تداعت إلى ذهني سلسلة من الأفكار المترابطة و أنا أقرأ مقالة الأستاذ فهمي هويدي عن "أكذوبة الفلول المتربصة" و تحديدا عندما قرأت هذه الجملة قرب نهاية المقالة: "وأصابع الشباب التى ترصد كل شىء عبر فيس بوك وتويتر كفيلة بهذه المهمة." إليكم ما تبادر إلى ذهني من أفكار أصوغة في شكل أسئلة أشفعها بإجابتي عنها ، ثم أجمل ما أتصور أن علينا جميعا أن نعيه في وقتنا هذا. 1. هل تصدر الشباب مشهد الثورة رغبة منهم في أن يصيروا حكاما؟ بالطبع لا ، لأنه في العهد البائد لم يكن على من يريد السلطة سوى أن يتعلق بأهداب الحزب الوثني1 – المسمى مجازا بالوطني. أما الثائرون و المعارضون فكان مصيرهم معرف للكافة ، فلماذا يخاطر خيرة شباب الأمة بإلقاء أنفسهم في غيابات جب الظلم خصوصا إنهم لم يكونوا واثقين من انضمام الجماهير لهم؟ إن الشباب لم يتصدروا الموقف إلا رغبة منهم في التعبير عن ضمير الأمة و صوت الجماهير المغلوبة على أمرها. 2. هل لابد أن تكون في موقع المسئولية حتى تستطيع أن تحدث التغيير؟ بالطبع لا ، و هذا من أول الدروس التي تعلمناها من الثورة. بل أحيانا يكون العكس هو الصحيح ، فكم رأينا أناسا تقلدوا المسئولية و حاولوا أن يعملوا لخدمة هذا الوطن بإخلاص فكانة مكافأتهم أن يستبعدوا من المنصب. إذن فإحداث التغيير قوامه الوعي و الرغبة و الإصرار ، سواء كنت مسئولا أم لا. 3. هل الشباب أشخاص أم فكر؟ أزعم أن الشباب فكر و ليس مجرد أشخاص في مرحلة عمرية محددة. غير أن ذلك الزعم لا يعني – لي على الأقل – ما يقوله البعض من أن الشباب شباب القلب ، أو أن شحذ العقل بالتفكير و التدبر و التعلم يبقي صاحبه شابا متجدد الحيوية. إن الشباب في الأصل تكوين نفسي و عمري (لا أعلم تحديدا ما حده الأقصى ، لكني سأقول سن الخمسين). أبرز سمات هذا التكوين هو حيوية الحركة و جرأة الإقدام. دليلي على ذلك أننا و منذ قبل الثورة لدينا قامات فكرية شامخة ، و ربما كانوا جميعا من غير الراضين عما يجري في البلد ، و كانوا يحدثون الناس بذلك ، لكن ذلك لم يحدث الثورة. صحيح أن أفكار هؤلاء ربما ساهمت في صوغ عقول الثائرين ، لكن الذين تحركوا في طليعة الثورة كانوا من الشباب ، و هؤلاء الشباب هم الذين استطاعوا أن يلهبوا حماس الجماهير و يستدعوهم إلى ساحة الثورة. 4. هل يبقى الثائر ثائرا؟ يبدو رأي شيخنا الراحل الشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي رحمه الله منطبقا على سلوك شريحة من الثائرين في بلدنا. لكني أود أن أقول إن الثورة ليست مذهبا في الحياة و إدارة شئونها حتى يظل الثائر ثائرا. لكن الثورة – كما هي الحال دائما – وسيلة تغيير. لكن تبقى الغاية هي الإصلاح ، أو دعني أقول تحقيق العدالة التي تكفل للجميع حياة كريمة يستطيع معها أن يكون مبدعا كما شاء. و الأمر كذلك فإن على كل المخلصين في هذا البلد – لا سيما من الشباب – أن يتوحدوا ورا تحقيق تلك الغاية – و إن اختلفت الوسائل. و عندما نحقق مجتمعا عادلا تسير الحياة فيه وفقا لآليات عادلة فسوف يستطيع كل واحد منا أن يمارس دوره في الحفاظ على عدالة المجتمع ، سواء كانت في يده سلطة تمكنه من ذلك أم لا ، لأن مفهوم السلطة حينها سوف يتغير ليصبح هو الوعي و الرغبة و الإصرار. عندها سوف يستطيع الشباب بما له من حيوية و جرأة الإقدام أن يقود هذه الأمة إلى قمم العزة و الكبرياء ، سواء كانت لهم أحزاب سياسية تجمعهم أم لا. إن ألزم واجبات الوقت أن نتسلح بالوعي ، و نصرف هممنا إلى العمل البناء الفعال بعيدا عن الجدل الذي لا طائل من وراءه سوى الاستعراض و تحقيق نشوة لا ترتد طاقة بناء لدى صاحبها – أعنى نشوة أن يراك الناس لديك "معلومات نظرية" لم يتسنى لهم تحصيلها. إن الشباب هم محرك التغيير و المحدثين له ، سواء كانوا في موقع المسئولية أو مراقبين لمن هم في موقع المسئولية. 1 تسميته بالحزب الوثني حقيقة لغوية لأنهم كانوا يصنعون من البشر في موقع الحكم أصناما آلهة و يعبدونهم من دون الله.