إذا أصر التيار الإسلامى على تنظيم مليونية غدا فى ميدان التحرير.. هل سيتمكن من حشد كثيرين؟! المؤكد أنهم سينجحون فى ذلك لأن لديهم أنصارا كثيرين. سؤال آخر: إذا امتلأ الميدان، هل سنضمن عدم وجود احتكاكات بين الإسلاميين والمعتصمين؟! . الإجابة هى أنه لا أحد فى مصر الآن يستطيع ضمان أى شىء. السؤال الثالث: إذن ما العمل؟!. المسألة باختصار أنه إذا التقى الجمعان، الحشود الإسلامية التى ستكون هادرة «لاستعراض العضلات» وبقايا المعتصمين فى الميدان فإن كارثة قد تحدث وبعدها سنندم جميعا فى وقت لن ينفع الندم. هل معنى ذلك اننا نشكك فى نوايا القائمين على أمر تنظيم جمعة الشرعية أو جمعة الهوية أو جمعة الشرفاء ..أو فى نوايا معتصمى ميدان التحرير؟!. الإجابة هى بالنفى، لأننى سمعت من قادة فى التيار الإسلامى أنهم حريصون على التوافق الوطنى وانهم لن يصطدموا مع أى معتصم أو متظاهر فى ميدان التحرير، وانهم لا يحبون أن يذكرهم التاريخ فى المستقبل باعتبارهم نقطة التحول التى انقسمت فيها الثورة للابد..وهو نفس الرأى الذى يكرره معتصمو التحرير. لو كان الامر كذلك فما هو سبب كل هذه الهواجس والظنون؟!. القضية بسيطة وخطيرة وتتمثل فى أن التجمع المتوقع غدا فى الميدان يحمل فى داخله كل الظروف المهيئة لاشعال الفتنة الكبرى. لدينا ميدان متسع، ولدينا طرفان يكفران بعضهما بعضا، وصار بعضهم يعتبر الآخر أخطر من نظام حسنى مبارك.. ولدينا بقايا نظام يتلمظ لافتراس الثورة اذا تعثرت، ولدينا «مجلس أعلى» يكاد يصاب باليأس فى مجمل التطورات الأخيرة، ولدينا غالبية شعبية محبطة. ثم إنه لو أمكن تجنب كل أسباب الاشتعال وصدقنا نوايا القائمين على أمر الحشد غدا فاننا نذكرهم بأن مجرد عشرة مندسين وسط مليون شخص أمر سهل جدا، لكنه يستطيع أن يلقى بعود الكبريت فى منطقة مليئة بالغاز والكيروسين. السؤال بطريقة أخرى ألا يستطيع بقايا الحزب الوطنى وبعض كارهى الثورة تجنيد مجموعة صغيرة من الأشخاص تكون مهمتها خلق الظروف الموضوعية لبدء المعركة. يكفى فقط أن يخرج مندس له لحية مزيفة، لسب واستفزاز المعتصمين، أو معتصم فى التحرير لسب واستفزاز الإسلاميين.. إذا حدث ذلك قد تبدأ مشاجرة بسيطة، وأمر تطورها سهل على أى شخص مدرب على التعامل مع استغلال سيكولوجيا الحشود. هناك تحية واجبة للبيان الذى أصدره حزب الوسط وطالب فيه بتأجيل المليونية حتى انتهاء الاعتصام، والتحية واجبة أيضا لكل الأصوات الإسلامية العاقلة التى دعت إلى ضرورة تجنب الصدام، والتحية واجبة أكثر للذين اعتذروا عن تصريحات عاصم عبدالماجد امام مسجد الفتح. معظم قوى التيار الإسلامى حديثة عهد بالسياسة فوق الأرض، ومعظم قوى التيارات الأخرى لا تملك أى خبرة سياسية بالنظر إلى أن معظمها من الشباب صغير السن. وبالتالى فليس عيبا أن نخطئ، طالما النوايا طيبة، لكن المشكلة الحقيقية هى ان القوى المعادية للثورة بدأت «تشم نفسها» بل تبادر بالهجوم، ولذلك فليس من الحكمة أن تنشغل قوى الثورة بالتربص ببعضها البعض. تلك ليست المعركة الحقيقية ..المعركة، الان مع قوى الظلام والأهم مع المستقبل وكيف نستطيع أن نغيره.. بعد ذلك نستطيع أن نتنافس فى السياسة كما نشاء. أتمنى ألا يتواجه الجمعان فى ميدان التحرير، وإذا اجتمعا أتمنى أن يتوافقا على كل ما هو وطنى. التاريخ لن يرحم أى شخص أو تيار يسعى لإشعال الفتنة حتى لو كان يعتقد أنه يخدم وطنه أو يرضى دينه.