ارتبط الفن دائما بالأحداث السياسية والأوضاع الاجتماعية التي مرت بها مصر، خلال الفترة بين ثورة 23 يوليو 1952 إلى ثورة 25 يناير 2011، ويعتبر المسرح أول من تأثر بتلك الحقب السياسية، وتلاه الغناء والسينما، وأخيرا ظهرت الدراما (المسلسلات) في الأعوام السابقة، في الصورة السياسية بشكل ملحوظ. فيما يلي أهم ملامح الفن المصري بين ثورتين: السينما والمسرح.. وثورة 1952 وما بعدها منذ بداية الثورة الأولى 1952، ظهر المسرح معنيا بالصراعات السياسية وانعكاساتها على المجتمع، في صورة صراعات إنسانية لا تقل عنها خطورة، إلا أن ذلك المسرح الجديد (الواقعي) لم يجد تسامحا من السلطة، والتي كانت هي المعنية أساسا بالنقد، لذا لجأ الكتاب الواقعيون إلى الرمزية حينا، وعدم المباشرة أحيانا أخرى، وفيما يعرف ب"مسرح اللامعقول" كما عند توفيق الحكيم. وطالعتنا مسرحيات قوية، مثل "الناس اللي تحت" لنعمان عاشور، والتي أدتها فرقة المسرح الحر سنة 1956، و"ملك القطن"، و"الفرافير 1964" ليوسف أدريس، و"السبنسة 1966"، و"المحروسة 1965" لسعد الدين وهبة، وغيرها من المسرحيات التي كتبها عبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عبد الصبور، ولطفي الخولي، وألفريد فرج. وشهدت تلك الفترات الأفلام المعبرة عن رفض شعب مصر للاحتلال الأجنبي، ولفساد الحياة السياسية المصرية، كما في أفلام "القاهرة 30"، و"شيء في صدري"، "وفي بيتنا رجل"، و"السمان والخريف"، و"ثرثرة فوق النيل"، و"شيء من الخوف"، وغيرهم من كلاسيكيات السينما المصرية. ولم تخرج السينما عن الإطار الناقد للأوضاع السياسية، وبدأت السينما في طرح أفلام مهمة تعالج الأوضاع السياسية الداخلية، وتحديدا نظام الحكم، فهناك فيلم "العصفور" ليوسف شاهين والذي اعترضت الرقابة على عرضه لمهاجمته ثورة يوليو، وبالفعل لم يعرض الفيلم إلا بعد الانتهاء من تصويره بعامين كاملين، حيث عرض بعد حرب أكتوبر73. ثم "زائر الفجر" من بطولة ماجدة الخطيب وعزت العلايلي وسعيد صالح، والذي لم يكن فيلما سياسيا مباشرا، بقدر ما كان معالجة بوليسية غير واضحة، إلا أن المعاناة الفكرية والقلق الإنساني لبطلة الفيلم كان يوحي بأنها مطاردة سياسيا. أيضا فيلم "الكرنك" من إخراج علي بدرخان، وبطولة، نور الشريف وسعاد حسني وشويكار وفايز حلاوة، عن قصة نجيب محفوظ، والذي يعبر عن قمة النقد السياسي لنظام الثورة في عام 1952، وهناك فيلم "وراء الشمس" لمحمد راضي، وبطولة، نادية لطفي ورشدي أباظة ومحمد صبحي ومنى جبر وشكري سرحان، بالإضافة إلى فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" بطولة عادل إمام وعبد المنعم مدبولي، و"البريء" لعاطف الطيب، بطولة، أحمد زكي وممدوح عبد العليم. وشهدت السينما المصرية سلسلة من الأفلام السينمائية التي وجهت نقدها إلى فترة الانفتاح بعد حرب 1973، وهو ما تجسد في أفلام "الغول" من بطولة عادل إمام وفريد شوقى، وهو يحمل نفس الفكرة، التي دارت حولها فيلم "على من نطلق الرصاص"، بطولة، فردوس عبد الحميد عزت العلايلى وسعاد حسنى وجميل راتب، ونفس الفكرة التي قدمها هشام أبو النصر في فيلم "قهوة المواردي"، وكلها انطلقت من فكرة أن كل شيء يتغير إلى الأسوأ، ويأخذ الناس إلى جحيم البوتيكات، وغلاء الأسعار، وتحكم الفرد الواحد في مجموع الناس البسطاء. الأعمال الفنية في الألفية الجديدة.. وثورة 25 يناير: لعبت الدراما المسرحية والسينمائية مؤخرا دورا كبيرا فيما يمكن تسميته بالتحريض على التحرك ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، وأسهم في ذلك انتشار الفرق الشبابية الواعية والمخرجين الشبان الذين يملكون نظرة خاصة في الواقع المصري، فقد انتشرت المسرحيات السياسية الساخرة والجادة على حد سواء، وكان أبرزها مسرحية "الناس اللي في التالت" لأسامة أنور عكاشة، والتي أعادت لافتة "كامل العدد" مرة أخرى إلى شباك تذاكر المسرح القومي. ومن أبرز المسرحيات السياسية الساخرة مسرحية "قهوة سادة"، تمثيل طلبة مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية، وإخراج خالد جلال، والتي شهدت ولا زالت تلقى نجاحا كبيرا، حيث تعتبر صرخة ضاحكة على كل ما فقده المجتمع المصري من قيم. وأخذت السينما على عاتقها محاولة رصد الواقع الداخلي في مصر من تسلط وبطش لمراكز القوى السياسية أو الحزبية -على حد سواء- وجاء أبرزها فيلم "هي فوضى" ليوسف شاهين، و"العاصفة"، و"الريس عمر حرب" لخالد يوسف، والتي انتقدت الوضع السياسي الداخلي المصري بشدة، وأبرزت قوة وفساد بعض من القيادات السابقة في كثير من مناصب السلطة، و"حين ميسرة"، و"دكان شحاتة" و"كلمني..شكرا" لخالد يوسف، والذي ركز بصورة مكثفة على سكان مناطق العشوائيات وطرق معيشتهم. كما لم تفت مناقشة مشكلات الشباب المصري على السينما المصرية في أفلام، مثل "فيلم ثقافي"، و"ليلة سقوط بغداد" لمحمد أمين، و"رامي الاعتصامي"، وفيلمي "مواطن ومخبر وحرامي"، و"رسائل البحر" لداود عبد السيد. والمثير في الأمر، أن تم إنتاج عدة أفلام أخرى تناقش أوضاع المجتمع المصري في ظل أزمة السينما المادية، التي تأثرت بشكل واضح بالأزمة الاقتصادية العالمية، فالبنوك لم تعد سخية في تمويل المشاريع السينمائية، كما كانت قبل هذه الأزمة، كما أن القدرة الشرائية للجمهور تراجعت، ما أثر على الإقبال الجماهيري في دور العرض، وبالطبع لعبت القرصنة على الأفلام دورا إضافيا في زيادة حدة الأزمة. أفلام الديجيتال.. سينما الشباب والثورة توجه عدد من المخرجين السينمائيين إلى إنتاج الأفلام محدودة الميزانية، والاعتماد على كاميرات الديجيتال وتقنيات التحرير الرقمي كفيلم "هليوبوليس" لأحمد عبد الله، وهو ما جاء بالتزامن مع انتشار الأفلام القصيرة والتسجيلية، كفيلم "عين شمس" لإبراهيم البطوط، والذي فاز بجائزة أحسن فيلم في مهرجان تاورمينا في إيطاليا، وجائزة أحسن فيلم أول في مهرجان روتردام للأفلام العربية، وجائزة أحسن فيلم في مهرجان سان فرنسيسكو للفيلم العربي 2009. وقد استطاع فيلمان الاستحواذ على إعجاب النقاد والحصول على جوائز سينمائية مهمة خلال 2010، وهما فيلم "مايكروفون" ل أحمد عبد الله، الذي حصل على الجائزة الكبرى في الدورة الأخيرة من مهرجان قرطاج، وفيلم "حاوي" لإبراهيم البطوط، والذي حصل على جائزة مسابقة الأفلام العربية في الدورة الثانية من مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي في العاصمة القطرية. ثم جاء التحول من السينما إلى الدراما التليفزيونية في عام 2010، لتجاوز الأزمة المالية لصناع السينما، الذي ركزوا أيضا على نتائج الضغط الاقتصادي والكبت السياسي على القيم الاجتماعية، وهنا شاهدنا "مسلسل أهل كايرو" للسيناريست السينمائي بلال فضل، والتي تعرضت بشكل مباشر، للحياة السياسية المصرية، وظهرت المسلسلات التليفزيونية بطعم السينما، مثل "مسلسل الجماعة" للسيناريست السينمائي وحيد حامد. يتضح مما سبق، أن الفن في مصر بأركانه المختلفة سواء السينما والمسرح والدراما التليفزيونية، لعب دورا كبيرا في رصد الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي أسهمت بدورها في إحداث تحولات داخلية سياسية كبرى، بلغت ذروتها في ثورة 25 يناير.