نظريا يفترض أن يكون المسلمون أكثر أهل الأرض تعددية وتسامحا وتقبلا للرأى الآخر، بحكم ما يوجد فى تاريخهم من تعدد فقهى وفلسفى على مر التاريخ. وعليه لا بد أن يعكس الخطاب الدينى المعاصر هذه التعددية لأنه هو الوسيط بين العقل البشرى والنص الإلهى. وقد وقعت على حوار مفيد للدكتور سعد الدين هلالى فى برنامج «مصر النهارده» الأربعاء الماضى يناقش فيه مع محدثيّه الفاضلين قضية التعددية الفقهية. وقد قال كلاما يمكن وضعه تحت عنوان «الاختلاف رحمة» أو ما قاله الشيخ محمد أبوزهرة تحت عنوان «لا إنكار فى مختلف فيه». أى طالما أن الفقهاء اختلفوا، فلا مجال لأنكر على شخص اختار رأيا من الآراء المختلفة طالما أنه تحت مظلة الشرع الشريف. وهذا الفهم هو الذى يجعلنا أقل تعصبا وأكثر تسامحا. وقد أعطى الأستاذ الفاضل عدة أمثلة تستحق التأمل. كل المدارس الفقهية، عدا بعض الحنفية المتأخرين، ترى أن زكاة الفطر لا تخرج إلا حبوبا. وأما وقد اتجه الفقه الآن نحو إخراج قيمة الزكاة مالا، فقد أصبح ما كان استثناء فى الماضى يوافق المصلحة الغالبة الآن. ويجعل جمهور الفقهاء (من المالكية والشافعية والحنابلة) حديث «من أحيا أرضا ميتة فهى له» مطلق الدلالة إلا أبا حنيفة الذى جعل هذه المسألة مشروطة بإذن الحاكم، وإلا يحدث تقاتل وتنازع بين الناس. وهكذا يصبح رأى أبى حنيفة، الذى كان استثناء، هو المصلحة والقاعدة الآن. وقد انفراد الإمام مالك بقول كان على عهده استثناء وهو الآن السائد فى الكثير من مجتمعاتنا، وهو حرمة إجهاض الجنين منذ لحظة الإخصاب، أى أنه حرم الإجهاض بغير عذر طبى على إطلاقه. ومع ذلك اختلف معه تلاميذه مثل أشهب (فجعل الحرمة بعد سبعة أيام) وقال ابن القاسم بعد شهر، وقال معظم الفقهاء الآخرين إذا استبان بعض خلقه (أى بعد أربعين يوما حتى مائة وعشرين يوما). إذن تسير معظم مجتمعات المسلمين اليوم على منهج الإمام مالك الذى كان استثناء فى الماضى. والأمر ليس بعيدا عن قول بعض الشافعية فى جواز حلق اللحية، فجمهور الفقهاء يرون أن حلق اللحية حرام. وهكذا أصبح قولا شاذا فى الماضى، مصدرا لرحمة الله بخلقه الآن، ولا يمكن الزعم بأن المخالف خارج عن الدين. إذن لقد وقع هؤلاء الأفاضل على مدخل مفيد ليتعلم المعاصرون السعة والتنوع فى فقهنا الحنيف. وعليهم بالمزيد.