أسعار الدولار مقابل الجنيه اليوم الجمعة    أسعار طبق البيض اليوم الجمعة 10-10-2025 في قنا    تعرف على أسعار حديد التسليح في السوق اليوم الجمعة    إعلام إسرائيلي عن مصادر: بدء الانسحاب من غزة ومخيم الشاطئ    منير أديب يكتب: الإخوان وفلسطين والدور المصري إزاء وقف الحرب الإسرائيلية    من قلب مصر إلى غزّة "زاد العزة".. رحلة إنسانية تحمل الأمل بعد صمت المدافع    حاله الطقس المتوقعه اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025فى المنيا    مقتل رجل اعمال داخل سيارته بطنطا.. والأمن يضبط الجاني    جهود فنية في الجنوب.. مهرجان المنيا الدولي للمسرح يعلن اختيار 20 عرضًا ب دورته الثالثة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة قنا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سنجتهد الانغفل عن ذكر نعم الله علينا!?    بدء عملية التصويت في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء    فتح باب التصويت في انتخابات الأطباء ودعوة الأعضاء للالتزام بميثاق الشرف الانتخابي    لليوم الثالث، تزاحم المرشحين المحتملين وأنصارهم أمام مجمع محاكم المنصورة بالدقهلية    خطوات سداد الضرائب والجمارك إلكترونيا في بنك مصر    «دعاء يوم الجمعة» لتفريج الهم وتيسير الحال وسعة الرزق .. كلمات تريح البال وتشرح الصدر    المغرب تضرب موعدا مع الولايات المتحدة فى ربع نهائى مونديال الشباب.. فيديو    ضربه بخنجر.. قرار عاجل ضد المتهم بقتل تاجر عسل في الغربية    مصرع شخص بعد سقوطه داخل منور عقار بميدان الظاهر    عاجل - تصاعد التوتر في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار: غازة إسرائيلية عنيفة في خان يونس    قاضية أمريكية تصدم المغني الكندي دريك في دعوى مجموعة يونيفرسال ميوزيك    خيري رمضان يحتفل بعقد قران نجله عمر وسط حضور لافت لنجوم الإعلام والفن والرياضة    بمشاركة دغموم.. منتخب الجزائر للمحليين يهزم فلسطين وديا    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    تعرف على آخر تطورات قضية فضل شاكر    رسميًا..موعد العمل بالتوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    «مكنتش أتمنى يمشوا».. وليد صلاح الدين: «زعلت بسبب ثنائي الزمالك»    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    بكام الطن النهارده؟ أسعار الأرز الشعير والأبيض الجمعة 10-10-2025 بأسواق الشرقية    حكايات تحقيق حلم المونديال| منتخب مصر.. قيادة خططت.. وكتيبة نفذت.. وجماهير دعمت    رمضان 2026 في شهر كام ؟ موعد غرة الشهر الكريم وعدد أيامه    طولان يقرر عودة ثنائي منتخب مصر الثاني إلى القاهرة بعد تعرضهما للإصابة    كريم فهمي يحسم الجدل: "ياسمين عبد العزيز صديقتي.. وتشرفني أي مشاركة معاها"    الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    «أي هبد».. وليد صلاح الدين يهاجم نجمًا شهيرًا: «ناس عايزة تسترزق»    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    ما بيحبوش الزحمة.. 4 أبراج بتكره الدوشة والصوت العالي    «كان نعم الزوج».. هناء الشوربجي تتحدث عن قصة حبها بالمخرج حسن عفيفي    بسبب محل.. التحقيق مع مسؤول بحي العمرانية لتلقيه رشوة من أحد الجزارين    تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال إنشائية خاصة بمشروع المونوريل بالجيزة    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    خليل الحية: غزة تصنع المعجزات وتؤكد أنها محرمة على أعدائها    «زي النهارده» في 10 أكتوبر 2009 .. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد    ما تكتمش العطسة.. تحذير طبي من عادة خطيرة تسبب أضرار للدماغ والأذن    «هتكسبي منها دهب».. إزاي تعمل مشروع الشموع المعطرة في البيت؟    4 أعشاب سحرية تريح القولون وتعيد لجهازك الهضمي توازنه الطبيعي بشكل آمن    حبس ديلر المخدرات وزبائنه في المنيرة الغربية بتهمة حيازة مخدر البودر    خوفاً من السنوار.. لماذا صوت بن جفير ضد قرار انتهاء الحرب في غزة؟    أوقاف الفيوم تعقد 150 ندوة علمية في "مجالس الذاكرين" على مستوى المحافظة.. صور    أسامة السعيد ل إكسترا نيوز: اتفاق شرم الشيخ إنجاز تاريخي أجهض مخطط التهجير ومصر تتطلع لحل مستدام    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع يانيك فيريرا فى الزمالك بحضور جون إدوارد    متى يتم تحديد سعر البنزين فى مصر؟.. القرار المنتظر    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    عشان تحافظي عليها.. طريقة تنظيف المكواة من الرواسب    نقابة أطباء الأسنان بالدقهلية توضح ملابسات وفاة شاب داخل عيادة أسنان بالمنصورة    مباشر مباراة المغرب ضد كوريا الجنوبية الآن في كأس العالم للشباب 2025    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميلة أميرة الرفاعي لحصولها على درجة الماجستير    نصائح للأمهات، طرق المذاكرة بهدوء لابنك العنيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ترتيب الأولويات.. العدالة الاجتماعية أولًا
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 06 - 2011

رفع الثوار شعارا ضم القواعد الأساسية التى يقوم عليها المجتمع المصرى الجديد، وهى الحرية والعدالة الاجتماعية، وبينهما «الكرامة» فى بعض الأقوال، و«الديمقراطية» فى أخرى. وأهمية الشعار أنه يمثل الضوء الذى ينير الطريق أمام الخروج من نظام أشاع الظلم والاستبداد والفساد. وإذا عدنا إلى أم ثورات عصر النهضة، وهى الثورة الفرنسية، وجدناها ثورة شعب توزعت حقوقه ما بين حفنة من النبلاء فى القصور، وأخرى من رجال الدين يساندونهم فى الكنيسة، فأطلقت شعارا ثلاثيا «حرية إخاء مساواة».. كانت الحرية مطلبا عزيز المنال بفك إسار الآدميين الذى أهدرت آدميتهم، وكان الإخاء معيارا لسلامة الحرية لأنه يدفع الإنسان لأن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وكانت المساواة هى الناتج الحتمى للحرية مع التآخى. يذكر أن فلاسفة ذلك العصر كانوا يطلقون مصطلح «المساواة» على ما يشيع تسميته فى أيامنا هذه بالعدالة الاجتماعية.
وعندما قام الضباط الأحرار بثورتهم نادوا ب«الاتحاد والنظام والعمل».. فقد هالهم ضياع جهود الشعب فى صراعات يحركها التكالب على السلطة، ومحاولة كل فرد إثبات أحقيته بالحط من شأن الآخرين (وهو ما يبدو عادة متأصلة بين العرب). وبحكم ثقافتهم العسكرية القائمة على الانضباط والكفاح من أجل عزة الوطن، جعلوا شعارهم ذاك عنوان مرحلة التحول الثورى من مجتمع الإقطاع والاستغلال والتبعية، إلى مجتمع العزة والكرامة والاستقلال. وعندما اكتمل للثورة امتلاك السيطرة على مقاليد الأمور، حددوا معالم الطريق لمجتمع ما بعد الثورة بما يستوعب حصيلة التجربة التى عاشها المجتمع فى مرحلة انتزاعه الحقوق الضائعة، فكان الشعار هو «حرية اشتراكية وحدة». وفى جميع الأحوال ظلت الكرامة هى الحافز الأسمى للجميع.
وإذا كان البعض يرى فى ثورة يوليو 52 انقلابا أفضى إلى ثورة، فإن أحداث 25 يناير تشير إلى أننا إزاء احتجاج سلمى قام به شباب جسور تحول فى بضعة أيام إلى ثورة شعب بأكمله غذتها حماقة المرتزقين من العهد الفاسد التى خشيت على غنائمها من الضياع. وإذا كانت الاتهامات قد انهالت على الشباب بمواصلتهم رفع سقف المطالب، فإن من أهم الخصائص التى أثبتت الصفة الخلاقة للثوار المصريين هو هذا التدرج الذى استدرج كلا من أعداء الثورة ومريديها.. فالأعداء تصوروا أن قبول زيادات محدودة ربما يضع حدا لدوران عجلة الثورة، ومن هنا كانت ردود الأفعال الهامشية والمتأخرة التى اتسمت بها خطوات رأس النظام بترتيب من زبانيته، ومحاولة استدرار المشاعر العاطفية التى تأخر إدراكهم لها لأن قلوبهم خلو منها. ولعل هذه الظاهرة بالذات تلقى اهتمام مراكز التحليل التى اعتقد أنها بدأت بالفعل تدرس المسار الخلاق للثورة، ربما بغرض تعميق المعرفة أو من أجل رسم منافذ الإخماد لهذا النوع الفريد من الثورات. غير أن فتح باب الاستزادة فتح أبواب المزايدة، فإذا بالجميع يهبون أملا فى سرعة تحقيق مصالح خاصة وخوفا من أن يؤدى سبق آخرين لمعالجة أوضاعهم إلى تضييق فرصتهم فى نوال ما ينشدون. ولا يكفى اتهام الفلول بدفع هذه التحركات لأنها ما كانت لتتم لو لم تكن تجد صدى فى نفوس عانت عقودا من البؤس والحرمان.
•••
غير أن المشكلة لا تقتصر على المتآمرين على الثورة من الداخل ومن الخارج (إن كانوا حقا فاعلين) بل لعل أهم أركانها هو غياب تصور متفق عليه حول أهداف المجتمع الجديد الذى نريد بناءه. ولنأخذ على ذلك مثال الموقف من قضية الحرية. فالحرية مطلب لكل فرد، ولكنها لا تنشأ إلا بوجود الغير فى المجتمع الذى يضمهما. لو أخذت بالمعنى المطلق، لتحولت إلى فوضى يفقد فيها الجميع حرياتهم. وعندما ننظر إلى الحرية من المنظور الاقتصادى نجد أنه فى ظل النظام الاقتصادى الذى قام على رأس المال ثم مؤخرا المعرفة، تحول الفكر الاقتصادى من صيغته التقليدية أو ما يسمى الكلاسيكية إلى الكلاسيكية الحديثة بتفريعاتها وأسوئها النقودية التى تطغى فيها النقود على القيم الاقتصادية الحقيقية، ثم إلى ما يسمى الليبرالية الحديثة. هذا اللفظ المشتق من كلمة مرغوبة وهى الحرية liberty استخدم كبديل لتعبير اقتصاد السوق الحرة الذى كان يميز الدول الغربية عن الدول الشيوعية التى وصفت بأنها مخططة مركزيا، وإن كانت فى واقع الأمر مدارة مركزيا. ففى الهجوم على الفكر الاشتراكى عامة قيل إنه يشيع الفقر لأن المساواة فى توزيع الناتج تنشر الفقر ما لم تتم زيادة الناتج القومى أولا، حتى يتبقى منه فائض يعاد توزيعه على نحو يزيد من نصيب من كان عائده محدودا. ولما كان الحافز الفردى والقدرة على تحمل المخاطر يمكنان من تحقيق ثمار تفيد المجتمع، أو ما يسمى كبر الكعكة، فإن هذا هو الطريق إلى تحقيق العدالة من خلال إعادة توزيع تلك الثمار، بالاقتطاع من الأغنياء شريطة أن يكون قد عظم غناهم ومنح الفقراء بعد أن يكون قد استبد بهم الفقر.
وهكذا نجد المنادين بالليبرالية يؤكدون على حرية الاقتصاد، معترفين بأن هذا ينشئ توزيعا غير عادل للدخل، ويدعون إلى معالجته بما يسمونه عدالة اجتماعية. تحت هذا الستار الزائف استبدت الدول المتقدمة وأذرعها الباطشة (الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية) فشهد ربع القرن الأخير تفشى ظاهرة اتساع الفجوة بين الدخول داخل كل دولة، مهما اغتنت، وبين الدول. وانتهى الأمر إلى أزمة تراجعت أنباؤها بعد قيام الثورة المصرية وامتداد الربيع العربى. فإذا أريد إعادة التوزيع سعيا إلى عدالة اقتصادية، عن طريق ضرائب تصاعدية وعلى المكاسب الرأسمالية التى لا فضل فيها لجهد إنتاجى، ارتفعت الاحتجاجات من ذوى الصوت الأعلى وهم المسيطرون على صناديق الانتخابات فى الدول المتشدقة بالديمقراطية، وعلى وسائط الإعلام فى الدول التى تحتكر لنفسها الوصاية على حقوق الإنسان وحرية الرأى. ويزداد الغنى غنى والفقير فقرا، لتتبنى الأمم المتحدة أهدافا عجزت أمامها البشرية، رغم أنها لم تتجاوز خفض معدلات الفقر إلى النصف بحلول 2015.
•••
إن هذا الوضع المختل يستدعى أن نضع الحصان أمام العربة، وأن نبدأ بترجمة العدالة الاجتماعية إلى قواعد للحركة التى تنتهى إلى عدالة اقتصادية. العدالة الاجتماعية فى رأيى تعنى تمكين كل إنسان أيا كان موقعه فى المجتمع من بناء قدراته الذهنية والجسدية ليصبح عضوا عاملا فى مجتمع يقدس البناء ويرفع من شأن العطاء قبل الأخذ. فوجه الخطأ فى المنهج الليبرالى الشائع هو اعتماده مبدأ يقوم على أن التصرف الاقتصادى الرشيد يدفع الفرد إلى العمل لصالح المجتمع: فإذا اشتدت حاجة الناس إلى شىء ارتفع سعره عن تكلفته، فزاد ربحه. وتؤدى استجابة الأفراد الساعين إلى الربح الوفير إلى توفير ذلك الشىء فيتراجع سعره فيستفيد الجميع من الوفرة وانخفاض السعر. يكفى أن نشير إلى اقتتال الناس من أجل رغيف خبز أو أسطوانة بوتاجاز أو شقة متواضعة تؤويهم، بينما الربحية تدفع المستثمرين لبناء المنتجعات وإقامة المآدب التى تغص بلحوم الطاووس والنعام التى تهضمها المشروبات بأصنافها.
الحرية الاقتصادية ليست فى تلمس مؤشرات سوق يغيب عنها أصلا الفقراء وتوجيه الإنتاج أو الاستيراد لتلبية حاجات من يدفعون الثمن، بل فى عدالة اجتماعية تمكن من تلبية أساسيات الحياة للجميع، وهى الوظيفة الحقيقية للتخطيط القومى قبل الحديث عن مشروعات. عندئذ ترتفع إنتاجية العامل وصاحب العمل والموارد المادية وتزداد الأرباح ويزداد الفائض الواجب إعادة توزيعه من أجل عدالة اقتصادية تتدارك شوائب التباين فى التوزيع عن طريق إعادة التوزيع. وقد يقارب هذا نصف الدخل القومى كما تشير بذلك بيانات الدول التى قطعت من التنمية البشرية أشواطا طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.