تعد قضية الخلط بين الدعوى والسياسى وعدم وجود تمييز واضح بينهما من أكثر الإشكاليات التى تواجه الحركات الإسلامية ذات البعد السياسى والتى تمثل جزءا من المشهد السياسى فى بلادها، فهى من ناحية تعكس قلق معظم الفرقاء السياسيين من احتكار الإسلاميين السياسيين لورقة الدين التى يستطيع صاحبها أن يكتسح المشهد السياسى حتى من دون ميزة استثنائية إلا رفعه الراية الدينية، ومن ناحية أخرى فهى تمثل مصادرة للعمل الإسلامى فى مساراته المختلفة لصالح مسار واحد ربما كان أضعفها وأقلها أهمية وهو المسار السياسى، كما أنه يعرض العمل الإسلامى إلى أن يصبح عرضة للملاحقة والتضييق باعتباره بوابة خلفية يدخل منها الإسلاميون السياسيون إلى الفعل السياسى. برزت تلك الإشكالية جليا فى عدد من التجارب السياسية التى خاضها إسلاميون والتى تميزت بحضور كثيف للدين على مستوى المشاركة أو على مستوى الشعارات التى غلب عليها توظيف الرموز والمعانى الدينية. الجدل النظرى لا ينتهى فى قضية حضور الدين فى السياسة وحول مدى أحقية القوى الإسلامية السياسية فى الإعلان عن هويتها فى المنافسة السياسية، ومن ثم فلن نتعرض له فى هذا المقام وإنما سنستعرض تجربة تبدو مهمة ولها خصوصيتها فى إنجاز نوع من التمييز بين الدعوى والسياسى لدى حركة إسلامية واحدة دخلت بقوة فى العمل السياسى. التجربة من المغرب وتمثلها حركة التوحيد والإصلاح وهى تنظيم دعوى تربوى وذراعها السياسى حزب العدالة والتنمية، وهى الحركة الإسلامية الأوسع انتشارا بين الفصائل الإسلامية التى قبلت بالانخراط فى العملية السياسية بقواعده، تمييزا لها عن جماعة العدل والإحسان الأقوى تنظيميا والأكثر انتشارا لكنها تقاطع النظام السياسى برمته. تأسست الحركة قبل عشر سنوات تقريبا من اندماج عدد من القوى الإسلامية نتيجة مراجعات فكرية ومنهجية خاضتها كل مكوناتها (أهمها: رابطة المستقبل الإسلامى، الإصلاح والتجديد..) والتى حاولت تأسيس قطيعة مع منهج جماعة الشبيبة الإسلامية عقب تورط بعض أعضائها فى العنف فى عقد السبعينيات، وانتهت المراجعات بتبنى خيار المشاركة السلمية، وقد حاولت الحركة الجديدة تأسيس إطارها، حزبها السياسى الخاص بها فتقدمت بطلب لتأسيس حزب التجديد الوطنى رفضته السلطة، فاتجهت الحركة لتفاهم تاريخى مع الدكتور عبدالكريم الخطيب زعيم حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سنة 1996 صار بموجبه إطارها السياسى بعد أن عملت على إعادة هيكلته. وفى سنة 1998 ستتجه الحركة إلى السعى لبلورة تصور واضح فى العلاقة مع الحزب، خاصة بعد النجاح فى المشاركات الانتخابية، وهنا سيظهر بقوة اتجاه واضح عند قياديى الحركة إلى اعتبار أن الوظائف الأساسية للحركة هى الدعوة والتربية والتكوين، وأن الحزب هو تنظيم سياسى يهتم بتسيير الشأن العام.