من حق كل مصرى وكل عربى وكل حر أن يبتهج برحيل الكابوس الذى جثم على الصدور ثلاثين عاما ومن حوله جراد شره نهم راح يلتهم الأخضر واليابس فى أرضنا وسوف ينكشف الغطاء عن حجم الدمار والتخريب الذى خلفه حكم حسنى مبارك الذى لا أعرف له ميزة واحدة حيث جمع السوء من أطرافه على كل صعيد من العمالة لإسرائيل إلى معاداة العرب إلى التحريض على ضرب العراق إلى تزويد الانفصاليين فى جنوب السودان بالسلاح إلى التنازل عن كل الثوابت إيثارا لصالحه ولتوريث ولده المرفوض من كل الشعب رفضا ألقى فى القلوب حتى إنه كلما تقرب من الناس ازدادوا منه نفورا ليقينهم أنه لا ينتسب لهم بشعوره وحسه وولائه وأنه لا عاش همهم ولا حفل بهم إلا بقدر ما يهيئ له الطريق ليكمل مسيرة والده فى كتم أنفاسهم! كان يعلم أن الطريق إلى قلب واشنطن يمر بتل أبيب، فأفرط فى التقرب إلى الصهاينة وأغدق عليهم لا من ماله ونحن لا نعرف له مالا قبل الحكم وإنما من مال الناس حتى إنه باع الغاز لإسرائيل بأقل من نفقات استخراجه وبأقل مما يباع إلى المصريين. ولست بصدد إحصاء جرائم مبارك وعهده الأسود وقد كتبت فى عز طغيانه عن جرائم نظامه وهى بعد معلومة للقاصى والدانى. ولكن هناك أمر أحب أن أتعرض له الآن لكونه ملحا لا يحتمل تأخيرا وهو ما قيل عن مخرج (كريم ولائق لمبارك) وأنه لا يليق إهانته بعد ما قدم للوطن من خدمات فى الحرب والسلم على السواء وأن القوات المسلحة لا تقبل أن يهان أحد كبار رجالاتها! ولست مؤرخا عسكريا لأتناول دور مبارك فى الحرب ولكن لنسلم جدلا بأنه قام بدور مهم فيها، فهل حارب إسرائيل وحده؟ ألم يستشهد الألوف من خيرة شباب الوطن؟ ثم هل يجوز لكل من حارب وأبلى بلاء حسنا أن يفعل بالناس ما شاء دون أن يحاسب؟ وهل شفعت للمرحوم الفريق سعد الدين الشاذلى بطولاته وحالت دون أن يستقبله زبانية مبارك من الطائرة إلى السجن الحربى ليمضى عقوبة بحكم غيابى حتى إن مبارك رفض كل نداء للإفراج عنه بل رفض تنفيذ أحكام قضائية بالإفراج؟ وهل كان من حق عبدالعاطى صائد الدبابات أن يفعل ما شاء جزاء تدميره وحده ثلاثا وعشرين دبابة إسرائيلية؟ إننا نعرف أن شارل ديجول قاد فرنسا إلى التحرر من الاحتلال النازى ونعرف دور ونستون تشرشل فى الحرب العالمية الثانية ونعرف دور غاندى فى تحرير الهند ونيلسون مانديلا فى تحرير شعبه فى جنوب أفريقيا ونعرف ما لا يحصى من الزعماء ممن قدموا لبلادهم أعظم مما قدم مبارك على فرض صحة ما يقال عن دوره فى الحرب، فهل كان من حق أى هؤلاء أن يمسك برقاب شعبه ثلاثين عاما ويسلط عليهم اللصوص ومصاصى الدماء ليستحلوا حرياتهم وأموالهم وأحيانا أعراضهم وحتى حياتهم؟ هل سرق غاندى مال الهند أو ترك الحبل على الغارب لقطاع الطرق لهبة مقدراتها للأقارب والأصهار؟ وهل يملك مانديلا قصورا منيفة فى أجمل بقاع الأرض من دم شعبه؟ وهل أطلق ديجول عصابات النهب المصابة بالسعار على الفرنسيين؟ إن أسوأ ما يمكن أن يقع لأمة أن ينادى فيها بالعفو حين يجب القصاص. ولم ينسب لمبارك كما نشر فى صحف لها وزن عالمى الاستيلاء على المال العام فقط، وإنما هناك أدلة متواترة على دوره فى إراقة دم الشهداء الذين قتلوا بجريرة أنهم قالوا ربنا الله ولم يكن أيهم يحمل عصا ولا قشة يهدد بها الطاغية وجوقة اللصوص. والمتابع لمشهد الثورة يجد أن مبارك قد قبع من يوم قيامها فى الخامس والعشرين من يناير مراهنا على وحشه الذى أنفق على تسمينه مال المصريين، وجلس يرقب مطمئنا إلى النتيجة سلفا، وكان يأمل أن يقتل بضع مئات ثم يفر الباقون وفى الليل يخرج هو ومن حوله قطاع الطرق والسفاحون ليقول وسط هتافهم بحياته كلماته المملة البليدة عن عدم سماحه بهز الاستقرار والحفاظ على مكاسب الشعب، والتزم الصمت وأطلق يد وزير الداخلية ليفعل بالناس الأفاعيل حسبما نسب إلى الوزير السابق مما نقل عنه، ومرت أربعة أيام، وتبين خيبة الوحش وخواؤه وتفاهته وحاجته إلى من يحميه من غضب المقهورين وهم قبل كل شىء أصحاب عقيدة ومبدأ والوحش بلا ضمير ولا عقيدة ولا شرف، فلما انهار الوحش ومسخ فأرا ذليلا خرج مبارك على الناس ليتكلم عن تغيير الوزارة وكأن شيئا لم يقع! لم يسع المصريون إلى إهدار كرامة مبارك وإنما أهدر هو كرامته وأى كرامة لمن ينسب إليه نهب مال الناس ظلما وعدوانا؟ ثم وهذا هو الأهم هل كرامة مبارك فوق دم الشهداء؟ وهل هى فوق ألم الثكالى وأنات الأرامل ممن فقدن الأعزة على يد مجرمى النظام؟ وهل يجوز أن نسأل وزير الداخلية وهو فرع من الأذناب ثم نترك الرأس؟ وأى عدالة تلك تحاسب التابع وتترك الأصل؟ ولا يقولن قائل إن الرجل بلغ من العمر أرذله ومن اللائق أن يترك ليمضى ما بقى من عمره دون ملاحقة، ونحن لا نعرف عدلا يفرق بين الناس بسبب السن ثم ألم يكن يرى أنه لائق لحكم دولة بحجم مصر ومسئول عن سياستها فكيف إذن لا يسأل عما ينسب إليه من جرائم؟ أقول فى جلاء وحزم ويقين إن لم نحاكم الرأس فإن علينا أن نترك جميع أركانه ليعيشوا كما يعيش هو فى رفاهية من دم المصريين، إما عدالة معصوبة العينين لا تفرق بين مجرم وآخر وإما إفلات الجميع، وأنا موقن أنه ليس على أرض مصر إنسان واحد يقبل إفلات المجرمين من العقاب بدءا من البلطجى المأجور وانتهاء بأكابر المجرمين ومصاصى الدماء!