تباينت آراء شيوخ القضاء حول الإعلان الدستورى الجديد، والذى ذهب جانب منهم إلى أنه «كاف لحكم فترة انتقالية محددة تنتهى بوضع دستور جديد لمصر يستفتى عليه الشعب»، بينما مال جانب آخر إلى أنه «شابته عيوب دستورية وفنية عديدة، ولم يكن من المناسب صدوره بهذه الصورة التى لم تلب متطلبات الثورة». المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، يوضح أنه «بنظرة متأملة للإعلان يتبين أنه يضم 8 مواد فقط وافق عليها الشعب، ومواد أخرى فوق دستورية خاصة بالحقوق والحريات، بينما نسخ باقى المواد الأخرى من دستور ساقط بحكم الشرعية الثورية، إذ كان يجب على المجلس الأعلى عرض الإعلان الدستورى بالكامل على المواطنين فى استفتاء شعبى وليس الاكتفاء بالمواد التى تم تعديلها فقط». ووصف الجمل ذلك ب«طريقة غير ديمقراطية لتمرير الإعلان الدستورى، وكان يجب على المجلس العسكرى اختيار طريقة واحدة لإصدار الإعلان، إما الاستفتاء عليه بالكامل أو إصداره سياديا دون استفتاء بالكامل». وأضاف الجمل أن هناك غموضا حول السند القانونى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى احتكار ولاية إصدار الدستور، مما يتناقض مع الشرعية الثورية التى تتطلب أن يكون الشعب مصدر السلطات والموافق على جميع النصوص الدستورية الجديدة، بما فى ذلك هذا الإعلان الذى كان مطلوبا بشدة لسد الفراغ الدستورى القائم منذ تعطيل دستور 1971 فى 13 فبراير الماضى. وأشار الجمل إلى أن الإبقاء على مادتى العمال والفلاحين وكوتة المرأة بالبرلمان يجافى أحد أهم مطالب الثوار ويصر على أحد أبرز مساوئ النظام السياسى البائد، مؤكدا وجود عيوب فنية فى صياغة بعض المواد على رأسها المادة الرابعة التى تسمح بحرية تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات، ثم تضع حظرا على تأسيس الجمعيات «فقط» بما ينال من سيادة الدولة، حيث كان يجب إضافة الأحزاب والنقابات أيضا إلى هذا النص لضمان عدم وجود ثغرة دستورية. وشدد الجمل على أن الدستور رسخ مخططا يراه خاطئا ويكرس «وضعا مقلوبا» بانتخاب مجلسى الشعب والشورى ثم الرئاسة ثم إعداد الدستور، رغم أن بناء نظام جديد يتطلب وضع الدستور أولا لتهتدى به سلطات الدولة الناشئة. وفى ذات السياق، انتقد المستشار عادل فرغلى، الرئيس السابق لمحاكم القضاء الإدارى وقسم التشريع بمجلس الدولة، أن يتكون الإعلان الدستورى من 62 مادة بالإضافة لمادة الإصدار «فبهذه الطريقة لا يمكن اعتباره إعلانا بل دستورا مؤقتا، فالإعلان يجب أن يكون مختصرا. وأضاف فرغلى أن المواد الخاصة بالهيئات القضائية والحقوق والحريات مفصلة أكثر مما ينبغى وكان يجب دمجها، لأن الإعلان الدستورى يجب أن يبين باختصار شديد علاقة الحاكم بالمحكوم، كما أن الإعلان الدستورى اشتمل على تناقضات «لا لزوم لها» كان يعانى منها دستور 1971 الساقط، أبرزها تناقض مادتى العمال والفلاحين وكوتة المرأة مع المادة التى تضمن عدم التمييز بين المواطنين. وكذلك يرى المستشار ماهر أبو العينين، نائب رئيس مجلس الدولة، أن الإعلان الدستورى تأخر بعض الوقت لكنه خرج معبرا عن إرادة الشعب ومحددا لحقوقه وحرياته ومفعلا لدور واستقلال السلطة القضائية، ومعبرا أيضا عن استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمطلب نقل السلطة إلى مؤسسات مدنية عبر انتخابات يضمن هو نزاهتها تحت إشراف القضاء. وأضاف أبو العينين أن الإعلان ترجم الواقع الحالى بجمع السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد المجلس العسكرى فى ظل التفاهم بينه وبين الحكومة.