اختلف رأى الخبراء حول الزيادة المنتظرة، التى أعلنت عنها الحكومة منذ أيام، فى أسعار الطاقة الموجهة للصناعات كثيفة الاستهلاك، فبينما رأى البعض أنها يمكن أن توفر أموالا معقولة للموازنة العامة دون الضغط على المستثمرين، فى وقت تفتقد فيه الدولة إلى كثير من الموارد، خاصة أنه كان من المفترض القيام بهذه الخطوة فى وقت سابق، فإن آخرين اعتبروا التوقيت غير مناسب لتطبيق مثل هذا القرار، مع الضغوط والتحديات التى يواجهها المستثمرون حاليا. من جانبه، يقدر أحمد النجار، رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن تطبيق هذا القرار على شركات الأسمنت والأسمدة والحديد والسيراميك، كثيفة استهلاك الطاقة، من شأنه توفير نحو 20 مليار جنيه للموازنة العامة، حيث إن أقل سعر للغاز عالميا لا يقل عن 9 دولارات للمليون وحدة حرارية، فى حين أن سعر الغاز المصرى الذى تحصل عليه كل المصانع لا يزيد على 3 دولارات. «هذه الأموال يمكن أن تمول جزءا كبيرا من متطلبات رفع الحد الأدنى للأجور، وتغير نظام الأجور بشكل كلى»، بحسب النجار، معتبرا أنه «ليس من العدل أن تستمر الدولة فى دعم أصحاب هذه الشركات، فى الوقت الذى تبيع فيه هذه الشركات منتجاتها بالأسعار العالمية». بل إن بعض القطاعات كالأسمنت التى يمتلك الأجانب الغالبية الساحقة من شركاته تزيد أسعارها على الأسعار العالمية، على الرغم من أن تكلفة أجور العاملين فى هذه الشركات أقل بالكثير من الحد الأدنى للأجور الذى يطالب به المجتمع، ولن يتم تطبيقه فى الوقت الراهن، وهو ال1200 جنيه، وهو ما يعنى أن هذا الدعم يذهب فى صورة أرباح فى جيوب أصحاب الشركات، التى تحقق أرباحا طائلة، تشهد عليها معدلات النمو فى الأرباح السنوية التى تحققها تلك الشركات. ويستحوذ دعم المواد البترولية على نسبة كبيرة فى ميزانية الدولة، تزداد عاما بعد آخر، حيث ارتفعت تكلفة الدعم من 40.1 مليار فى العام المالى 2006/2007، إلى 60.3 مليار فى 2007/2008، ثم إلى 67.7 فى موازنة العام المالى المنتهى فى يونيو الماضي. ويختلف عبد الله شحاتة، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مع النجار، حيث يرى أن التوقيت الحالى غير مناسب لتطبيق مثل هذا القرار، حيث تشهد السوق حالة من التباطؤ أشبه بالركود فى تصريف منتجات الكثير من الشركات، ومن ضمنها مواد البناء، متوقعا أن يؤثر هذا القرار سلبا على المواطنين، «من المؤكد أن ينعكس هذا الأمر على سعر المنتج النهائى الذى يشتريه المستهلك». واعتبر شحاتة أن اتخاذ القرار فى مثل هذا التوقيت يأتى استجابة لمطلب الشارع أكثر منه قرار اقتصادى، «الدولة تريد توفير موارد لتلبية الالتزامات المطلوبة منها مثل تمويل رفع الحد الأدنى للأجور». وبالطبع يختلف مع القرار الممثلين عن هذه الشركات، حيث يقول أحد كبار القيادات التنفيذية بشركة لافارج للأسمنت إن تكلفة الطاقة فى الوقت الراهن تمثل نسبة كبيرة من تكلفة المنتج النهائى، و«أى زيادة فى سعر الطاقة حاليا ستمثل ضغطا كبيرا على أصحاب الشركات، فى الوقت الذى يواجهون فيه صعوبة فى تصريف منتجاتهم»، بحسب قوله. وينتقد المسئول، الذى طلب عدم نشر اسمه، أن يقتصر تطبيق الزيادة فى أسعار الطاقة لتصل للسعر العالمى على الصناعات كثيفة الاستهلاك دون الصناعات التى تصدر إنتاجها للخارج، حتى وإن كانت غير كثيفة الاستخدام، حيث إن المستفيد فى النهاية من الدعم الذى تحصل عليه هذه الشركات المستهلك الأجنبى الذى تصدر إليه هذه الشركات إنتاجها، ولا يستفيد به المواطن المصرى. وعلى الرغم من الجدل المحتدم حول مدى عدالة هذه القضية، فهناك أمر يجب أن يتم حسمه قبل أن تتخذ الدولة قرارها برفع الأسعار، فيما يتعلق بقطاع الأسمدة، حيث إن شركة الدلتا للأسمدة، وهى شركة تابعة للقطاع العام، ويمثل إنتاجها 65% من إنتاج الأسمدة فى السوق، تعد الشركة الوحيدة فى السوق التى لا ينطبق عليها نظام اقتصاد السوق الحر حيث تفرض عليها الدولة سعر البيع، نظرا لحساسية القطاع الذى تعمل به، وبالتالى فإن إمكانية أن تتجه الشركة إلى زيادة أسعار منتجاتها النهائية غير وارد، «الشركة حُملت بأعباء إضافية بعد الثورة لتلبية مطالب العاملين فيها، وقامت برفع الحوافز، والعلاوات، وارتفعت بالتالى مصروفات الشركة، وهو ما أدى إلى تقليص النمو فى الأرباح المتوقع تحقيقه فى نهاية العام إلى نحو 10%» يقول على غنيم، رئيس شركة الدلتا للأسمدة. كانت الحكومة قد بدأت فى رفع هذا الدعم عن تلك الشركات منذ مايو 2008، وهو ما عرف حينها بقرارات مايو، حيث ارتفع سعر الغاز من 1.75 دولار إلى 3 دولارات، لكنها أرجأت الاستمرار فى تنفيذ هذه الخطة مع ظهور الأزمة المالية العالمية، لكن يبدو أن أزمة نقص موارد الدولة فى الوقت الحالى دفع الحكومة إلى الإعلان عن نيتها الاستمرار فى تنفيذ هذه الخطة.