ما أن سقط نظام الرئيس السابق حسنى مبارك حتى ظهرت التيارات الإسلامية (الإخوان المسلمون والسلفيون بل وحتى المتصوفة) لتطلب «تحكيم شرع الله». ولا يقف الخلاف السياسى والفكرى حول «حكم الله»، بين التيارات الدينية فقط، بل يتعداه إلى خلاف جذرى بينهم وبين خصومهم العلمانيين». ومن بين الأدبيات الكثيرة المنشورة حول مصطلح «شرع الله»، كتاب «فى الفقه السياسى الإسلامى.» للباحث الإسلامى فريد عبدالخالق. ويمتاز هذا الكتاب الصادر عن دار الشروق (2007)، بالتوثيق الدقيق والمتعدد المصادر لمعلوماته مهما بدت صغيرة ودقيقة، وهذا ليس غريبا على باحث ملتزم بمناهج البحث العلمى، حصل على درجة الدكتوراه فى الحقوق بعد أن جاوز التسعين. ويأخذ عبد الخالق أحد رفاق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فى كتابه بمدرسة فقهية منفتحة إذا ما قورنت بمدرسة الإخوان المسلمين وبالطبع السلفيين. ويناقش الكتاب ثلاثة «مبادئ دستورية» كما سماها المؤلف فى عنوانه الفرعى، هى الشورى والعدل والمساواة. ويستأثر «مبدأ» الشورى بنصيب الأسد من الكتاب، نحو 150 صفحة من أصل 250، يتناول فيها مبدأ الشورى ومدى إلزامها، ومن يسمهم أهل الشورى أو «أهل الحل والعقد»، وشروطهم، وأخيرا الحقوق السياسية لغير المسلمين فى الإسلام ودولته. وأول ما يفاجئ القارئ، أن الباحث لا ينكر تأييده لفكرة «الدولة الإسلامية»، إلا أن الكتاب ينحاز لمبدأ «إلزامية الشورى»، رافضا ما ظل يردده إسلاميون كثر حتى يومنا هذا من أن الشورى غير ملزمة للحاكم، مستندين فى ذلك على قوله تعالى «فإذا عزمت فتوكل»، أى أن يقرر الحاكم فى الأمر بمجرد أن يطمئن لرأيه، الذى دائما ما يركن إليه الديكتاتوريون على مر التاريخ. ويرى الشيخ أن هذه الآية تدل على وجوب الشورى، إذ لا يوجد العزم إلى عقب التشاور، مستشهدا بعمل النبى صلى الله عليه وسلم والشيخين (أبوبكر وعمر) من بعده. ويستند فى ذلك لقوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم»، وقوله «وشاورهم فى الأمر»، وهما الآيتان الدالتان على الوجوب بصورة قطعية الدلالة، من وجهة نظره. وينحاز الباحث بوضوح لفكر الإمام محمد عبده، رائد التجديد الدينى وإصلاح الأزهر فى القرن التاسع عشر، وهو صاحب مدرسة ترى أن الدولة فى الإسلام مدنية، يحكم فيها الناس بما يوافق مصالحه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويتساوى فيها الناس «المواطنون» أمام القانون وفى تولى المناصب العامة أيا ما كانت. وهو ما ذهب إليه عبد الخالق فى الجزء الخاص عن «أقباط مصر والحقوق السياسية»، من أن لهم الحق مثلما هو للمسلمين فى تولى جميع المناصب فى الدولة. إلا أن عبدالخالق يرى أن ليس كل الناس مؤهلين لممارسة الشورى، فالشورى لها «أهل» هم «أهل الحل والعقد»، واشترط فيهم شرطين عامين أولهما «علمهم بالمصالح العامة وغيرتهم عليها»، والآخر «العدالة».