في جنازة شعبية أمس السبت، شيع جثمان الشاب المجهول ذي الوجه المبتسم إلى مثواه الأخير، الذي قتل أثناء الثورة المصرية، وظل جثمانه حائراً يتنقل ما بين ثلاجة مستشفى الهلال ومشرحة زينهم، لا يملك إلا أن يبتسم في صمت، يتيماً ليس له أسرة تبحث عن حقه وتسأل من قتله وتأخذ بثأره، أو حتى ليحصل على حق الدفن، وصلى المشيعون صلاة الجنازة على جثمانه بمسجد السيدة نفيسة بالقاهرة. يذكر أن الجثمان لشاب مبتسم الوجه، وقتل في جمعة الغضب يوم 28 يناير الماضي، وتبنّت صحيفة "الأهرام" قصته منذ فبراير الماضي بحثاً عن أسرته، حتى توصلت الصحيفة إلى إحدى الأسر من محافظة الشرقية، التي حضرت إلى مستشفى الهلال وتعرفت أمه وقتها عليه في مشهد إنساني صعب حمل دموعاً وآلاماً، لتبدأ بعدها الإجراءات القانونية بتحويل جثمانه إلى مشرحة زينهم لإجراء تحاليل DNA لإثبات نسبه إلى أسرته، إلا أن المفاجأة جاءت بعدم تطابق التحاليل بينه وبين والده الذي ظل مصراً على موقفه، من أن الشهيد ابنه واستغاث ب"الأهرام" مرة أخرى، خاصة بعد أن كشف عن بعض العلامات الموجودة على الجسد، من جرح في وجهه وقدمه وآثار عملية قديمة لاستئصال الزائدة الدودية، وبشكل إنساني استجاب الدكتور أشرف الرفاعي، مدير دار التشريح بمشرحة زينهم، لطلب "الأهرام" بإعادة التحليل مرة أخرى مع إضافة عينة من الأم إلى التحاليل، لتتكرر المأساة مرة أخرى ولا تتطابق العينة، لتعود الأسرة إلى قريتها بالشرقية وهي راضخة لقوة العلم والقانون، مطالبين بمعرفة مكان دفن الجثمان لزيارته والترحم عليه لأنهم مازالوا على إصرارهم بأن من يقطن ثلاجة زينهم هو ابنهم المختفي. ويبقى الجثمان بعدها أياماً يعاني من برودة ثلاجته، وبالرغم من طول الغياب وفقدان الأمل، حتى تحركت إحدى القارئات المصريات والتي رفضت ذكر اسمها لتتقدم بطلب إلى المشرحة لاستلام جثمانه لدفنه إلى جوار والدها في مقابر الأسرة، لتحيل المشرحة الأمر إلى المحامي العام لمنطقة وسط القاهرة، الذي وافق على الطلب وأحاله إلى نيابة قصر النيل التي أيدت الموافقة بروح القانون والإنسانية، مع اشتراطها أن تتم عملية الدفن بمحضر إجراءات رسمي وبإشراف الطب الشرعي، وحدد أمس السبت موعداً لتشييع جثمانه من المشرحة إلى مثواه الأخير بعد الصلاة عليه في مسجد السيدة نفيسة، ليسدل الستار أخيراً وبعد مرور أكثر من شهرين على واحدة من أكثر قصص شهداء الثورة تحمل معاني الفخر والألم.