بعض الكلمات صارت تستخدم فى الأوساط الثقافية بداع وبدون، فأصبحت توضع فى غير مكانها الصحيح، مما أفقدها معناها الحقيقى، فلا تجد مقالا أدبيا لا يتكئ عليها. من هذه المصطلحات كلمتا «البسطاء والمهمشون»، التى بات يوصف بهما من اهتم بهم ومن لم يهتم، عندما تدرك هذه المشكلة، تضبط نفسك باحثا عن كلمة أخرى حتى لا تكون «مرطرطا» أو ببغاء يكرر ما يسمعه، لكنك تكتشف، عندما يأتى الحديث عن الكاتب الكبير خيرى شلبى، أنه لا مفر من هذا الوصف، فهو الأنسب بالنسبة له. فكان العنوان الذى اختاره الشاعر شعبان يوسف للكتاب الذى أعده عن صاحب «الوتد»، عنوانا ملائما تماما: «خيرى شلبى.. فيلسوف الهامش».
الكتاب صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، ووزع مجانا على حضور التأبين الذى أقامه المجلس فى ذكرى الأربعين لرحيل الكاتب، وأداره شعبان يوسف، وضم محاضرتين مهمتين، الأولى مرتجلة لجابر عصفور، والثانية دراسة لحسين حمودة، إضافة إلى عدد من الشهادات المهمة لمحمد إبراهيم طه وأشرف عامر وتغريد الصبان ويوسف القعيد، وشاكر عبد الحميد، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة الذى أعلن عن مؤتمر كبير يعقد فى العام المقبل عبر عدة أيام فى محاولة للإلمام بتجربة خيرى شلبى الإبداعية، فضلا عن نية المجلس فى طبع كتابه المعروف «محاكمة طه حسين».
و«فيلسوف الهامش» عبارة عن دراسة طويلة لشعبان يوسف، وعدد من المقالات غير المعروفة لخيرى شلبى، والتى نشرها «فى المرحلة الأولى من حياته الصحفية، لتدلنا على بعض ملامحه قبل أن يصبح هو المتن نفسه».
وبالعودة لمسألة الهامش التى لا مفر منها فى الحديث عن خيرى شلبى، يرى شعبان يوسف فى دراسته أن الراحل لم: «ينتصر لهؤلاء الهامشيين بصفته واحدا من العاطفين عليهم، والباكين من أجل مآسيهم، لكنه ينتصر لهم بصفته واحدا منهم». مما يشير إلى أن الإهداء الذى صاغه على كتابه «فى المسرح المصرى» لم يكن من فراغ، فنجده يقول: «إلى زوجتى.. التى شاركتنى فى مسيرة الحياة بحلوها.. ومرها».
من أمثلة هذا المر الذى عاشه خيرى شلبى موقف يحكيه شعبان يوسف على لسان الكاتب الكبير، عندما كان ضيفا على فاروق شوشة فى برنامجه المعروف وقتها «أمسية ثقافية»، يقول: «سألنى فاروق عن سر حبى لأدب الرحلات، قلت له إنه كان لى ابن عم يعمل بائعا سريحا كان يحكى لنا عن البلاد التى جال فيها للبيع والشراء، وكنت أشاهد البرنامج فى منزلى مع صديق مثقف، فإذا به يتجاهل كل ما قلته ويهتف بى مستنكرا: كيف تقول إن لى ابن عم يعمل بائعا سريحا؟! هذه فضيحة لك. كدت أنفجر من الغيظ لكننى قلت له: «ماذا لو عرفت أننى كنت هذا البائع السريح؟.»
والمرارة هنا لها وجهان، الأول هو الحياة الشاقة التى عاشها الرجل، والثانى هو تلقى البعض لهذا الشقاء على إنه عيب، إضافة بالطبع إلى شعوره بالتجاهل من قبل القائمين على الثقافة والنقد المؤثر إلى ما بعد الخمسين من عمره.
تبقى الإشارة إلى النقطة التى أثارت الجدل، وهى اعتراض البعض على مشاركة عصفور فى الندوة. الشاعر عبد المنعم رمضان هاجم دعوة عصفور فى تصريح لموقع اليوم السابع، قائلا: «عصفور الذى كان وزيرا على جثث الشهداء لا يزال الدكتور عماد أبوغازى يصر على استمرار وجوده فى الحياة الثقافية بإشراكه فى كل الأنشطة، وهو ما يؤكد لنا أيضا أن النخب الثقافية التى ترعى مصالحها وإلا كان يجب أن تمنع هذا الرجل من المشاركة فى أى نشاط ولكنها توافق على مشاركته حفاظا على مصالحها». لكن هذا، لم يمنع عددا كبيرا من الحضور عن الإشادة بالكلمة التى ألقاها عصفور، والتى ألم فيها بتطور العملية الإبداعية عند خيرى شلبى معيبا على التابوهات النقدية، التى تعتمد على الدراسات دون تأمل أو محاولات فى التجديد.