آخر ما كان يخطر ببالى أن أكتشف وجود صحيفة تنطق بلسان الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، مازال يرأس إدارة تحريرها أحد المقبوض عليهم على ذمة التحقيق فى موقعة الجمل والمشاركة مع آخرين فى تدبير المظاهرات المناهضة للثورة.. هذه الصحيفة تصدر بانتظام وتدافع بحرارة عن شخصيات من وزراء العهد البائد، بمن فيهم وزيرة القوى العاملة السابقة.. التى شبهها أحد المدافعين عنها فى رده على المطالبة بحل اتحاد العمال بعد أن فقد مبرر وجوده بجورباتشوف.. الزعيم السوفيتى المعروف الذى ارتقى من عامل مناجم إلى رياسة الاتحاد السوفيتى.. وهى بالمقارنة بدأت كعاملة أدوية واستطاعت أن تصل إلى مقعد الوزير على حد قوله! فى العدد الذى وقع فى يدى من هذه الصحيفة، هجوم حاد على وزير القوى العاملة الحالى تطالب برحيله وإقالته، لأنه لم يقف إلى جانب وفد الاتحاد فى المؤتمر الدولى للعمل فى جنيف الذى عقد دورته المائة لمراقبة أوضاع العمال والتشريعات التى تنظم قوانين التشغيل والممارسات النقابية فى العالم، وبخاصة فى الدول التى تواجه التنظيمات النقابية فيها مشكلات غير ديمقراطية وكانت مصر من بينها.. بعد أن أدرجت فى قائمة الحالات التى أبدى الاتحاد الدولى ملاحظات وانتقادات من لجنة الخبراء فى المنظمة الدولية بسبب عدم تطبيقها لاتفاقيات العمل الدولية التى صدقت عليها. أنت تقرأ هذه الصحيفة وغيرها فلا تفهم ما هى أسباب الخلاف والهجوم على وزير القوى العاملة، وما هى الظروف التى أدت إلى وقوع فضيحة تبادل الشتائم والاتهامات بين العمال المصريين فى قاعة المؤتمر، أو ما سمته الصحيفة مؤامرة جنيف.. بسبب المناوشات التى وقعت بين وفد اتحاد العمال ووفد مصرى من النقابات الحرة وجهت إليه الدعوة لحضور المؤتمر.. أثيرت خلالها اتهامات صريحة للوفد الرسمى بأنه وقف ضد الثورة وضد شباب التحرير، ولم يعد له الحق فى تمثيل العمال، لأنه كان تعبيرا عن نظام فاسد سقط مع مؤسساته وسياساته. ولم يبدر منه حتى الآن أى بادرة تشير إلى رغبة فى نزع عناصر الفساد السياسية لتغيير أوضاعه، وإزاحة رئيسه المحبوس رهن التحقيق فى موقعة الجمل! ولكى يعرف القارئ حقيقة هذه الكيانات الهلامية الضخمة التى تعيش على امتصاص دم العمال والكادحين، ولا تدافع عن حقوقهم بل تتركهم على أرصفة مجلس الوزراء.. فالمفروض أن وفد مصر أمام منظمة العمل الدولية يتشكل من ثلاث: الحكومة أصحاب الأعمال العمال. وكانت المنظمة قد وجهت انتقادات لمصر، وأجرت السيدة كارين كيرتس نائبة المنظمة محادثات فى القاهرة، لحثها على ملاءمة تشريعاتها مع أحكام الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها إطلاق الحريات النقابية فى مصر. وهو ما كان من أسباب الخلاف بين الاتحاد العام للعمال ووزير القوى العاملة، الذى أصدر قرارا بإطلاق الحريات النقابية أسفر عن تشكيل 26 نقابة مستقلة جديدة، مع البدء فى إعداد مشروع قانون للحريات النقابية يتفق مع الاتفاقيات الدولية. وساعدت هذه الخطوات على رفع اسم مصر من القائمة السوداء. ولكنها قوبلت بمعارضة شديدة من الاتحاد العام، الذى يعارض استقلالية النقابات وخروجها عن ولايته، بحجة عدم تفتيت الحركة النقابية. من الواضح أن هيئات ومؤسسات عديدة من بقايا النظام السابق مازالت قائمة تمارس نشاطها كالمعتاد، وتحصل من الدولة على مساندة مالية.. ولكنها تعمل فى الاتجاه المعاكس لحساب القوى المناهضة للثورة. وتملك بما لديها من إمكانات تخريب كثير من الجهود والإصلاحات. ويمكننا أن نتصور مدى نفوذ الاتحاد العام للعمال بقياداته القديمة الفاسدة التى اختارتها أجهزة أمن الدولة، تدفع نفقات تسفير 12 صحفيا إلى جنيف مع الوفد العمالى لغير سبب واضح إلا للتضليل الإعلامى والدعاية للاتحاد والدفاع عن تصرفاته. وسوف نرى آثار ذلك كله حين يأتى وقت إجراء الانتخابات القادمة.