ليست فقط الحدود الشمالية لكينيا هى التى تعانى خطر الجفاف والمجاعة التى بدأت تجتاح منطقة القرن الأفريقى، لكن برغم مظهرها الحضارى والمتقدم، باتت نيروبى، العاصمة الاقتصادية والسياسية لأكبر دولة فى شرق أفريقيا تعانى من مظاهر وتداعيات الجفاف وانتشار المجاعة، خاصة بين سكان أحيائها الفقيرة الذين أصبحوا أكثر المتأثرين بالجفاف الذى لحق بالبلاد. بين البنايات الفارهة التى تنتشر بالعاصمة.. وأمام محال «النيكومات» التجارية الضخمة (هايبر ماركت) ينتشر المتسولون الصوماليون، وأهالى الأحياء الفقيرة ينتظرون «عشرة شلنات» لشراء قطعة من خبز «الشباطى» المصنوع من دقيق الموز المطحون، أو شراء قطعة من ثمار الفاكهة التى تباع كأجزاء صغيرة فى شوارع نيروبى. «الوضع على الحدود أكثر مأساوية.. لكن هنا يمكن أن أجد الطعام والمياه حتى لو لم يكن يكفى»، هكذا تقول إحدى الصوماليات ل«الشروق» التى تؤكد أن حال جميع الصوماليين سواء المقيمون فى كينيا منذ فترة طويلة، أو اللاجئون الجدد لم يكن أفضل حالا من أفقر مواطن كينى، «الشاغل الرئيسى لنا هو البحث عن الطعام ليس أى شىء آخر». تفاوت المستوى الاقتصادى بفارق ضخم فى وقت تعانى فيه جميع أنحاء البلاد من الجفاف يهدد بالإرهاب، يؤكد ديفيد كونجولا، مواطن كينى، متوقعا ارتفاع معدلات الجريمة بشكل أكبر فى الوقت الذى تحاول فيه الحكومة تحصيل ما تستطيع من ضرائب لحل مشكلة الجفاف.. نجد المئات يعيشون فى رفاهية مطلقة.. حتى يمكن أن تتغذى الأحياء الفقيرة فى العاصمة على فضلات طعامهم. الجفاف يضرب كيبارا على بعد 10 كيلومترات من نيروبى.. وفى طريق ممهد يقطعه عدد من الأوناش الصينية الضخمة التى تنفذ مشروعات البنية التحتية وبناء الكبارى.. تنتشر الآلاف من البيوت المصنوعة من الصفيح البالى.. «هنا كيبارا» لائحة جدارية كبيرة على مدخل الحى الفقير.. يكتظ حولها المئات من المواطنين الكينيين فى السوق القديمة المحلقة بالحى. «منتجات بالية.. وبقايا طعام»، هى السلع المعروضة فى سوق كيبارا وبأسعار متفاوتة لم يستطع سكان الحى توفيرها لتنتشر السرقة فى أنحاء السوق بشكل كبير.. «حتى لقمة الخبز معرضة للسرقة هنا»، يقول بكر، أحد الباعة. فى حجرة صغيرة من الخشب والصفيح البالى من شدة الأمطار تقف ايستر كيارى بجوار لافتة مكتوب عليها بالإنجليزية «صيدلية».. لكنها شبه خالية من أى دواء حقيقى لمعالجة الأمراض البسيطة، تقول ايستر إن أسعار الدواء مرتفعة جدا ولا يستطيع أى شخص فى كيبارا شراء كبسولة واحدة لذلك لدينا وصفات من الأعشاب ونتداوى بالفواكه الاستوائية. يعيش أكثر من 10 آلاف مسلم فى كيبارا تحت خط الفقر.. كيبارا هو الحى الفقير الذى يؤرق سكان المدينة التى يقطنها الأجانب والمستثمرون، لترتفع فيها معدلات الجريمة والسرقة للتفاوت الكبير فى الدخول. «ننتظر المجاعة المؤكدة هنا» تقولها إحدى السيدات التى أكدت أن دخل أى مواطن فى هذا الحى يقل عن نصف دولار فى اليوم، وهو المبلغ الذى لا يمكن أن يوفر مجرد الطعام المرتفع الثمن ولا ثمن الفحم الذى نعيش عليه لانعدام أى وسيلة أخرى للطاقة، والحكومة لديها 3 ملايين جائع على الحدود ولا تنظر إلينا. نداءات الاستغاثة لم تترك الحكومة الكينية أية وسيلة لجمع الأموال والتبرعات إلا وانتهجتها، داخليا.. بدأت شبكات المحمول الأربع فى كينيا بإرسال رسائل نصية محتواها «اتبرع بأى شلن لإنقاذ وطنك من خطر الجفاف والمجاعة» تلك الرسالة التى انتشرت بين أغلب الكينيين، لكنها قد لا تلقى قبولا إلا عند شريحة اجتماعية صغيرة جدا قد تكون القادرة على التبرع لأنها تتمتع بكل إمكانيات الحياة الكريمة. فى حديقة الحرية «أوهورو بارك»، بوسط نيروبى، تنتشر إعلانات المجلس المحلى لمدينة نيروبى لحث المواطنين على التبرع فى أرقام حسابات وضعت على لوحات جدارية فى أنحاء الحديقة التى يتردد عليها أغلب الكينيين بعد انقضاء وقت العمل. كما تناقل التليفزيون الرسمى الكينى عددا من الاستغاثات من خلال نشر صور المجاعة وحث المواطنين على التبرع بجزء من رواتبهم لإنقاذ البلاد من أى آثار قد تترتب على انتشار المجاعة. «تلقيت رسالة على هاتفى ولكنى مازلت أفكر فى كيفية توصيل المساعدات.. فلم نجد حتى الآن مخصصات مالية من خزانة الحكومة تذهب إلى المتضررين داخل البلاد أو على الحدود.. الفقر ينتشر بقوة فى العاصمة.. والشعب جائع فى محافظات الحدود الشمالية.. فكيف نثق فى الحكومة التى فرضت علينا أيضا ضرائب إضافية دون عائد» حسب أحد المواطنين الكينيين. وتحاول الحكومة الكينية الآن تطبيق نوع من سياسات التقشف لعدم كفاية الموارد، فبدأت سلطات المجلس المحلى لمدينة نيروبى فى قطع الكهرباء بالتناوب بين الأحياء الغنية والمتوسطة، وفرضت نوعا من الضرائب على مبيعات الأسواق والمحال التجارية من السلع الترفيهية. استجابات خارجية فى رسالة رسمية توجهت بها وزارة الخارجية الكينية إلى جميع سفارات الدول الأجنبية فى العاصمة نيروبى، طلبت الحكومة الكينية المساعدة والإغاثة لإنقاذ شعبها من خطر الجفاف والمجاعة، موجهة طلبا إلى دول وشعوب العالم لإمدادها بأى نوع من المساعدات النقدية أو العينية وبأى طريقة ترتضيها لتوصيل هذه المساعدات إلى مستحقيها. «الشروق» التقت عددا من السفراء فى نيروبى الذين أكدوا قبول حكوماتهم مساعدة الشعب الكينى والصومالى وإنقاذه من الجفاف ليست بمساعدات نقدية أو عينية ولكن بخطط طويلة المدى لتحقيق التنمية لهذا الشعب. السفيرة الألمانية فى نيروبى، مارجريت هيلويج بوياتى، قالت ل«الشروق»، إن السفارة تلقت طلب الحكومة الكينية بكل ترحيب وبدأنا فى عمل برامج مساعدات ثنائية مباشرة بين الحكومة الكينية والألمانية وصلت إلى 31 مليون دولار ليس فقط لخدمة المتضررين الكينيين ولكن لتخصيص جزء منها إلى اللاجئين الصوماليين على الحدود الكينية. وتضيف مارجريت أن ألمانيا خصصت أيضا ما يقرب من 30 مليون دولار من ميزانيتها لتضخ إلى كينيا عبر برامج المساعدات الإنسانية التى تقدمها الأممالمتحدة لتصل إجمالى ما شاركت به ألمانيا إلى 61 مليون دولار، من خلال مساعدات إنسانية وطبية وغذائية. وحذرت مارجريت من الأخطار المحتملة للاجئين الصوماليين، خاصة من حركة شباب المجاهدين التى لم يقتصر خطرها على الفقر والمجاعة فقط ولكن زيادة معدلات الجريمة والإرهاب قد توثر على دول الجوار الأفريقى، لذلك اقترحت على الحكومة الكينية البدء فى برامج طويلة الأجل لوضع حد لهذه المشكلة واتخاذ قرار سيادى بشأن حماية الحدود. تؤكد مارجريت أن القضية ليست فقط جمع المال من المانحين والدول الغنية ولكن الأهم هو كيفية وصول هذه المساعدات لمتضررين لضمان المساهمة فى إصلاح الأحوال، لذلك لابد أن توفر الحكومة الكينية ضمانات قوية لوصول هذه المساعدات إلى مستحقيها وأن تساعد فى حل الأزمة من خلال خطط وقرارات استراتيجية كالتفاوض مع حركة شباب المجاهدين فى الصومال لتوصيل هذه المساعدات وليس فقط جمع المساعدات المالية. وتضيف أن هناك خططا لتشجيع الاستثمار الخاص فى كينيا خاصة فى مجال الزراعة للوصول إلى مستوى مناسب من الأمن الغذائى واستغلال موارد الدولة الطبيعية لخدمة شعبها، وهو ما يجب أن يركز عليه القادة الأفارقة لتنفيذ مشروعات تنموية وترك الصراعات السياسية التى أجاعت شعوبهم. وعربيا أكد السفير المغربى فى كينيا، عبدالله بن راجانى، أن عددا من الدول العربية تلقت نداءات الحكومة الكينية، والآن تدرس المغرب فى إطار التعاون مع دول جنوب وشرق أفريقيا دعم ومساعدة كينيا وإنقاذ شعبها من خطر المجاعة، والآن فإن الحكومة المغربية بصدد إرسال هذه المساعدات من خلال برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة، ومن خلال الجامعة العربية، مؤكدا عدم تخلى المغرب عن أى شعب أفريقى شقيق. ولم يحدد بن راجانى نوعية المساعدات أو حجمها بعد ولكن لاتزال الحكومات العربية تدرس كيفية المساعدة بعد مرور أكثر من شهر على نداءات الحكومة الكينية التى تطلقها فى أى مناسبة رسمية أو غير رسمية. وقال السفير الكوبى بكينيا، ريكاردو جاركيا، إن هناك وفدا من فنزويلا يزور حاليا كينيا لدراسة كيفية توصيل المبلغ الذى خصصته كوبا لصالح الشعب الكينى واللاجئين الصوماليين والمقدر ب15 مليون دولار، وهو الآن يتفاوض مع الحكومة ومقار الأممالمتحدة فى كينيا لكيفية توصيل هذه المساعدات المالية.