يعد فريق برشلونة أشهر فرق كرة قدم فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين. ولم يفز برشلونة بهذا التقدير العالمى لأنه يجمع الألقاب كما يشاء، ولكن هذا الاحترام يعود إلى اسلوب الفريق الكتالونى الذى يعد امتدادا لاسلوب منتخب إسبانيا، وهو ما يجعل العقد إسبانيًا، ويجعل الاسلوب بمثابة صيحة جديدة فى عالم الكرة.. فإذا كانت الكرة الشاملة اندثرت مع جيل هولندا العظيم فى عامى 1974 و1978، وهو ما أكده لى التوءم الشهير ويلى ورينى ديركيركوف فى لقاء خاص جمع بيننا عام 1980 فى أوروجواى أثناء بطولة الموندياليتو.. فإن برشلونة يقدم الآن كرة شاملة مختلفة ومتطورة، وجوهر الخلاف بين الكرتين يكشف كيف تطورت اللعبة فى 30 عاما وكيف قفزت فى السنوات العشر الأولى من هذا القرن. Tiki Taka «تيكى تاكا» هو أسلوب لعب برشلونة ومنتخب إسبانيا المعروف منذ سنوات، ويقوم على التمرير القصير والتحرك فتمضى الكرة فى عدة قنوات خلال اللعب. والاحتفاظ بالكرة، وهو أسلوب لعب برشلونة والمنتخب وهو تحت قيادة لويس أراجونيس وفينيستى ديل بوسكى، والشعار واحد، استقبل الكرة، مررها، وتحرك.. واستخدم منتخب إسبانيا هذا الأسلوب فى بطولة أوروبا 2008 التى فاز بها وفى كأس العالم 2010 أيضا. كما أحرز بها فريق برشلونة ألقاب جميع البطولات التى شارك بها عام 2009 ففاز ب6 بطولات وهو الفريق الوحيد الذى حقق ذلك. وهذا الأسلوب يعد تطويرا للكرة الشاملة التى قدمها فريق أياكس أمستردام فى مطلع السبعينيات ثم منتخب هولندا فى مونديال 1974، واخترعها رينولز ميتشيلز مدرب أياكس ثم برشلونة فيما بعد وهو الذى وضع لبنة الأسلوب الحالى الذى يلعب به الفريق الكاتالونى.. ففى الكرة الشاملة كان جوهر الأسلوب أن يتبادل اللاعبون مراكزهم. وفى أسلوب «تيكى تاكا» تتحرك الكرة ويتبادلها اللاعبون. وهذا الأسلوب سمح للإسبان بالسيطرة على مراكز اللعب وعلى الخصم.. وفى الكرة الشاملة كان ميتشيلز يرى أن أى لاعب يستطيع أن يقوم بدور أى لاعب آخر.. وقبل لقاء إسبانياوهولندا فى نهائى كأس العالم بجنوب أفريقيا قالت صحيفة ديلى تيلجراف الإنجليزية: «إنها مباراة بين التنظيم الهولندى.. وبين أسلوب «تيكى تاكا» الإسبانى». وهذا الأسلوب اخترعه المعلق الإسبانى الشهير أندرياس مونتيس، وكان يصنع خلال تعليقه شكلا من أشكال الإيقاع على مباريات كأس العالم 2006 لقناة لا سيكستا الإسبانية (LaSexsta). وتحديدا أثناء مباراة تونسوإسبانيا، حيث قال المعلق وأضطر هنا إلى استعمال النص الإسبانى وصياغته بالعربية لمزيد من التوضيح: Estamos tocando tiki taka tiki taka «إستاموس تاكوندو تيكى تاكا تيكى تاكا» واستخدم أندرياس مونتيس هذا التعليق للتعبير عن دقة وبراعة تمريرات الفريق الإسبانى، وهو ربما أشتق التعبير من صوت شبيه من هذا الصوت الذى يصدر من لعبة مثل البندول يضرب فيها حجران بعضهما ويصنعا الصوت (تيكى تاكا) هو يشبه لعبة إنجليزية معروفة منذ السبعينيات واسمها كلارك.. وكرر أندرياس مونتيس هذا التشبيه فى مباريات إسبانيا أثناء كأس الأمم الأوروبية عام 2008 التى فاز بها الإسبان، وأصبح مرادفا مشهورا لتبادل الفريق للكرة بتمريرات قصيرة.. والواقع أن تيكى تاكا كأسلوب اعتمده فريق برشلونة نسبيا منذ كان يقوده يوهان كرويف، واستمر مع الهولندى فان جال ثم فرانك رايكارد. ولاحظ أن كرويف لعب تحت قيادة ميتشيلز، وأن رايكارد لعب تحت قيادة كرويف، وهم جميعا من خريجى مدرسة أياكس أمستردام التى خرج منها أسلوب الكرة الشاملة.. ولكن هذا الأسلوب، الذى يلعب به فريق برشلونة، ويقضى بكثرة تبادل الكرة، ابتدعته مدرسة برشلونة خصيصا لصغر حجم لاعبى الفريق فى مواجهة القوة والطول فى الفرق الأوروبية الأخرى.. وعندما توافرت للفريق المواهب القادرة على التطبيق البارع، كما كان الحال مع أياكس ومع هولندا، لمع أسلوب «تيكى تاكا» بشدة وبات حديث العالم فى نهايات هذا العقد.. وليس من قبيل المبالغة أن نذكركم بذكاء الثعالب فى مواجهة الأسود، وهو الأسلوب الذى استخدمه منتخب مصر فى مباريات كأس الأمم الأفريقية 2008 ثم 2010 وكيف كان التمرير الكثير من أهم أسلحة الفريق كما كان أسلحة الأهلى فى عام 2006 وهو تحت قيادة مانويل جوزيه.. الكرة الإسبانية هى كرة العقد، وبرشلونة هو فريق العقد، وليونيل ميسى دون شك هو لاعب العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.. وينقص ميسى الفوز بكأس العالم كى يتجاوز مارادونا ويصبح اللاعب الأهم فى تاريخ الأرجنتين وربما فى تاريخ اللعبة.. وقد تكاثرت الألقاب والصفات، كما جاء فى تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، منذ فترة، لكن وصف ميسى ب«البعوضة» قد يكون الأطرف، لانه كالبعوضة لا يكل ولا يتعب، ويبقى الكرة ملتصقة بقدمه اليسرى العجيبة، وفى عام 2007 وفى نصف نهائى مسابقة الكأس، سجل ميسى فى مرمى خيتافى هدفا «خرافيا» دخل نخبة لمحات كرة القدم على مر التاريخ، وهو يشبه إلى حد بعيد الهدف الذى سجله مارادونا فى مرمى إنجلترا فى كأس العالم 1986 فى المكسيك. ويقول اسطورة برشلونة السابق والرئيس الفخرى للنادى الهولندى الطائر يوهان كرويف عن ميسى: «انت ترى ميسى وتقول لنفسك انه يقوم بأمور مستحيلة. تراه يتحرك، يركض، يراوغ، يسجل فتقول انه نابغة، يقوم بأصعب الأمور على الإطلاق. لكن هذا ليس الواقع. الأمر الرائع الذى يميز ميسى هو انه يقوم بأمور سهلة للغاية أو بالأحرى يقوم بما يبدو لنا صعبا للغاية ببساطة وبرودة». وواصل الهولندى الطائر: «لماذا هو أفضل لاعب فى العالم لأنه يملك القدرة على القيام بأمور صعبة دون ان يعانى. ليونيل ميسى يطوف فوق أرضية الملعب. فى بعض الأحيان تعتقد انه غائب (عن المباراة)، وبانه يختبئ، لكنه هناك والمنافسون يعلمون ذلك». وأردف قائلا: «لا أحد فى برشلونة يبذل جهدا أكثر من ليو»، معتبرا ان النجم الأرجنتينى يحافظ على طاقته قبل ان يفاجئ الخصوم وينطلق لمسافة 30 أو 40 مترا ثم يسجل أهدافه. أما الفرنسى أرسين فينجر مدرب أرسنال فشبه أداء ميسى بألعاب الكمبيوتر: «ميسى يصنع الفارق، وبإمكانه قيادة فريقه إلى الفوز فى أى لحظة. انه كلاعب «بلاى ستيشن» (لعبة كمبيوتر) إذ يستفيد من كل فرصة. إنه أفضل لاعب فى العالم وبفارق كبير عن باقى اللاعبين». وأضاف أرسين فينجر: «يستحق (ميسى) كل الثناء، إنه مثال رائع لكل اللاعبين الناشئين رغم أنه من شبه المستحيل أن يكرروا ما يقوم به... ان يتم وصفه بلاعب بلاى ستيشن هو أمر واقعى، لكن لا أعلم فى أى مرحلة من اللعبة يمكن تصنيفه»..!