بين ثورتين شهدتهما مصر ، ثورة 1952 وثورة 2011 ، يقف معمر القذافي كسؤال بدون إجابة ، حالة غريبة تستعصي على التفسير ، يشاء القدر أن يكون مولده ورحيله معلقا بأردية الثورات المصرية ، ثورة يوليو 1952 هى المرجعية التي منحت ثورة الفاتح شرعيتها ، و ناصر زعيم هيهات حاول الجميع أن يرفل في عباءته الرحبة ، يمكن القول أن حاجة ثورة الفاتح لحاضنة إقليمية في ثقل مصر لم تقل عن حاجة ناصر لحدث يبعث الشباب في ثورة يوليو ويجدد في عروقها الدفق الثوري المتجلط بعد سلسلة من الإخفاقات والسقوط بدءا من الانفصال عن سوريا ثم نكسة 1967 ، ووجد كلاهما ضالته في الأخر ، راح ناصر أستاذ الإستراتيجية يضفي على الثورة الليبية ما هو أكبر منها ، إلى حد أن اعتبر القذافي أمينا على العروبة وصدق القذافي ، ولأنه بالطبع ليس كذلك فقد ظل طوال 42 عاما يغرد خارج السرب ، ولم يستمر ناصر راعيا للعقيد فترة طويلة قبل أن يرحل مخلفا وراءه لمعمر سوى صورة عبد الناصر التي كتب له عليها " أنك تذكرني بشبابي" وحفنة من الشعارات الخاوية وأسم عبد الناصر الذي أطلقه القذافي على كل شيء كبير في ليبيا وربما هذا هو الفارق في الذكاء بين شخص كالسادات و القذافي فالأول أدرك صعوبة النجاح لشخص في إقناع الجماهير بمحاولة استحضار روح عبد الناصر ومواقفه ، ذلك أن لناصر كاريزمته الخاصة بينما انزلق الثاني راكضا خلف السراب و معتنقا في الوهم ، فلا مؤهلاته الشخصية كناصر ولا حجم ليبيا كمصر و من ثم صار مسخا كوميديا يثير الجدل والسخرية أينما حل ، بينما صنع السادات لنفسه لونا خاصا به وكاريزما مستقلة لأنه أراد أن يكون نفسه ، وإذا كانت ثورة 1952 هى الثورة التي يعتز بها القذافي ويعتبر نفسه امتدادا لها ، فأن ثورة 25 يناير 2011 جاءت لتضع نهاية مأساوية لزعيم ظل 42 عاما يبحث عن نفسه عربيا من خلال الشعارات وعالميا عبر المؤامرات و الإرهاب الدولي وإفريقيا عن طريق أهدار ثروة ليبيا و إنفاقها بسفه لمجرد أن يشعر أنه زعيم شعبي يهلل له العامة هنا أو هناك لقاء المال ولو أختار القذافي أن يكون هو ربما نجح في أن يكون زعيما محليا جيدا ، فمثلما ألهمت ثورة 1952 الليبيين ليقوموا بثورة 1969 ، فقد ألهمت ثورة 25 يناير 2011 الليبيين أيضا اليوم ليقوموا بثورة ضد العقيد لينتهي القذافي مثلما بدأ على يد ثورة مصرية ، ويشتعل موسم تحطيم الأصنام سخونة عندما يسقط أقدم الأصنام على أرض الواقع الجديد .