطبع كان يحج إلى «المنتدى» مثقفون طامحون وطامعون فى تكريم، لأنه ضمن المغريات حفلات تكريم تتم لبعض أسماء، من الأدباء والأديبات العربيات، على سبيل الجذب والاستقطاب، ولا تحضرنى هنا كل الأسماء، لكننى أحيل الأمر لمن يتذكر غيرى، ومن كان يداوم فى هذه الندوة المخملية التى كانت تقام على عوامة «السرايا»، ندوات العهد البائد، والتى من المفترض ألا يزعم مقيموها أو مرتادوها أو عرابوها أنهم من صانعى التمرد العربى، أو أنهم مشاركون فيه بأى قسط وبأى درجة، عدا الأسماء التى انخدعت، وشعرت بهذه الخديعة، فلم تكرر الذهاب، ولم تكرر المشاركة، وندموا على هذ الزيارة الطارئة.

هناك ملمح آخر لا يفوتنى تسجيله هنا، فكما فعل الشاعر باشراحيل نصح جوقة من الإعلاميين وحاملى حقائبه، ومروجى أخباره، وهم معروفون جيدا، وبالتالى كانت هنا حفنة من نقاد كتبوا عنه، ونوهنا عنهم فى مقال طويل بجريدة القاهرة، كذلك صنع الشميرى، ولقد أصدر ديوانا تحت عنوان: (أوتار) ووجد له نقادا أو كتبة ومروجين، فبعد صدور الديوان مباشرة كتب كثيرون مقالات، ودراسات وخرج علينا كتاب من إعداد ومراجعة هكذا أ. د مجدى مسلم، وأ. د وجدان الصائغ، والكتاب تحت عنوان: «العقيدة وبلاغة الصورة فى ديوان الشميرى» ويدشن معدو هذا الكتاب بمقدمة جاء فلى ذيلها: «إن هذا المنجز النقدى يقف على تأويلات شتى لقصائد الشاعر عبدالولى الشميرى التى تنوعت بتنوع الرؤى واختلاف البنية الثقافية لكتابها، الذين تنوعوا ما بين شاعر وناقد أكاديمى من اليمن وسوريا ومصر والعراق والمغرب وفلسطين، والمرء يتساءل أى شاعر هذا الذى يجتمع على مديحه كل هؤلاء، ومن شتى الأقطار العربية، ولن نعدم فى هذه المقالات أسماء لها بريقها مثل الشاعر أ.د محمد عبدالمنعم خفاجى رئيس رابطة الأدب الحديث، والذى قدم للكتاب قائلا: (إلى شاعر العروبة الأكبر د. عبدالولى الشميرى حفظه الله: هذه الأوتار هى شدو وغناء من شيخ القراء أعزه، وأطال فى حياته وأثرى لديه الشعر والفكر والعروبة والوطن.. أى سمع لا يطرب لسحر هذه الأوتار؟! ولا يهتز لهذه الآيات الساحرات من الأشعار؟)، وهناك دراستان للشاعر الدكتور حسن فتح الباب، الأولى تحت عنوان: «قراءة فى ديوان أوتار للشاعر عبدالولى الشميرى»)، والثانية تحت عنوان: (عبدالولى الشميرى يغنى لفلسطين ويبكى عمداءها).. ونقتبس فقرة بالمناسبة من دراسة طويلة جدا يقول فيها فتح الباب (ختاما نتبين من قراء الديوان «أوتار» للدكتور عبدالولى الشميرى أن شعره يانع أخضر، إذ يصدر من قلب أخضر، وينتمى إلى المدرسة الرومانتيكية التى عرف أصحابها برهافة الحس وخصب المخيلة، وهو عازف مجيد على أوتار الروح، مرة منفردا ومرة أخرى فى سرية، وهذا الديوان إضافة ثرية إلى ديوانه الأول (بوح وهمسات وجدان)، وهناك محتفلون آخرون مصريون وغير مصريين، منهم د. لويز بوليروس، والشاعر الفلسطينى هارون هاشم رشيد، والسورى فؤاد بركات، والشاعرة الشابة هبة عصام الدين، التى كتبت دراسة تحت عنوان: (الحب فى شعر عبدالوالى الشميرى، وأسماء أخرى مثل محمد على عبدالعالى، ونوال الحوار، والمغربى د. إدريس بلمليح وعبدالرحمن الحميدى، وبالطبع كتب معدو ومراجعو الكتاب دراسات مطولة.

هذه عينة مما كان يحدث، فى الحياة الثقافية المصرية والعربية، ويدشن له مبدعون وكتاب مرموقون، ومن المفترض أنه بعد أن (انكشف كل شىء وبان)، أن تتنصل بعض الأسماء والجهات من مثل هذا التدشين، لكننا نتفاجأ باتحاد الكتاب مازال يعيش هناك، ويؤدى دوره الخالد فى التكريس لما قبل العاصفة، زاعما أن الشاعر تاب ورجع إلى الشعب والثورة، ومن المعروف أن الشاعر من رفاق اللواء على محسن الأحمر، المنسق اليمنى، وليس إلا من أتباعه، لعبة جديدة، ولكنها خائبة، ولكنها وجدت من يدشنها، ويكرسها، ويكتب لها الحياة.. اللهم إنى بلغت، اللهم فاشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.