نتيجة تنسيق المرحلة الثانية نظام قديم أدبى.. حسب مجموعك اعرف كليتك    تحقيق الأمن المائي الأبرز.. 3 ملفات مهمة تتصدر القمة المصرية الأوغندية بالاتحادية    جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تكرم المشاركين في ملتقى القادة الأول    استئناف الدعاية للمرشحين بجولة الإعادة لانتخابات الشيوخ اليوم    الإسكان: بدء تلقي طلبات مستأجري الإيجار القديم للوحدات البديلة أكتوبر المقبل    أسعار الأسماك بسوق العبور اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    أول هبوط في سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 12-8-2025 صباحًا    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    محافظ الإسماعيلية يوجه بوقف مهام عمال النظافة خلال ذروة الموجة الحارة    تحرك الفوج الخامس من قافلة المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة    3 شهداء و7 مصابين في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع المساعدات بالبريج وسط غزة    مادونا في نداء عاجل للبابا: تعال إلى غزة.. كأم لا أستطيع تحمل معاناة الأطفال هناك    3 شهداء و7 إصابات برصاص الاحتلال قرب نقطة توزيع المساعدات وسط القطاع    زاد العزة.. قافلة المساعدات المصرية ال 13 تنطلق إلى غزة    عبدالرحيم علي ينعى وزير التموين السابق علي مصيلحي    مهمة لمنتخب السلة.. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء    تنطلق الخميس.. مواعيد مباريات الجولة الثانية من بطولة الدوري المصري    مصرع وإصابة 18 شخصًا إثر انقلاب سيارة ربع نقل في أسوان    فيديو.. الأرصاد تحذر من ارتفاع الحرارة خلال الأيام المقبلة: العظمى تصل إلى 49    31 رحلة يومياً.. تعرف على جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    انتظام امتحانات الدور الثاني للدبلومات الفنية في يومها الرابع بالغربية    الأربعاء.. القومي لثقافة الطفل يقدم أوبريت وفاء النيل على مسرح معهد الموسيقى العربية    14 أغسطس.. تامر عاشور يحيي حفلًا غنائيًا في العلمين الجديدة    محافظة الجيزة تنظم قافلة طبية متخصصة في أمراض العيون بمدينة الصف    وزير الصحة يناقش فرص تدريب الكوادر الطبية المصرية في السويد وإمكانية تصدير الأدوية إلى لاتفيا    لجان ميدانية لمتابعة منظومة العمل بالوحدات الصحية ورصد المعوقات بالإسكندرية (صور)    ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما    مؤشرات تنسيق المرحلة الثانية، الحدود الدنيا للشعبة الأدبية نظام قديم    بمشاركة أبطال من الجزء الأول، نجوم "وتر حساس 2" يواصلون تصوير المسلسل    انخفاض الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    "5 أشقاء وسر مع والدته".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة محمد الشناوي حارس الأهلي    مصرع مندوب أدوية غرقًا بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    إصابة 30 شخصا إثر حادث تصادم بين أتوبيس ركاب وسيارة نصف نقل على طريق أسيوط -البحر الأحمر    «هلاعبك وحقك عليا!».. تعليق ناري من شوبير بشأن رسالة ريبيرو لنجم الأهلي    بعد خروجه من حسابات يانيك فيريرا.. جون إدوارد يتحرك لتسويق نجم الزمالك (تفاصيل)    أسعار الذهب اليوم في السعوديه وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 12 أغسطس 2025    نتيجة تنسيق المرحلة الثانية علمي علوم.. رابط مباشر    4 أبراج «في الحب زي المغناطيس».. يجذبون المعجبين بسهولة وأحلامهم تتحول لواقع    بالصور.. أحدث جلسة تصوير ل آمال ماهر في الساحل الشمالي    من شرفة بالدقي إلى الزواج بعد 30 عاما.. محمد سعيد محفوظ: لأول مرة أجد نفسي بطلا في قصة عاطفية    24 صورة لنجوم الفن بالعرض الخاص ل"درويش" على السجادة الحمراء    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    مبلغ ضخم، كم سيدفع الهلال السعودي لمهاجمه ميتروفيتش لفسخ عقده؟    الخارجية الروسية: نأمل في أن يساعد لقاء بوتين مع ترامب في تطبيع العلاقات    تحارب الألم والتيبس.. مشروبات صيفية مفيدة لمرضى التهاب المفاصل    موعد مباراة بايرن ميونخ وجراسهوبر زيورخ الودية والقناة الناقلة    فاركو: ياسين مرعي سيصنع تاريخا مع الأهلي    قرار هام بشأن البلوجر لوشا لنشره محتوى منافي للآداب    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    واجهة المكتبات «ظل الأفعى» فن استرضاء الزوجة.. و«عطية وموسوليني»: «عكننة وضحك ودموع»    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدل الحدث التونسى وأجراسه
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 01 - 2011

نُعذر إذا لم نستطع أن نغادر الحدث التونسى، ليس فقط لأنه استثنائى وتاريخى فى العالم العربى، وليس فقط لأنه أحيا فينا أملا ظننا أن تحقيقه يحتاج إلى معجزة، ولكن أيضا لأن تفاعلاته المثيرة مستمرة منذ أكثر من شهر ورسائله تتدفق بغير انقطاع وأجراسه ترن طوال الوقت.
(1)
حتى الآن الشارع هو البطل الحقيقى، هو الذى أطلق الثورة، وهو الذى أجهض محاولة الالتفاف عليها، وهو الذى لايزال مصرا على تحدى الحزب الذى احتكر السلطة واختطف البلاد بعد زوال الاحتلال الفرنسى فى عام 1956.
أما كيف أطلق الثورة فقد بات ذلك معلوما لدى الكافة. أما قطعه الطريق على محاولة الالتفاف على الثورة واختطافها بدورها. فقد تبدى حين خرجت الجماهير معربة عن غضبها بعد إعلان تشكيل الحكومة، التى ظل على رأسها أحد رجال نظام بن على، فى حين استولى رجال الرئيس وأعضاء حزب التجمع الدستورى الحاكم على الوزارات السيادية فيها (الداخلية والدفاع والمالية والخارجية)، الأمر الذى جاء مؤكدا على أن الديكتاتور رحل حقا لكن نظامه ثابت القدم كما هو.
الجماهير لم تنطلِ عليها الحيلة. ولم تقتنع بأن رحيل الديكتاتور وتشكيل حكومة جديدة تضم بعض قيادات المعارضة المدجنة يعنى طى صفحة الديكتاتورية. ولم تصدق شعار القطيعة مع الماضى الذى رفعه رئيس الوزراء وآخرون من قيادات التجمع الدستورى. وسمعنا أناسا عاديين يقولون لمراسلى الفضائيات العربية إنه لا يعقل أن يكون أعوان الطاغية وأركان الاستبداد أنفسهم دعائم الانتقال إلى المرحلة الديمقراطية، وأن القطيعة الحقيقية يجب أن تتم مع الحزب الفاشى الذى ظل ركيزة النظام الديكتاتورى طوال العقود التى خلت.
غضبت الجماهير لمجرد وجود ممثلى الحزب الدستورى فى الحكومة. وكان مطلبها صريحا فى ضرورة إخراجهم منها. وعبرت عن ذلك المطلب بطرق سلمية ومتحضرة. فبقيت فى الشارع لم تغادره. واحتل بعضهم عددا من مقار الحزب وانتزعوا لافتاته. وفى بلدان أخرى فإن هذه الرسالة كانت توجه بأساليب أخرى، عبر إسالة الدماء والفتك برموز القمع والاستبداد. لكن ذلك لم يحدث، وإنما مارس ذلك الحضور ضغطا قويا على النقابات والقوى الوطنية، التى تبنت مطالب الجماهير الواقفة فى الشارع. وكانت استقالة أربعة من الوزراء يمثلون التيار الوطنى عنصرا ضاغطا أسهم فى إحراج الحكومة واهتزاز صورتها. وحتى كتابة هذه السطور فإن مأزق الحكومة لايزال مستمرا. حيث الجماهير مازالت تعرب عن احتجاجها فى الشارع. والحزب الدستورى يخوض معركته الأخيرة فى الدفاع عن هيمنته وسلطانه.
(2)
إذا كنا قد رأينا مشهد الشارع كاملا، فإنه لم يتح لنا أن نتابع ما يجرى فى السراديب لست أعنى ما يحيكه أركان نظام بن على من حيل وألاعيب للحفاظ على قبضته، ولكن أعنى دور القوى الخارجية التى فوجئت بما جرى وأقلقها السقوط السريع للنظام، وما يمكن أن يترتب على ذلك فى المستقبل. إذاً ليس سرا أن ثمة تنافسا صامتا بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حول النفوذ فى دول المغرب العربى. وهذا التنافس مشهود فى جميع تلك الدول بغير استثناء. إذ لكل منهما رجاله وأدواته. خصوصا فى أوساط القوات المسلحة، التى تعد على رأس قوى التغيير والتأثير. إذ يتحدث المتابعون للشأن الموريتانى مثلا عن أن فرنسا كانت وراء سيطرة الرئيس الحالى على السلطة، ويشيرون إلى أن بعض قوى المعارضة لجأوا إلى الولايات المتحدة لمقاومة نظامه. وليس سرا أن الولايات المتحدة كانت وراء استيلاء « زين العابدين بن على» على السلطة فى تونس عام 1987. لكن فرنسا لم تغب مع ذلك عن الساحة. وقد بات معروفا أن وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل اليومارى عرضت تدريب الشرطة التونسية فى بداية الانتفاضة لقمع المتظاهرين. وتحدثت وسائل الإعلام عن اتصالات ملحة كان يجريها أثناء الثورة النائب اليمينى الفرنسى إريك راءول بالنظام السابق للتحذير من إتاحة الفرصة للإسلاميين فى ظل الوضع المستجد. أيضا لم تغب الولايات المتحدة عن متابعة المشهد، ففى حين أعرب الرئيس أوباما عن تقديره لشجاعة الشعب التونسى، فإن كبير مستشاريه الأمنيين سارع إلى الذهاب إلى الجزائر لكى يكون قريبا من الأحداث فى تونس، وقيل إنه نقل رسالة أيدت إجراء انتخابات حرة ونزيهة هناك، مشترطا عدم تمكين الإسلاميين من الوصول إلى السلطة.
(3)
أصبحت مشاركة الإسلاميين فى العمل السياسى أحد العناوين المثيرة للغط، محليا وإقليميا ودوليا. والإسلاميون المعنيون هم بالدرجة الأولى حركة النهضة (أول مكتب سياسى لها تشكل فى عام 1981)، ويقودها الشيخ راشد الغنوشى الذى اختار لندن منفى له.
أما كوادر الحركة فقد توزعوا بين المنافى والسجون التونسية. والذين تابعوا أدبيات ومواقف الحركة منذ إنشائها أدركوا فى وقت مبكر أنها قدمت نموذجا فكريا منفتحا ومتقدما على كثير من الحركات الأخرى. وهذا النموذج كان ملهما لحزب العدالة والتنمية الذى تشكل بالمغرب فى وقت لاحق، وهو الاسم الذى اقتبسه الفريق الذى خرج من عباءة حزب الرفاه الإسلامى فى تركيا تحت قيادة الأستاذ نجم الدين أربكان، وشكلوا فى عام 2000 حزبا بذات الاسم الذى عرف فى المغرب. وكان فى مقدمة قادته عبدالله جول رئيس الجمهورية الحالى ورجب طيب أردوغان رئيس الوزراء.
فى تونس كما فى مصر كان هناك حزب مهيمن وأحزاب أخرى محظوظة ومرضى عنها، وظلت تستخدم فى إحكام الديكور الديمقراطى، وأحزاب أخرى محظورة ليس مرضيا عنها كان بينها حزب النهضة والحزب الشيوعى، وأحزاب معارضة أخرى. ولأن النظام كان علمانيا قحًا، فإنه استقطب المتطرفين من العلمانيين والشيوعيين، الذين كانوا ولايزالوا فى الوقت الراهن يدعون إلى إقصاء حزب النهضة ويخوفون من العودة المرتقبة للشيخ راشد الغنوشى من لندن.
هذه الدوائر عبرت عن مخاوفها حين قررت الحكومة التونسية فتح الأبواب على مصاريعها للتعددية الحزبية، كما أطلقت سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين، وأعدت مشروعا للعفو عن المحكوم عليهم ومنهم المقيمون فى المنافى، مما يعنى إضفاء الشرعية القانونية على نشاط الأحزاب المحظورة، وفى المقدمة منها حركة النهضة والحزب الشيوعى. إلا أن حركة النهضة لاتزال الوحيدة التى تقف فى حلق الجميع. من نظام زين العابدين بن على إلى المتطرفين من العلمانيين والشيوعيين، إلى الفرنسيين والأمريكان والإسرائيليين.
دعوة استثناء «النهضة» تتعذر الاستجابة إليها من جانب الحكومة الجديدة، أولا لأن حركة النهضة قدمت طوال الوقت نموذجا فكريا وسياسيا وسطيا ومعتدلا للغاية، وثانيا لأنها ظلت طوال عهد بن على تتحرك فى إطار تحالف وطنى مع الأحزاب الأخرى التى اطمأنت إليها ووثقت فى مواقفها وهو ما دعا عقلاء العلمانيين والشوعيين إلى المطالبة بعدم استثنائها. وثالثا لأنه كان من الصعب على حكومة وعدت بإطلاق الحريات والالتزام بقيم الديمقراطية أن تجيز كل الأحزاب فى حين تستمر فى حظر حركة النهضة وإقصائها.
ما يثير الانتباه فى التوافق بين تلك الأطراف على المطالبة بحظر النهضة أنها فى هذا الموضوع بالذات تناست تناقضاتها، واعتبرت أن تناقضها الرئيسى مع الحركة، ولم يعرف ما إذا كان ذلك تصفية لحسابات أو دفاعا عن الذات، أو غيرة على مصالح غربية وإسرائيلية يمكن أن يتهددها وجود حزب إسلامى فى الساحة السياسية. يثير الانتباه أيضا أن الأطراف المختلفة دأبت على التخويف من تحول النهضة إلى نموذج لطالبان و استنساخ للنظام الإيرانى. ولم يخطر على بال أحد أن يراجع سجلها ليدرك أنها أقرب فى عقلها السياسى إلى حزب العدالة والتنمية فى تركيا.
(4)
اللغط مثار أيضا حول عنوانين آخرين، أولهما يتعلق بعبرة ما جرى فى تونس، والثانى حول القواسم المشتركة بين الوضع التونسى وبين نظائره فى العالم العربى.
العنوان الأول أفاض فيه كثيرون ممن اجتهدوا فى قراءة الحدث واستخلاص دروسه التى يتعين على الآخرين استيعابها وليس لدىَّ ما أضيفه إلى تلك الخلاصات، إلا أننى لا أستطيع أن أقاوم التذكير بعدة رسائل تلقيناها من الحدث التونسى تتمثل فيما يلى:
● أن منظر الرئيس بن على فى آخر خطاب له يقنعنا بأن الطغاة والمستبدين ليسوا بالقوة التى نتصورها. إذ نبهنا إلى أنهم أقوياء فقط بسلاح الجند الذى يحرسهم وأجهزة القمع التى تسحق معارضيهم. فيما عدا ذلك فهم مهزومون ومتخاذلون. وإذا كان المشهد التونسى قد بين لنا أنهم أضعف مما نتصور، فإنه أيضا أكد لنا أن الشعوب أقوى مما تتصور.
● إن احتكار السلطة حين يتحول إلى هدف بحد ذاته، فإنه يدفع المستبد إلى القبول بالتلون والتقلب بين مختلف المبادئ والاتجاهات، طالما كفل له ذلك أن يبقى فى موقعه. إذ يبدى استعدادا للانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية والليبرالية ولا مانع لديه من التحول إلى الثيوقراطية، ومن القومية إلى الكونية والقطرية، ومن النقيض إلى النقيض. وليس مهما الثمن الذى يدفع أو ما يستصحبه ذلك من مهانة. لأن الأهم أن يؤدى إلى تثبيت البقاء فى المنصب واستمرار القبض على هيلمان الملك.
● إن الحديث عن الرخاء، والنمو الاقتصادى لا ينبغى الترحيب به إلا إذا عرفنا من المستفيد منه، وهل تذهب عائداته إلى الذين اختطفوا البلد وسرقوه، أم إلى أصحاب البلد وشعبه الكادح. وما جرى فى تونس يفتح أعيننا على تلك الحقيقة، لأننا اكتشفنا أن «معجزته الاقتصادية» التى تحدث عنها الرئيس السابق جاك شيراك جنى ثمارها الأثرياء وأفراد العصابة الحاكمة، وكان الفتات هو نصيب المجتمع وحظه.
●إن أجهزة الأمن حين تتوحد مع النظام المستبد وتصبح سوطه وسجانه ويده الباطشة، تتحول من مؤسسة تحرس المجتمع وتسهر على أمنه إلى مؤسسة تسحق المجتمع وتعاديه. وحين أحرق المتظاهرون فى تونس غطاء رأس لضابط الشرطة، وحين تظاهروا أمام وزارة الداخلية، فإنهم كانوا يعبرون عن شعور المرارة والسخط إزاء الدور القذر الذى قام به رجال الشرطة لصالح النظام. ومن الواضح أنهم أدركوا أخيرا مدى رفض الناس لهم، حتى إنهم خرجوا فى مظاهرات بالعاصمة حملت لافتات تقول: أبرياء أبرياء من دم الشهداء.
إن الأنظمة السلطوية حين تمعن فى إحكام الانسداد السياسى وتغلق أفق المستقبل فى وجوه الجميع، فإن لغة الشارع وخروج الجماهير إليه تصبح الخيار الوحيد أمام الضائقين بالاستبداد، والراغبين فى تخليص المجتمع من براثنه. وأية تداعيات تترتب على ذلك يتحمل مسئوليتها الذين صنعوا الأزمة وليس ضحاياها.
الذين يرفضون الاعتبار من الحدث، ومن ثم يرفضون تسلم رسائله، هم أنفسهم الذين ما برحوا يروجون للزعم القائل بأن تونس حالة خاصة ليس لها مثيل فى العالم العربى، ليطمئنوا أنفسهم على مصيرهم، وإن ادعوا أنهم يطمئنون الناس والنظام. وهو زعم انتقدته فى موضع آخر. ولاحظت أن كتابات الصحف القومية فى مصر هى الوحيدة التى تتبناه وتروج له، فى حين أن الإعلام الخارجى يعتبر أن التشابه مع مصر بالذات أمر مفروغ منه ومسلم به. وحين سألنى أحد المراسلين الأمريكيين عن أوجه الشبه بين مصر وتونس والجزائر. قلت إن بينها أربعة قواسم مشتركة على الأقل هى: استمرار احتكار السلطة انتشار الفساد التغريب وفقدان الهوية الدوران فى فلك السياسة الأمريكية. وهى أمور يطول فيها الحديث ويضيق بها المكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.