هناك من يقنعك أن الداخلية تطهرت، بعد أن أجرت أكبر حركة تنقلات فى تاريخها، وأقصت مئات اللواءات وعشرات العمداء والعقداء، إلى جانب تنقلات وترقيات لعدد هائل جديد. من جانب يُقدم لك كل ذلك باعتباره إصلاحا واستجابة لمطالب المتظاهرين، ومن جانب آخر يعطيك إحساسا بأن رجال العادلى أطيح بهم، والمتهمين بقتل الثوار أيضا، ومن جانب ثالث تجد الداخلية التى حاولت أن تفرض سياجا من الحماية على المتهمين بقتلة الثوار، وتنفى وجود القناصة، وترفض تسليم وثائق أمن الدولة المنحل لدار الوثائق القومية، تقدم المئات من ضباطها ولواءاتها غير المتورطين فى جرائم داخل «حركة» أقل وصف حصلت عليه أنها حركة «تطهير»، بما يعنى أنها ألحقت عارا برجالها. ما ذنب ضابط كان يعمل بالجوازات أو التدريب أو الحراسات، أو حتى مباحث الكهرباء، ولا يوجد فى سجله ما يشين، ولم يكن هناك طوال تاريخه الوظيفى احتكاك مباشر مع المواطنين يمكن الزعم من خلاله أنه مارس التعذيب أو التجاوز، ولم يكن فى معركة المواجهة مع الثوار، أن يخرج إلى التقاعد فى حركة كتلك، لتبقى كلمة التطهير تطارده، وربما تلاحق أولاده من بعده. المؤكد أنك تعرف أن غالبية هذه الحركة للواءات وصلوا بالفعل لسن التقاعد الرسمى، وخروجهم من المفترض أنه طبيعى حتى لو لم تقم فى مصر ثورة، لكن تقديم هؤلاء للشارع وكأنهم عار تتخلص منه الداخلية، فيه تجنى منها على حقوق أبنائها، الذين تدافع عنهم وتحميهم وهم متهمون بالقتل، وتضع غيرهم على مذبح الرأى العام رغم عدم اتهامهم بشىء. كنت أتمنى أن يقسم وزير الداخلية حركته إلى جزءين الفارق بينهما واضح تماما، الأول ضباط تم إخراجهم للتقاعد، أو نقلهم، أو وقف ترقياتهم، بسبب تورطهم فى ممارسات جائرة خلال الثورة وقبلها، واتهامهم بارتكاب جرائم ضد المواطنين والثوار، والثانى ضباط وصلوا لسن التقاعد بشكل طبيعى، أو تم نقلهم بمعايير وظيفية بحتة لا اعتبارات سياسية فيها، وأن يكون هناك فارق زمنى فى الإعلان عن كل منهما، ضمانا لعدم اختلاط الحابل بالنابل، وحماية لضباط غير متجاوزين من عار كلمة «تطهير» التى ستلاحق أى متقاعد سيجد صعوبة فى اقناع الناس أنه لم يكن متهما فى شىء وأن تقاعده مسألة وظيفية وطبيعية، وستؤثر على معنويات أى منقول سيواجه عند أول احتكاك بينه وبين الشارع من يقول له: «يعنى هما يعملوا تطهير فيجيبوك عندنا».. أو من يسأله ساخرا: «الباشا تطهير ولا طبيعى»؟! لكن الخطورة أيضا أن يعتقد وزير الداخلية أنه أنجز ما هو مطلوب منه لإصلاح الوزارة بعد هذه الحركة، وأن يعتقد أننا لا نعرف أن العشرات من لواءات الشارع الذين كانوا يحتكون بالمتظاهرين ويقودون الاعتداءات عليهم مازالوا فى مواقعهم أو تمت ترقيتهم، كذلك ضباط قضية «قتل الثوار» الذين اكتفى بنقلهم دون الوقف الاحترازى عن العمل، والأهم من كل ذلك تغيير معايير اختيار الضابط الجديد، والثقافة التى توهمه من اللحظة الأولى أنه «باشا» وفوق القانون وليس حاميا له..!