«المشكلات الصعبة التى نفكر فيها ليلا نستيقظ لنجدها محلولة فى الصباح، فقد ناقشتها لجنة الأحلام أثناء نومنا». استعانت عالمة النفس الأمريكية دييدرى باريت بهذا الاقتباس عن الكاتب جون شتاينبك فى كتابها الخاص بالأحلام والذى عنونته ب(لجنة الأحلام). ترى باريت أن الأحلام هى نوع من التفكير، ولكنه يختلف عن تفكيرنا ونحن مستيقظون، فالتفكير فى الحلم يكون مصورا وغير منطقى، وهذا أمر مفيد لأنه يؤدى لأن نجد فى أحلامنا حلولا غير تقليدية لمشكلاتنا. تشرح باريت أن كل أنواع المشكلات تقريبا من الممكن أن تساعدنا الأحلام فى حلها، ولكن بشكل خاص فالمشكلات التى تحتاج من صاحبها أن يخلق صورة ما تكون فرصها أكبر فى الظهور أثناء الحلم. نعرف أن آراء دييدرى باريت ليست مجرد آراء نظرية عندما نكتشف أن العديد من الإنجازات العلمية والاختراعات كان مصدرها أحلام أصحابها، فعالم الكيمياء الألمانى كيكوليه حلم بثعبان فى وضع دائرى يعض ذيله، أوحى له هذا الحلم باكتشاف البناء الدائرى لجزئ البنزين. كيكوليه المندهش من حلمه قال لزملائه بعد ذلك: «علينا إذن أن نتعلم كيف نحلم». أيضا فالأمريكى إلياس هاو وهو أحد مطورى اختراع ماكينة الخياطة كان حائرا بشدة فى تصميم إبرة مناسبة لماكينته، وأثناء نومه حلم بأنه فى قبيلة بدائية يحمل أهلها رماحا مثقوبة عند الرأس، استعان هاو بشكل الرماح فى تصميم الإبرة. وقد كانت إبر الماكينات قبل ذلك مثقوبة من جهة الذيل مثل الإبر العادية. تصميم هاو كان يعتبر نقلة مهمة فى ماكينات الخياطة، حيث أصبحت أسرع وأكثر دقة. وقد اكتشف السير فريدريك بانتينج هرمون الإنسولين أثناء نومه، لتحدث بواسطته طفرة فى علاج مرض السكر. يشترك هؤلاء فى أنهم فكروا طويلا فى المشكلات التى يعملون فيها قبل نومهم، حتى تلقوا حلولا لها من خلال الأحلام. لذلك تنصح دييدرى باريت بأنه إذا صادفت أحد مشكلة ما، فعليه أن يفكر فى مشكلته جيدا قبل النوم وبأن يقرر فى ذهنه أن يحلم بالمشكلة وأن يضع بالقرب من سريره ورقة وقلما ليسجل ما يخبره به الحلم فور استيقاظه. من جهة أخرى فالعديد من الفنانين استفادوا من أحلامهم فى مختلف مجالات الإبداع، سلفادور دالى الذى يعد أبرز الفنانين السرياليين فى القرن العشرين تأثرا جدا بكتاب (تفسير الأحلام) لفرويد وعدّه من أهم اكتشافات حياته. تتحدث باريت عن طريقة دالى فى الاحتفاظ بأحلامه: «كان يستلقى على كرسى وبيده مفتاح كبير، وما إن ينام حتى يقع المفتاح على الأرض فيوقظه صوته من نومه، بذلك يستطيع أن يقوم ليسجل الحلم الذى توسط نعاسه ونومه. رسم دالى لوحات كثيرة مستخدما هذه الطريقة». أكثر من عمل أدبى شهير أيضا اعتمد على حلم لمؤلفه، فاثنتان من أهم روايات الخيال العلمى فى القرن التاسع عشر كان مصدرهما الأحلام، فقد حلمت الكاتبة البريطانية مارى شيلى بطالب بجانب جثة مشوهة لرجل، وعن طريق آلة ما دبت الحياة فى الجثة، يومها بدأت شيلى فى كتابة روايتها الأشهر فرانكنشتاين اعتمادا على هذا المشهد. أما الأسكتلندى روبرت لويس ستيفنسون فقال إنه استمد من أحلامه أكثر من مشهد فى روايته الحالة الغريبة للدكتور جيكل ومستر هايد، خاصة مشهد مسخ دكتور جيكل بعد تناوله العقار الذى اخترعه. ولم يخل أدبنا المصرى من عمل معتمد على الأحلام، فقد كتب الأديب المصرى الكبير نجيب محفوظ أحلامه الحقيقية والتى تم جمعها ليصير كتابه الأخير (أحلام فترة النقاهة)، محفوظ الذى منعه المرض من التعامل مع الواقع الذى استمد منه أحداث رواياته الأولى، لم يكن لديه سوى ما تقدمه له الأحلام ليمليها على من حوله فى نهاية حياته، وحتى يستمر فى الكتابة. وكان أبرز ما فى الأحلام هو التعبير عن المخاوف التى راودته طوال حياته. بالإضافة إلى ظهور رموز مهمة من تاريخ مصر كسعد زغلول وزكريا أحمد وحسين فوزى وأصدقاء شلة الحرافيش، ويذكر أن محفوظ فى وقت مبكر عن ذلك كان قد ألف سبعة عشر حلما وضمنها فى كتابه (رأيت فيما يرى النائم). وعلى نفس طريقة محفوظ، فقد نشرت أحلام الأديب البريطانى جراهام جرين التى كان يسجلها طوال 25 عاما فى كتاب بعنوان (عالم من صنعى)، كذلك نشرت الأحلام التى كان يسجلها المخرج الإيطالى فيدريكو فيللينى من الستينيات إلى التسعينيات من القرن الماضى فى كتاب بعنوان (كتاب الأحلام). وفيللينى استعان بأحلامه تلك فى عدد من أفلامه أشهرها فيلمه ثمانية ونصف المحتفى به نقديا. وعلى مستوى الموسيقى فتعد أشهر الأعمال المستمدة من الأحلام هى أغنية Yesterday لعضو فريق البيتلز السابق بول مكارتنى، فقد سمع لحنها أثناء نومه واستيقظ ليكتبها، لتصبح الأغنية واحدة من أنجح أغانى البوب على الإطلاق، وقد أعاد غناءها أكثر من ثلاثة آلاف مغن مختلف.