تدرك الحركة الإسلامية الموريتانية أنه إذا كان للإسلاميين شرعية دينية فى كل البلاد العربية، فإنهم لا ينفردون بها خاصة فى بلد مثل موريتانيا، حيث إن هناك من يقتسم معهم هذه الشرعية وينافسهم فيها بل ويسبقهم بقوة كما هو الحال فى مجتمع الزوايا وطبقة العلماء التقليديين. وفى سياق هذه المنافسة يدرك الإسلاميون الموريتانيون أن تميز حركتهم وسبقها لن يأتى إلا عبر تقديمها نموذجا مدنيا للإسلام عكس ما يقدمه الآخرون.. فاختارت تمدين التدين فى بلادها مشروعا لها تسير فيه ولكن بهدوء حتى لا يتمنع المجتمع مع خطابها. لذلك فهى وإن لم تتراجع أمام النقد، الذى طالها بسبب الشريط الغنائى فإنها لم تفرض فرضا وتركت الخيار لأعضائها وفروعها المحلية فى تبنى الشريط أو تركه دون التخلى عنه. كما تعرف الحركة الإسلامية الموريتانية أنها فى مجتمع متدين أكثر من معظم المجتمعات العربية الأخرى، وأنها لن تضيف جديدا فى مساحة العبادات والأخلاق والعناية بالقرآن والسنة والتراث، ومن ثم فهى حددت مجال إسهامها فى مساحة التمدين وما سمته ترقية الخطاب الإسلامى.. إضافة إلى الحركية التى تعطى للأفكار والقيم الدينية القدرة على الحضور والتأثير فى حياة الناس. ليس لدى الحركة فى موريتانيا مفكرون بالمعنى التقليدى خاصة أنها حركة شابة نسبيا (نشأت فى منتصف السبعينيات) لكن الملاحظ على كتابات وأدبيات رموزها (أشهرهم جميل ولد منصور والمختار الشنقيطى ومحمد غلام ولد الشيخ) هو روح التحديث ومحاولة إحداث تصالح بين الثقافة الدينية والواقع الحديث خاصة إذا ما وضع خطابهم فى سياق المجتمع الموريتانى. تدرك الحركة الإسلامية أنها فى مجتمع يتعدد فيه الفاعلون الدينيون ما بين مؤسسات العلماء التقليديين ومؤسسات الزوايا والطرق الصوفية، وأنها لا تستطيع أن تلغى وجود هؤلاء أو تحل بديلا عنهم، وأن الطريق الأمثل هو أن تقدم مقاربة خاصة بها تضيف إلى رصيد التدين فى مجتمعها دون أن تتصادم مع غيرها من الرؤى الدينية الأخرى إلا تلك التى تخرق المستقر والمجمع عليه بين الفاعلين الأساسيين، مثل رفض العنف والتفكير. لذلك فقد أكدت الحركة الإسلامية تقديرها للمدارس الدينية التقليدية (المحضرة). المحاضر المنتشرة بطول البلاد وعرضها جعلت الدين حاضرا ليس فى مؤسسة دينية وحيدة (كالأزهر الشريف مثلا) وإنما من خلال شبكة متكاملة غير مركزية تمثل المجتمع الأهلى الدينى. لكنها الحركة الإسلامية تدرك أن المحاضر تحتاج وطلابها إلى تطوير جذرى، فهى أعجز من أن تقدم استجابة دينية لقضايا حديثة تفرضها اللحظة الراهنة مثل قضايا المرأة والأقليات وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية. وتقف الحركة الإسلامية الموقف نفسه من الطرق الصوفية؛ فعلى رغم تكوينها السلفى، ترفض الحركة الدخول فى صدام مع الطرق الصوفية، التى تضرب بجذورها فى المجتمع الموريتانى. من حيث المبدأ تلتزم الحركة الإسلامية المنهج الإسلامى، الذى يقوم على أساس المساواة بين الناس، لذلك فقد وقفت مبكرا ضد الرق والعبودية على عكس مواقف بعض الزوايا والعلماء التقليديين.