دوما ما يكون بصراعات السياسة والرأى العام الكثير من غياب النزاهة والمحاولات المنظمة للاغتيال المعنوى والمزايدات. والأمر هذا لا يقتصر على المجتمعات التى لم تختبر التعددية السياسية والإعلامية لفترة طويلة، بل يطال مجتمعات ديمقراطية استقرت بها التعددية فى مختلف مجالات الحياة العامة. إلا أن الخطير فى حالة مصر هو الكيفية التى يؤثر بها النشر واسع النطاق لأكاذيب وشائعات وجهالات عن سياسيين ونشطاء عبر برامج تليفزيونية ومواقع إلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعى على آراء المواطنات والمواطنين وقناعاتهم. الخطير أيضا هو أن انتشار وتأثير المصادر الإعلامية الأكثر انضباطا ونزاهة، وهى فى المجمل الصحافة الجادة وبعض المواقع الإلكترونية والقليل من البرامج التليفزيونية، أضعف بدرجات من محترفى التشويه.
وقد كنت ومازلت من المقتنعين بأن السبيل الأفضل لمواجهة الجهالات هذه هو التمسك بالمعلومة الأمينة وبموضوعية الطرح وبآداب مخاطبة الناس وبالجرأة فى الحق دون مواربة كى يحدث الفرز المطلوب بين «بضاعة السوء» وبين التعامل بنزاهة مع الرأى العام. إلا أن خطورة ما آل إليه الحال فى مصر من تشويه متعمد لكثيرين يذكر بما قام به إعلام مبارك مع نشطاء حركة كفاية وأيمن نور ومحمد البرادعى ومن تداعيات كارثية على من يشوه تصل لحد وضع سلامتهم الشخصية على المحك، تدفعنى اليوم إلى الدعوة لحملة علنية لوضع مروجى الأكاذيب والشائعات عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى فى دائرة سوداء تقاطع وتستبعد شعبيا بالامتناع عن متابعة أو قراءة بضاعتهم السيئة دون احتياج لأدوات المنع والحظر القانونية.
الدائرة السوداء، واقتبس فكرتها هنا من حملة بعض شبكات النشطاء والحركات الشبابية مثل 6 أبريل لوضع مرشحى الحزب الوطنى المنحل فى الانتخابات البرلمانية القادمة فى دائرة سوداء، هدفها حماية الرأى العام ورفع مستوى النزاهة بالإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى وتمكيننا جميعا من التركيز على القضايا والأزمات الحقيقية فى مصر دون إضاعة للجهد والوقت فى مواجهة تشويه وجهالات ومساعدتنا جميعا على تعلم الاختلاف بنزاهة وموضوعية. ولست فى حرج من أن أبدأ الدائرة السوداء بمروجى الكثير من الأكاذيب والشائعات عنى فى سياق حملات منظمة طوال الأشهر الماضية باتت تشغل حيزا فى الرأى العام يصعب تجاهله. وسأنشر أسماء هؤلاء، وأسماء أخرى دأبت على تشويه شخصيات وطنية أجل لها كل الاحترام والتقدير لعملها طوال الأعوام الماضية كمحمد أبوالغار وعبدالجليل مصطفى وجورج إسحق وغيرهم، على شبكات التواصل الاجتماعى كى يعرفهم المصريون ويبتعدوا عن بضاعتهم السيئة والفاسدة إن أرادوا.
لست بمبالغ فى خطورة الأمر ولست براغب فقط فى الدفاع عن نفسى. عندما يقف شاب فى ندوة الخميس الماضى بالقليوبية ويرمينى بالكفر لأنه قرأ أننى وغيرى من «الليبراليين» نحل بيع الخمور ولعب القمار (من نحن لكى نقوم بهذا!) وتبدو ملامح وجهه قادرة على القتل بدم بارد، فلا مبالغة على الإطلاق. عندما أطالع على الفيسبوك وتويتر صباح مساء ترويجا لأكاذيب أننى ماسونى وبهائى وضالع فى مؤامرة للصهيونية العالمية (مع البرادعى وإسحق ووائل غنيم وغيرهم) وينشر هذا الهراء بعد كل رأى لى عما يحدث فى مصر اليوم، فلا مبالغة على الإطلاق. عندما أقرأ أكاذيب أننى كنت أدافع عن نظام مبارك وفى الحزب الوطنى وصديق لجمال مبارك قبل الثورة رغم سجلى المعروف بمعارضتى الشديدة والعلنية فى كتاباتى البحثية والصحفية طوال السنين الماضية للاستبداد والتوريث (وفى هذه الجريدة أيضا) ومنعى لأكثر من عام من العودة لمصر فى 2007 و 2008 بسبب كتاباتى ومداخلاتى الإعلامية، فلا مبالغة على الإطلاق. عندما يساء استخدام التمييز الأكاديمى بين حالة مصر وحالة تونس قبل الثورات الديمقراطية (على مستويات الفساد الذى كان أكثر عمقا فى تونس عن مصر وحرية التعبير عن الرأى التى توفرت بقدر فى مصر وغابت عن تونس تماما) ويزايد على بمراهقة سياسية لوضعى فى خانة مبررى الاستبداد، فلا مبالغة على الإطلاق.
دائرة سوداء للمقاطعة الشعبية لمروجى الأكاذيب والجهالات فى الإعلام وعبر شبكات التواصل الاجتماعى أبدأها وأتمنى أن تتسع وتفعل كى نصل لمساحة عامة تدار اختلافاتها ونقاشاتها بنزاهة وموضوعية.