مارا بطرق وشوارع مدينة اسطنبول التاريخية، اتجهت السيارة التى تقل وفدا من الصحفيين المصريين عصر أمس إلى حيث المقر الرئاسى لرئيس الجمهورية التركية عبدالله جول فى أسطنبول. لم يكن فى حسبان وفد الصحفيين وعددهم 11 صحفيا جاءوا فى زيارة قصيرة لتركيا بدعوة من المؤسسة العامة للصحافة والنشر التركية أن يلتقوا الرئيس؛ فجدول زيارة الوفد المزدحم بالمقابلات، مع مسئولين حكوميين ومؤسسات صحفية تركية، لم يكن على قائمته لقاء جول، لكن الخبر وقع على مسامع الجميع بحفاوة وترحاب شديدين، لا لكون الزيارة مادة صحفية خصبة فى هذه الظروف التى تمر بالمنطقة على خلفية أزمتها المتصاعدة مع تل أبيب، ودور تركيا أيضا كطرف فاعل فى المعادلة الإقليمية، لكن أيضا لمشاعر الاعتزاز والتقدير التى يحملها الجميع لرئيس ودولة طالما نظرنا إليها «كنموذج لتجربة ملهمة» فى تحقيق التقدم الاقتصادى والتحول الديمقراطى الذى سيشهد قفزة نوعية مع وضع دستور «مدنى» ديمقراطى جديد فى الشهور القليلة المقبلة سيتم فيه تقليص دور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية. فى الطريق تبادل وفد الصحفيين أطراف الحديث، حول الزيارة: كم ستكون مدتها، محاور اللقاء والأسئلة، التأكيد على ضرورة التقاط صور مع الرئيس؛ جميعها موضوعات كانت حاضرة، ويقطعها بين الحين والآخر مناقشات جادة حول الدور التركى فى المنطقة وعقد المقارنات بين النموذجين المصرى والتركى، دون أن يخلو الأمر من لمحات من هنا أو هناك. على طول الطريق ومع الاقتراب من القصر الرئاسى، تمتد المساحات الخضراء الشاسعة، لتكسو جبال وشوارع مدينة اسطنبول التى حباها الله بجمال الطبيعة، كما تنتشر فى الأفق القريب مآذن وقبب المساجد، وفى خلفية المشهد يأتى بحر البسفور الذى يصل بين بحر إيجه والبحر الأسود. حين وصلت السيارة التى قطعت مسافة ساعة، توقفت لدقائق معدودة عند مدخل القصر، للتأكد من هوية الصحفيين، والقيام بإجراءات أمنية لم نشعر بها حيث لم تستغرق 10 دقائق، فضلا عن عدد قليل من طاقم الحراسة والأمن، ثم اتجهنا للداخل حيث غرفة اجتماعات بسيطة، استقبلنا فيها كبير مستشارى الرئيس التركى الذى يتحدث العربية بطلاقة وبلاغة فى آن واحد، ومعه 3 من مستشارى الرئيس. الجميع يترقب وصول الرئيس ويهمهم متى سيأتى؟ فتأتى الإجابة أنه على موعد مع افتتاح «السنة العدلية (القضائية)، ولارتباطه بموعد مع الوفد، حرص جول على أن يستقل طائرة هليكوبتر خاصة (صناعة تركية) من أنقرة إلى اسطنبول. ومع قدومه انتقلنا إلى قاعة أخرى أكثر فخامة تتوسطها طاولة وضع عليها سجادة يدوية منقوش عليها رسومات وزخارف إسلامية، هذا الطابع الإسلامى لا تخطئه العين أيضا فى تصميم نوافذ القاعة، لكن فى الوقت نفسه علقت صورة من الحجم الكبير لكمال الدين أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية العلمانية خلف مقعد رئيس الجمهورية. وقف الرئيس لاستقبالنا بابتسامته المعهودة مرددا باللغة العربية عبارات مرحبا وأهلا، ثم امتد الحوار لنحو 40 دقيقة لم يحددها الرئيس أو مستشاريه بل لظروف اللحاق بموعد الطائرة التى ستقل وفد الصحفيين إلى أنقرة لاستكمال برنامجهم. وعلى عكس ما بدا فى استقبال جول، وهو مؤسس لحزب العدالة والتنمية الحاكم وعده البعض مؤسسا للجمهورية التركية الثانية، من تواضع شديد وبساطة وإنسانية شهد بها الجميع، تنوعت لهجة الرئيس التركى فاتجهت للحدة حين يتطرق فى الحوار إلى إسرائيل التى أمطرها بالهجوم فهى على حد تعبيره ك«ولد شقى فى المنطقة»، وتعزف «خارج المنظومة الدولية». فى المقابل تنخفض حدة الصوت وتتغير ملامح الوجه حين الحديث عن الثورة المصرية واستحقاقات المرحلة والتطرق لأمانيه أن تصبح مصر قوية وممانعة، ووعوده بفتح أفق التعاون الاستراتيجى بين بلاده والقاهرة، ثم يتطرق الحديث عن الثورة الليبية، ليتساءل بسخرية عن سبب إطالة عمر النظام الليبى إلى هذا الحد، وحذر من الاستجابة البطيئة للنظام السورى للأصوات التى تنادى بالإصلاح، والتى قد تؤدى إلى تكرار بالبلاد ما حدث لدول أخرى فى المنطقة، وأجبر فيها الرئيس على التنحى أو الهروب خارج البلاد. ولم يتعمد جول الرئيس الحادى عشر للجمهورية التركية كباقى السياسيين إخفاء صفاته الشخصية والإنسانية خلال الحوار، كما يلاحظ أنه مع خلفيته الإسلامية، فإنه من المتحمسين بقوة لعضوية بلاده فى الاتحاد الأوروبي، بل ينظر إليه فى الغرب وداخل تركيا ك «إسلام معتدل وإصلاحى». وانتهى حوار جول بالوفد المصرى بالتقاط الصور التذكارية مع الصحفيين ودعوات بالوصول «بالسلامة» للقاهرة. وقبل مغادرة القصر الرئاسى، حرص كبير مستشاريه على مرافقة الوفد الصحفى حتى باب الخروج من القصر، مرددا: «سلموا على مصر وأهلنا فى مصر»، ليأتيه الرد بدعوات وأمانى الصحفيين: «سننتظركم فى مصر الجديدة قريبا».