قدم المصريون يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية دليلا آخر على قدرة ثورة 25 يناير على الهدم والبناء فى آن واحد. فمع إسقاطها للنظام برئيسه ونائبه ووزاراته ودستوره ومجلسيه النيابيين الزائفين وأعتى أجهزته الأمنية أقامت الثورة نظاما ديمقراطيا شعبيا حقيقيا هو الذى حكم عملية الاستفتاء تماما مثلما أقامت نظام حكم مجتمع ميدان التحرير إبان أيام الثورة حتى يوم إسقاط الرئيس. قد قمت برصد أداء المصريين طوال هذا اليوم التاريخى من خلال مشاركتى فى عملية التصويت وملاحظة الطوابير أمام لجان عديدة ومتابعة تغطية القنوات التليفزيونية المحلية والعالمية ليوم الاستفتاء ومن تحليل كل ما شاهدت اعتمادا على منهجية علم الاجتماع حاولت استخلاص مبادئ أو قواعد هذا النظام العرفى غير المكتوبة التى حرص الشعب على اتباعها وهى: 1 المشاركة السياسية واجب قومى يجسد الالتزام به الانتماء للوطن. وتجلى الالتزام بها فى حجم المشاركة غير المسبوقة من كل قطاعات المجتمع: النساء والرجال والشباب والشيوخ والمسلمون والمسيحيون وأهل الحضر والريف والبادية والمعارضون والمؤيدون والأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والجماعات المحظورة سابقا ومنظمات المجتمع المدنى مما لفت أنظار العالم وحظى بإعجابه. 2 المواطنة والوحدة الوطنية كما تجلت فى وجود الجميع بغض النظر عن العقيدة وبدون أى تمييز فى اللجان جنبا إلى جنب. 3 المساواة فى الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة والتى تجسدت فى الأعداد الهائلة من الفتيات والنساء المشاركات فى الاستفتاء جنبا إلى جنب مع الرجال. 4 احترام النظام والتى تجلت فى الانتظام فى طابورى الرجال والنساء أمام لجان الاستفتاء دون تزاحم كما كان يحدث سابقا وباحترام كامل للدور دون أى محاولة لتخطيه مهما بلغ طول الطابور ووقت الوقوف فيه. 5 المواطنون جميعا أمام القانون سواء والذى تجلى فى عدم السماح لأى شخص مهما كان مركزه بسلب أى مواطن حقه أو تخطيه وعندما حاول أحد المحافظين وزعيم احدى الجماعات استلاب دور الواقفين فى الطابور قوبل بالاحتجاج والرفض. 6 قبول واحترام الآخر والتى تجسدت فى خلو جميع طوابير الاستفتاء تقريبا من أى مشاحنات أو حتى مجادلات بين المؤيدين والرافضين للتعديلات فقد سلم كل فريق بحق الآخر فى إبداء رأيه ويلاحظ عدم خروج أى مظاهرات مؤيدة أو رافضة طوال يوم الاستفتاء. 7 الضبط الاجتماعى الذاتى دون فرضه من أجهزة الدولة. وقد تجسدت هذه القاعدة فى التزام كل المواطنين بالنظام وبالهدوء ولم تقع داخل وأمام اللجان أى مخالفات تستدعى تدخل الشرطة تماما كما كان الحال فى مجتمع ميدان التحرير أيام الثورة. 8 الحفاظ على البيئة وعلى الممتلكات العامة والتى تجلت فى حالة المناطق داخل وخارج لجان الاستفتاء فقد ظلت نظيفة طوال الوقت وخلت تماما من المخلفات ولم تحدث أى تلفيات. 9 احترام وتقدير ذوى الاحتياجات الخاصة وكبار السن وتقديم يد العون لهم. وقد بلغ بى وبزوجتى التأثر مداه عندما اتخذنا مكانينا فى آخر الطابور الطويل التزاما بالدور فجاءنا من الشباب من دعانا للدخول مباشرة تقديرا لكبر السن وهكذا فعلوا مع كل من كان طول الانتظار متعبا له ودون طلب منه. سمة حضارية راقية تتسم بها البلدان المتقدمة التى جعلتنا الثورة من بينها. 10 ابتسم فأنت فى مصر الثورة، مصر الكرامة، مصر الحرة. وأشهد كما يشهد غيرى أننى لم أر وجها عابسا فى كل الطوابير الطويلة وطوال ساعات الانتظار وفى الطريق إليها أو العودة منها. كانت الابتسامات التى تعبر عن الرضا عن النفس وعن الأحوال وعن الآمال العريضة والتفاؤل بالمستقبل تعلو جميع الوجوه. إن هذا النظام ليوم الاستفتاء الذى تمخضت عنه ثورة 25 يناير فى رأيى قد أهل مصر للانتقال إلى مصاف البلدان المتقدمة والراقية عن جدارة فما شاهدناه وشاهده العالم معنا من سلوكيات فى قمة التحضر يثبت ذلك ولا يقلل من عظمته ما صدر عن البعض من تصرفات تنتمى إلى حالة التخلف الحضارى التى كانت سائدة قبل الثورة والتى كانت تهدف إلى التأثير على تصويت المواطنين بإثارة النعرات وتزييف الوعى واستخدام العنف أحيانا. وإنى لعلى ثقة تامة بأن الثورة قادرة تماما على صياغة أحلام شعب مصر بمستقبل يسوده الرخاء والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتقنينها فى دستور جديد يضعه الشعب ويعتمده فى استفتاء حر آخر كما أننى على ثقة أيضا أن أحدا مهما كان لن ينجح أبدا فى تحويل مسار الثورة أو السطو على إنجازاتها أو إعادة مصر إلى الوراء.