يمثل يوم الأول من يناير نهاية عصر في البرازيل، حيث يسلم لويز إناسيو لولا دا سيلفا، أول رئيس للبلاد ينحدر من الطبقة العاملة، السلطة إلى خليفته التي اختارها ديلما روسيف، وهي أول امرأة ترأس البلاد. ونظريًّا، فإن ذلك دليل على أنه رغم وجود حواجز يتعين التغلب عليها في الدولة ذات الثقل بأمريكا الجنوبية، فإن إرادة التغلب عليها قوية. فبعد ثماني سنوات في الحكم، يعتبر لولا على نطاق واسع شخصية محورية في تاريخ البرازيل: فهو الرجل الذي رفع مستويات معيشة الكثير، وبرز على المسرح الدولي باعتباره مؤيدًا لحقوق الدول الناشئة، ورجل دولة يستمع إليه العالم. وقال الروائى البرازيلي باولو لينس، والذي تحولت إحدى رواياته عام 2002 إلى فيلم ناجح عالميا: "إن لولا أفضل رئيس برازيلي في التاريخ، لأنه حارب الفقر بإخلاص كبير". وأضاف لينس الذي هو نفسه ولد في حي عشوائى فقير: "الآن بلادي بها طبقة متوسطة لم تكن موجودة من قبل". وقال: "ما أريده من أعماق قلبي هو أن تتبع الرئيسة الجديدة نفس السبيل، وتزيد من عمق العمل الاجتماعي للحكومة السابقة". وكان لولا يمثل إلهاما لملايين البرازيليين. فهو ولد فقيرًا في شمال شرق البرازيل، وفقد إصبعه أثناء عمله بأحد المصانع، وأصبح زعيما نقابيا، وفي نهاية المطاف رئيسا لبرازيل، وواحدا من أكثر الزعماء المحترمين في العالم . وجسدت أعماله السياسية قصة حياة، حيث سعى لتمكين الفقراء وتقوية السوق الداخلية لتحمي بشكل جزئي البرازيل من الصدمات الخارجية، مثل الأزمة المالية العالمية الحادة في السنوات الأخيرة. وفي حين أنه تمتع بشعبية جارفة، فإنه منع قانونيا من محاولة الترشح لفترة رئاسة ثالثة على التوالي في منصبه. وقال ذات مرة: "بمجرد أن تترك منصب رئاسة الجمهورية، فإنك تحتاج أن تكون هادئا". وبالتأكيد سوف يفتقد البرازيليون لولا، رغم إنه لا يزال من غير الواضح المدة التي سوف يبتعد فيها عن الحياة السياسية الداخلية. وقد رفض عرضا بأن يكون الأمين العام لاتحاد دول أمريكا الجنوبية ليخلف الرئيس الأرجنتيني السابق نيستور كيرشنر بعد وفاته في 27 أكتوبر. ولكنه يؤكد أنه سوف يواصل "العمل السياسي" رغم تأكيده أنه لن يشارك بشكل مباشر في حكومة روسيف. وقال: "ليس هناك فرصة، مهما تكن، لرئيس سابق بأن يكون جزءًا من أي حكومة؟ وسوف تحتاج ديلما إلى تشكيل حكومة تعبر عنها". ويبدو في الواقع أن التحدي الحقيقي لروسيف -اعتبارا من الأول من يناير- الانسحاب من ظلال معلمها، وهي كبيرة بكل المقاييس، وصنع اسم حقيقي لها. فقد عملت رئيسة لطاقم العاملين مع لولا، وتعرف ديناميكيات الرئاسة. ولكن من الواضح أنها تفتقد الصفات القيادية (الكاريزما) التي يتمتع بها لولا. ويتعين الانتظار لمعرفة مدى قدرتها على قيادة مصير ثامن أكبر اقتصاد في العالم يشهده الجميع. وفي ظل لولا قامت البرازيل بتطوير ثقتها بنفسها وحملة حولت البلاد إلى مكان مفضل للمستثمرين في العالم، ويزيد على ذلك ما وضح في قرارات بتنظيمها بطولة كأس العالم لعام 2014 والأولمبياد لعام 2016. وفي حين أن قوة الدفع هذه قد يثبت أنها من الصعب استمرارها، فإن روسيف سيكون أمامها فترة حكم أربع سنوات وأغلبية في مجلسي الكونجرس (البرلمان) لتثبت جدارتها وتطوير رؤيتها من أجل برازيل أفضل. وقالت روسيف في أول خطاب لها كرئيس منتخب: "إن مهمة خلافة لولا أمر صعب، وتشكل تحديا. ولكنني سوف أعرف كيف أحترم ميراثه. وسوف أعرف كيفية تعزيز عمله والبناء عليه". فقد جعل لولا من الفقراء قوة يعتمد عليها. وتأمل روسيف من جانبها أن يكون بروزها على قمة السياسة البرازيلية نموذجا يمكن أن تقلده النساء في مناحي الحياة كافة. وعلاوة على ذلك، تعهدت بأن تظل ملتزمة باجتثاث الفقر داخليا وتحرير التجارة خارجيا. وأكدت أن وزير مالية لولا جيدو مانتيجا من بين وزراء آخرين سيستمرون معها، ويبدو أنها مصممة على ألا تعاقب من كان يعمل بشكل جيد. وفي حالة وقوعها في أزمة تعرف ماذا ستفعل. وقالت روسيف: "سوف أقرع باب لولا كثيرًا، وأنا متأكدة بأنني سأجد بابه مفتوحا دائما".