«وحياتك لافضل أغير فيكى لحد ما ترضى عليه» .. هكذا غنّى محمد منير فى أحد المكتسبات الفنية لثورة 25 يناير، إن عبقرية هذه الأغنية فى عنوانها: (إزاى؟)، وإنها لمصادفة عجيبة أن تدعو كلمات هذه الأغنية للتغيير، فى حين أن عنوانها يتناغم مع أحد تعريفات الإدارة، والتى هى بطبيعة الحال ضرورة حتمية للتغيير، فنجد أن أحد تعريفات الإدارة الحديثة تقول: «إن الإدارة هى فن وعلم الكيف» .. أى أن الإدارة هى فن وعلم (إزاى؟)، وبما أن التغيير لا يستقيم بدون الإدارة، إذن فكلمة السر فى أى عملية تغيير هى (إزاى؟) .. فشكراً للفنان محمد منير!! ••• إن نجاح الفرد والمجتمعات على السواء لا يكون، بعد توفيق الله تعالى، إلا بالقدرة والرغبة.. ونحن فعلاً نمتلك الرغبة فى التغيير أو «إرادة التغيير»، ولكن للأسف ينقصنا الكثير حتى نستطيع أن نقول إننا نمتلك القدرة على التغيير أو «إدارة التغيير» .. ومع أن الفرق بسيط فى تبادل الدال مع الراء بين كلمتى الإرادة والإدارة، ولكنه كبير فى المعنى. ولذلك فإننى أؤكد أنه لن تتغير الحياة فى مصر لمجرد أننا نمتلك إرادة قوية وحقيقية للتغيير، هذا فقط نصف الطريق، إنما سيكتمل الطريق، بإذن الله، عندما نعمل على إدارة التغيير.. وكيف يكون ذلك؟ إن الحديث عن التغيير عندنا أكثر بكثير من العمل على التغيير نفسه، وذلك لانتشار ثقافة الينبغيات، من كثرة الجمل التى تبدأ بكلمة «ينبغى»، وانتشار النظرية اللابُدية، من كثرة الآراء التى تبدأ بكلمة «لا بد»، ولكن كيفية التنفيذ أصبحت لقيطة لأنها مُمِلة وغير حاشدة للجماهير، وعلى ذلك فإن إنشاء جهاز مستقل لإدارة عمليات التغيير فى مصر، أصبح ضرورة حتمية لا نستطيع تحمل تكلفة تجاهلها بالذات فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها البلاد، فليس من المنطق أن نتحمّل طواعيةً سلبيات التنفيذ العبثى لقرارات التغيير، فى حين أن الإدارة الحديثة تمد لنا يد العون فى كل صباح حتى تشرق الشمس من مغربها، وعلينا أن نتذكر جيداً أن شعب مصر قد ثار من أجل التغيير، ولم يقم أبداً بهذه الثورة من أجل قرارات التغيير!! جميل أن تقرر الحكومة المصرية فتح معبر رفح، ولكن علينا إدراك أن هذا القرار يستتبع مشروعات عديدة للتغيير لا تنتهى بفتح البوابات وإغلاق الأنفاق، أوافق أن تساند الحكومة أفكار الدكتور زويل والدكتور فاروق الباز، ولكن هذه مشروعات عملاقة يستتبعها بالضرورة عمليات تغيير فى أغلب قطاعات الدولة، إن تعديل مناهج التعليم تغيير، وإصلاح القطاع الصحى تغيير، وتعيين وزير داخلية تغيير.. إلخ، فهل تتبع الإدارة المدنية المصرية منذ ثورة يوليو وحتى يومنا هذا الأسلوب العلمى والمنهجى فى إدارة التغيير؟ فى اعتقادى أن الجهة الوحيدة فى مصر الآن التى تدير التغيير بشكل أقرب إلى المنهجية هى المؤسسة العسكرية، ولكن الشعب اختار طريق الدولة المدنية، وعلى هذا فإننى أرى أنه لا سبيل أمامنا الآن إلا إنشاء جهاز مدنى مستقل لإدارة التغيير، فالتغيير الذى تمر به البلاد ويأمله الكثير من العباد، أكبر من أن يُدار بشكل لا مركزى، فهذا التغيير فى مفاهيم وأدوات العمل فى أغلب قطاعات الدولة سيؤدى إلى نتائج كارثية إذا لم يتم التعامل معه بشكل جاد وعلمى ومنهجى، ومركزى. لقد تحدثت فى يوم ما مع أحد القيادات الذى توسمت فيه الإلمام بمبادئ الإدارة الحديثة، وبعدما شرحت له أهمية وجود جهاز لإدارة التغيير، صدمتنى الجملة الأخيرة من تقييمه للفكرة، فقد قال لى «إنت بكدة يا دكتور بتخلق مركز من مراكز القوة فى البلد»!! .. ولكى لا تتعجل عزيزى القارئ أنت ايضاً فى الحكم على طبيعة دور هذا الجهاز، فإننى أود أن أوضح لك أولاً أن هذا الجهاز ليس اختراعاً، وأنك لن تجد دولة متقدمة إلا وعندها مثل ذلك الجهاز، وإن اختلف فى الاسم، ولن تجد منظمة أو شركة أو مؤسسة عالمية ناجحة إلا وبها إدارة قوية للتغيير، إنها أحد أهم أركان الإدارة الحديثةChange Management : The أو إدارة التغيير. ••• ثم اسمح لى أيها القارئ الكريم أن أوضح لك طبيعة دور هذا الجهاز حتى يتسنى لك تقييم الفكرة على أساس سليم، والذى يمكن تلخيصه فيما يلى: التنسيق مع كل الأطراف المعنية بعملية التغيير، صياغة الهدف من التغيير، إعداد دراسة تقييم المخاطر لعملية التغيير، تنسيق وصياغة خارطة الطريق للمشروع موضوع التغيير بالتعاون مع الجهات القائمة عليه، السعى لإنهاء الموافقات الخاصة بالمشروع موضوع التغيير والمساعدة فى إعداد الدراسات اللازمة لذلك، متابعة البرنامج الزمنى لعملية التغيير وتقديم تقارير المتابعة للجهات المعنية، على أن يقوم رئيس الجهاز بعرض موقف مشروعات التغيير على مجلس الشعب بشكل شهرى، ويحتوى هذا العرض على نسب التنفيذ - التحديات - التأخير - الانتهاء. ••• ولكى أكون أكثر تحديداً، فإننى أرجو من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية أن يبدأ على الفور فى تشييد أحد أعمدة نهضة مصر الحديثة، وذلك بإنشاء جهاز حقيقى وعلمى ومستقل لإدارة التغيير، على أن يقوم عليه أهل الإدارة الحديثة، لأن مثل ذلك الجهاز سيكون هو الضامن لحسن إدارة التغيير فى مصر، وسيكون أحد أهم العناصر التى تساعد على تسليم الراية من حكومة إلى أخرى، مما سيؤدى إلى السهر على تنفيذ المشروعات القومية حتى وإن توالت الحكومات خلال فترة العمل عليها، كما سيتعامل نواب الشعب وكذلك السلطة الرابعة مع هذا الجهاز كأحد المراجع لتقييم أداء الحكومات والرؤساء، وذلك من خلال الاطلاع على التقارير التفصيلية الصادرة من هذا الجهاز. ولعلنا نتغنى فى يوم من الأيام بالتغيير الذى قادتنا إليه الثورة ونحن لا نشعر بوخز الضمير، لأننا يوماً امتلكنا الإرادة .. ولكننا فشلنا مع ذلك، فى حُسن الإدارة!